على إثر الحادثة الإرهابية الأخيرة التي جدت بجهة جندوبة والتي ذهب ضحيتها عدد من رجال الحرس الوطني وما خلفته من ردود فعل غاضبة بسبب التراخي الأمني الذي حصل والأخطاء التي من الممكن قد تكون ارتكبت وسهلت وقوع الاستهداف الإرهابي، أجرى مختار بن نصر العميد المتقاعد من الجيش الوطني و رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب حوارا نشرته جريدة الصباح ليوم الأربعاء 11 جويلية الجاري تحدث فيه عن الخلفيات التي كانت وراء ما اعتبر عودة للإرهاب من جديد في تونس بعد النجاحات التي تحققت في محاصرته وتضييق الخناق على عناصره بتلقيهم ضربات موجعة كما تناول السياق السياسي الذي رافق هذه الحادثة وهو سياق داخلي اتسم بحصول بعض الاضطراب في استقرار الحكم جراء الخلاف الذي حصل نتيجة مطالبة بعض الجهات برحيل رئيس الحكومة يوسف الشاهد وبعد إقالة وزير الداخلية لطفي براهم في ظروف مفاجئة ولأسباب قيل عنها أنها مرتبطة بمسؤوليته فيما حصل من غرق لأفراد كانوا على متن قارب بصدد القيام بعملية مغادرة الحدود البحرية خلسة وبطريقة غير شرعية. ومما جاء في هذا الحوار الهام في علاقة بعودة الارهابيين التونسيين من من سوريا والعراق ومناطق أخرى توجد بها حروب ما أكده مختار بن نصر من أن تونس بصفتها عضوا فيه ملزمة بقرار مجلس الأمن عدد 2396 لسنة 2017 بتسلّم المقاتلين الإرهابيين الحاملين لجنسيتها وعددهم 2929 مقاتلا الذين سبق لهم أن غادروا البلاد والتحقوا ببؤر التوتر وقد عاد منهم إلى حد الآن حسب الاحصائيات الرسمية 800 عنصر وذكر بأن الحكومة التونسية استعدت لهذه العودة واتخذت كل الاجراءات لحماية أمنها الداخلي ضد هؤلاء العائدين. وهذا يعني أن قرار عودة كل الارهابيين التونسيين هو قرار دولي يتجاوز الدولة التونسية اتخذ خارج الإرادة السيادية للدولة التونسية والحكومة ملزمة بتطبيقه شأنها شأن بقية الدول الأعضاء في مجلس الأمن الذين لهم أفرادا تورطوا في أعمال إرهابية مع جماعات إرهابية مقاتلة في كل من سوريا والعراق وخاصة العناصر التي انظمت الى تنظيم داعش بعد أن قرر من صنعه ووظفه انهائه وتصفيته. و يضيف العميد مختار بن نصر أن الإرهاب كان موجودا قبل الثورة وقد زاد بعدها وتوسع بسبب ما حصل من انفلات وفراغ أمني وبسبب ما حصل من هشاشة على مستوى منظومة الحكم وقد كان هدف هذه الجماعات الاستيلاء على الدولة وتغيير نمط المجتمع التونسي .. ولكن بعد سبع سنوات من الثورة ومتابعة كل جزئيات الظاهرة والتعرف على روابطها الاقليمية والدولية فإنه يمكن لنا أن نقول بأن الإرهاب في تونس يبقى أقرب إلى الإرتزاق منه إلى العمق الديني الايديولوجي .. لقد كانت هناك ظروف دولية ساعدت على انتشاره وتمدده وحولته إلى صناعة ومن صنعه له مصالح من وراء ذلك .. الإرهاب لم ولن ينته وهو قادر على تجديد نفسه على الدوام لأن هناك أجندات ومصالح وراء وجود الارهاب الذي يبرر بعدة مبررات منها وجود جهات مستفيدة من تجارة الأسلحة