منذ دهر لم أدخل السوق الاسبوعية ، سوق الاحد، بجوهرة الساحل التونسي ، سوسة الساحرة، لانني كلما دخلتها ، أشعر انني اتجوّل وبيدي جوهرة وعلى رأسي تاج من زمرّد وفي مخيلتي دفاتر صفراء من سنفونيات العشاق ، وعلى كتفي جبال من رسائل الاحبة ، ومن تجاويف إحساسي يتضوع عرق من مسك لا يستنشقه إلاّ المحبون المتعففون، فهما تخفيت عن الانظار يفضحني كلامي ، يفضحني لباسي، يفضحني مسكي ، مسك العشاق ، ورغم كهولتي مازال يمّ قاموس عشقي يرشح إكسيرا من عسجد... وفي هذا اليوم ، يوم الاحد ، أذعنت لرغبة طفليّ، محمد أمين وأميرة، ورافقت زوجتي الى هذه السوق التجارية الفسيحة وكلي حذر من سحر عيون السائحات الشابات ، وعيون المها العربيات، وعيون الحبارى الساحليات... وبعد جولة قصيرة جماعية ، تحررت من مرافقيّ وحملت لنفسي وزر الحرية المنشود، وانغمست في آتجاه المتاهة التجارية ،لعلي أجدد لنفسي بعض ما تتوق اليه من آنشراح وآنعتاق وحرية وود واخلاص وعاطفة ، كنت اتنقل من متجر الى آخر كالفراشة لا أركز على شيء معين بقدر ما كنت اساير نفسي الولهانة المفعمة بدم الشباب ،..وعلى حين غرة ابصرت وردة جميلة على منضدة بائعة الازهار، تلهفت الى قطافها ، تلهف اليها قلبي وآرتجف لها وجداني ،وآمتدت اليها يد قلبي مرتعشة ، لتسحب شذى عطرها الجذاب من حديقة البائعة الساحرة ، الجميلة الآسرة، وحين آمتدت يدي بتلامس الزهرة لامستني سبابتها البلورية ، فأحسست بقشعريرة هزت كامل كياني الوردة ليست لك ، الوردة لمن يغازلني ببيت شعري نابض ومرهف الابداع ، وسهل الامتاع، وبديع الاقناع، الوردة لمن يقوض شذاها ويصب في عروقها دم الوجدان ويدثرها بسحابة ملكوت التيه والوجد والصبابة ، الوردة لمن يسفك رحيقها بسيف العشق ، ولمن يرش على اوراقها ندى الغسق،،،وفجأة القت بين جمع العشاق ، المنبهرين بجمالها ، سلة مليئة بظروف مغلقة ، وأمرتهم بسحب " قصيد الحظ"..وهمست إلينا :" من سيخفق لتعبيره قلبي، سأمنحه حبي !"..وامتدت الايادي الىالسلة، كل يبحث عن بلسم حبيبته المنتظرة ، وفتحت الظروف في لهفة وشوق.. الاول قرأ لها، من اشعار نزار قباني: " لو لم اصادف وجهك الرائع ، ما كنت اميرا للغزل لو لم اقبّلك من الرأس الى الاقدام يا حبيبتي لم يعرف العالم تاريخ القبل لو لم اصور جسمك الجميل في القصائد لم يعرف الاطفال ما شكل العسل لو انني لم اشتغل مزارعا في حقل عينيك لكنت عاطلا عن العمل.." فردت عليه بتحسر:" ومن يقدر على تقبيلي ، وثغري شهد وسراب" الثاني همس اليها من اشعار بشارة الخوري: " يا حسان العيون لطفا ورفقا بقلوب الخلائق الابرياء كل شيء له زوال ويبقى بعد الزوال حسن الثناء أنت رمز الحياة حياة الرمز سر الشقاء وسر الهناء هبة الله للجمال ونعمة هبطت من تل على الشعراء" فأومأت اليه:ومن ادراك ان الحسن الى زوال ؟ الثالث ردد لها من ابداع ايليا ابو ماضي: " عذبي ما شئت قلبي عذبي فعذاب الحب اسمى مطلبي وآزرعيه في فؤادي مثلما يزرع الكرّام غرس العنب واقطفي حبات قلبي حبة حبة ، ثم اعصريها وآشربي" فتنهدت وقالت له:" أخاف الرب من تعذيب أحبتي ؟!" ثم ادارت جيدها المرمري نحوي وافصحت بلغة ندية ، طرية ،منغمة وقالت: "وأنت ، لماذا لم تشارك في لعبة الحظ يا سيدي ؟" فأجبتها و الانبهار يشدني الى كل حركة فيها والى سحر عينيها : " انصتي الى ما جادت به قريحتي ، لحظة وقع عليك بصري ، لحظة وقعت في أسرك، لحظة كبلني قوامك الممشوق ، لحظة سلبني لغوك الساحر الملائكي ، لحظتها انساب شهد العشق على شفتي ليقول لكِ: ".. ، نظرت في عينيها الجذابتين ، نظرت الى دواخل افتتاني وهمست اليّ في رقة وعطف وحنان :" .. لا تقتلع الوجد من وجداني ..".. فذابت كلماتها الساحرة في حلق وجداني .. وسحبت يدي من بسمتها القاتلة واعدت السباحة في وجهها الصبوح وهمست اليها:" ذاب بؤبؤ الود في ود البؤبؤ الاغروآنصهر..ونما زهر الحب في حديقة قلبي وآنبهر.. وهزني رحيق الوفاء الى محراب العشق وآنهمر.."