أصبحت أشفق على "الإنسلاخييين العرب" أكثر من إشفاقي على المتصهينين والعنصريين الغربيين من إعداء الحرية الذين استهدفوا منذ سنوات حزب العدالة و التنمية في تركيا الجديدة و زعيم تركيا رجب طيب أردوغان و جندوا لمقاومته كتائب من بني جلدتنا لقطاء الحضارة ممن يدورون في فلك العنصرية الغربية و التغريب المبرمج للأمة و يقبلون أيادي زعماء الحقد على المسلمين و يتوجهون الى أسيادهم مثل عباد الشمس لا يرون عن الغرب الإستعماري بديلا و لا يقبلون دليلا ولا يكفون عويلا إنهم بقايا الإستخراب الصليبي الذي سموه إستعمارا و الواقفون على أطلال الحداثة الدخيلة الرافضون للحداثة الأصيلة أشفق عليهم وهم يتعازون بينهم بفوز أردوغان مجددا بثقة الشعب التركي و يتباكون على سقوط مخططاتهم و انهيار أوهامهم و من أكثرهم مدعاة للإشفاق ذلك الإعلامي المصري المحترف للتذيل (النموذج الحي لمدرسة التدليس و التلبيس) و الداعي من على شاشة مصرية الى "انتفاضة شعبية تركية تلغي الديمقراطية" و تطيح بمن نعته "بالدكتاتورالتركي" طبعا بالمقارنة مع الجنة الديمقراطية المصرية التي انقلبت على الديمقراطية المصرية الحقيقية ذات يوم من أيام الغفلة ! وهذا الإعلامي هو إبن شرعي لإعلام مصري قديم أساء لشرفاء الإعلاميين المصريين الذين تتلمذنا عليهم ذلك الإعلام المستبله للشعوب الذي كان يقوده المرحوم أحمد سعيد حين كان يبشر العرب في الخامس من حزيران 1967 بالنصر الساحق و يعدد للمستمعين العرب من إذاعة صوت العرب الطائرات الإسرائيلية المتساقطة كالذباب بقيادة المشير عامر ! ذلك الإعلام الذي احترف تزييف الواقع و صناعة أوهام مطلوب ترويجها نفس هذا الإعلام الذي يعاد تكريره اليوم عام 2018 لم يقنع لا المصريين و لا العرب بأن تركيا اليوم 24 يونيو 2018 دخلت في نفق أسود (سود الله وجوههم !) تركيا التي أفاقت منذ عشرين عاما على نداء الهوية والتقدم و الحرية حين هب الأستاذ نجم الدين أربكان طيب الله ثراه و دعا الأتراك ليكونوا الأولين في يقظة الحضارة الإسلامية لا الأذيال في الإتحاد الأوروبي الرافض لهم بعنصرية و نشأ من صلب حركته الأصيلة مناضلان شابان هما طيب رجب أردوغان و عبد الله غول فأقاما معا صرحا عتيدا للحزب الجديد الذي انتهج سبيل الحكمة و التروي و نأى بنفسه عن المغامرة و التصادم فاعترف بالرجل الذي يعتبره الأتراك مؤسس تركيا الحديثة و دوره التاريخي و لكن بالإصرار على إحياء هوية الشعب و صيانة مخزونها الأخلاقي و قيمها الخالدة فوفق الله قادة العدالة و التنمية إلى المزاوجة الذكية بين الحداثة و الأصول و تجلت تلك السياسات في نتائجها الباهرة حيث قفزت تركيا من الدرجة 93 إلى الدرجة 11 في ترتيب الدول إقتصاديا و قريبا كما وعد أردوغان تكتسح تركيا حلقة الثمانية الكبار لتصبح الدولة المسلمة الأولى المصنفة ضمن الصفوة الراقية من الدول المعجزة و تدحرجت نسبة البطالة فيها من 38% الى 2% في ظرف عقدين ثم إن الصناعات التركية في مختلف التخصصات إحتلت المرتبة التاسعة عالميا من حيث طاقة التصدير فإن المستهلك الأوروبي و الأمريكي أصبح يقبل تلقائيا على الغسالة التركية و الكمبيوتر التركي و قطع الغيار للطائرات المصنعة في تركيا بعد أن كان لا يعرف من تركيا سوى (التركش كافيه)والبقلاوة. إنها ثورة شعب قادر على تغيير مجرى حضارته بالتنمية العميقة و رفض الإنخراط في منظومة الإستبداد الأطلسي الذي فرض علينا جميعا الخضوع لهيمنة الغرب الليبرالي المتوحش و منظومة (برتن وودس) الجائرة و شروط صندوق النقد الدولي ومعاهدات ما سموه لنا بالحريات الفردية بإباحة الشذوذ و إلغاء أيات القرأن المجيد بدعوى أن القرأن موضوع لعصر النبوة فقط حصريا و ليس منظومة قيم روحية تهدي الإنسانية إلى السلام و الأمن و راحة الضمير ! النتيجة أن تركيا حلقت عاليا في فضاء رحب و ظلت الدول المتذيلة ترزح تحت نير التخلف و البطالة و الحروب الأهلية المعلنة أو الخفيةو لم يسعفها الغرب المستكبر و نسيت النخبة المتعلقة بأستار أسيادها أن شاه إيران وهو في المنافي لم يسمح له بأرض تأويه و مشفى يعالج فيه ثم بقبريدفن فيه سوى المرحوم محمد أنور السادات بعد خمسين عاما قضاها رضا بهلوي يخدم مصالح اللوبيات الغربية النفطية ويحرس بوابات الناتو ! كما أن أمبراطور الهند الصينية (باو داي) قضى نصف قرن يحمي مصالح فرنسا ثم عاش منفيا في شقة صغيرة و مات فيها في أحد أحياء باريس و كنت تعرفت عليه و على الأمبراطورة (فان توي) زوجته و أنا في منفاي الباريسي و كان يقول لي إياك أن تثق بهم فهم يغدرون بك في أول فرصة.يطير الصقر التركي اليوم حرا لا يعول سوى على شعبه وقدراته و تاريخه و أمجاده.