ومنها أن الارهاب يستعمل للتحكم في الشعوب والاستيلاء على ثرواتها أو هو ضروري لحماية عدة قوى أجنبية في دول معينة . ما يمكن ملاحظته بعد الوقوف عند هذا التصريح للعقيد مختار بن نصر هو أنه لأول مرة في التعاطي مع الظاهرة الارهابية يتم استعمال مصطلح " الارتزاق " ولأول مرة نقرأ كلاما صادر عن شخص من المؤسسة العسكرية وملم بملف الارهاب وله دراية واسعة بشبكاته يربط بين الارهاب و عناصره المرتزقة المأجورة ولأول مرة يتم توصيف الإرهاب بكونه عمل مأجور تنشط به عناصر مرتزقة موظفة وتعمل لصالح جهات معينة بغاية تحقيق أهداف مرسومة و بهذا التحليل ينتقل بالظاهرة إلى مستوى آخر من الفهم ويبتعد بها عن التفسير التقليدي الذي تعودنا عليه والذي يركز على العامل الاجتماعي والبعد الاقتصادي الذي يجعل من دوافع الفقر والتهميش وعدم الاحساس بالاهتمام من قبل الدولة وحالة الغربة الاجتماعية التي يعيشها الكثير من الشباب هي الدوافع نحو تحويل وجهتهم واتخاذ قرار الالتحاق بالجماعة الارهابية التي توهمهم بغد افضل في ظل دولة تعيد لهم الكرامة وتحقق لهم الراحة النفسية والحلم الايماني. إن التحليل ينهي كذلك الفكرة التي لا تزال سائدة من كون الإرهاب ظاهرة دينية لها ارتباط بتفسير معين للدين ويقطع مع الخطاب الذي يعتبر الارهاب حالة دينية مرتبطة بالتطرف والغلو الديني فقط ليجعل منه صناعة وراءها جهات من مصلحتها إدامة التوتر في العالم العربي والإسلامي خدمة لتوجهات عالمية وإقليمية باتت اليوم معلومة من أجل تحقيق غايات اقتصادية وراءها شركات عالمية مختصة في صناعة وبيع السلاح وهي تحتاج إلى مناطق صراع وحروب حتى تبيع بضاعتها وتواصل نشاطها .. وإلى جانب ذلك فإن الارهاب اليوم حسب تصريح العميد مختار بن نصر هو وسيلة تلجأ إليها القوى العظمى في العالم للسيطرة على الشعوب والتحكم في الحكومات وتوجيهها الوجهة التي تريد في نطاق منظومة العولمة لتي تقوم على التحكم في كل شيء وبشتى الوسائل لفرض قيم ومبادئ وقوانين وخيارات واحدة يسير عليها الجميع ويوظف لمزيد السيطرة والتحكم في مقدرات الدول وخيراتها والاستيلاء على ثرواتها وبهذا يحول الانتباه الى إلى الوجه الأخر من صورة الارهاب في لحظته الراهنة وهي صورة أعمق وأشمل مما كنا نعتقد ونظن ليتحول إلى منظومة عالمية وراءها قوى تصنعه وتخطط له وتوظف في شبكاته عناصر وأفراد مرتزقة مأجورة تعمل بالوكالة . إن المفيد في ما قاله العيد مختار بن صر حول حقيقة الارهاب في بلادنا في كونه يحقق قدرا من الوعي بظاهرة الارهاب وهو وعي نحتاج إليه في فهم الظاهرة يضعنا أمام أسباب أخرى مهمة ومحددة رغم أننا لا ننفي وجود الأسباب التقليدية المعروفة والتي تجعل من الظاهرة الارهابية ظاهرة دينية تغذيها عوامل نفسية واقتصادية واجتماعية. إن ما قاله العميد مختار بن نصر مهم يؤسس لفهم ووعي وإدراك جديد لقضية الارهاب وهي مقاربة غير مألوفة نحتاج أن نشتغل عليها أكثر وأن نوسع النقاش بخصوصها .