الوضعية الصعبة التي تعيشها الأسر التونسية يمكن فهمها وادراكها بالاعتماد أولا على الأرقام الرسمية التي تسير كون المقدرة الشرائية للمواطن التونسي تراجعت بنسبة 40 بالمائة وأن أسعار المواد الاستهلاكية تزايدت بنسبة 100 بالمائة وأن الزيادة وصلت في بعض المواد الغذائية الى 200 بالمائة. هذه الأرقام رغم ارتفاعها تبقى نظرية أو على الأقل نسبية لأن المقياس الحقيقي هو الواقع. من هنا نأخذ بعض الامثلة الواقعية فسعر الفلفل حاليا لا يقل عن 1500مليما في حين انه سابقا كان لا يتجاوز 500 مليما في مثل هذه الفترة من السنة اي فصل الصيف والأمر نفسه لبقية السلع من الخضار. مواد أخرى شهدت ارتفاعا جنونيا في أسعارها والأمر نفيه بالنسبة للملابس وأيضا الأدوية التي بات سعرها يرتفع دون اعلان ةلا ملاحظة لأن من يدرك ذلك هو المريض ذاته . المشكل أو السبب الأول للوصول الى هذه الوضعية هو أن الدولة فقدت السيطرة على مسالك التوزيع أو على الأقل نسبة كبيرة منها فالأسعار في المرحلة الأولى أي الفلاح تكون متدنية لكن بمجرد وصولها الى المرحلة الثانية أو الموزع وهو الوسيط يأخذ الوضع منعرجا آخر وتقفز الأسعار وتتضاعف ما يعني أن المشكلة لا تتعلق بالإنتاج بل بالتصرف وسيطرة القلة على مسالك التوزيع. العامل الآخر هو أن رفع سعر المحروقات ينعكس مباشرة على التكلفة اي يرفع فيها والنتيجة هي ان المنتج يجد نفسه مضطرا لرفع السعر باعتباره يتحرك وفق هامش ربح يقاس بالنسبة. هناك أيضا عاملان لضرب المقدرة الشرائية للمواطن الأول انهيار قيمة الدينار والذي اضافة لكونه زاد من رفع الأسعار فانه أثر سلبيا على قيمة الأجور وهنا ننتقل الى العامل الثاني وهو انحدار المرتبات كقيمة أي ان ما كان يعتبر مرتبا مرتفعا أو كافيا قبل سنوات قليلة بات اليوم مرتبا ضعيفا رغم أن حجمه لم يتغير.