منذ أن انطلقت لجنة تقصّي الحقائق في الرشوة والفساد، وهي اللجنة التي يرزسها السيد عبد الفتاح عمر، في القيام بالمهام الموكولة اليها، تتوافد يوميا على مقرّها بشارع خير الدين باشا في العاصمة، افواج من المواطنين، قادمين من مختلف الجهات، ومن المناطق الداخلية بالجمهورية، حاملين حلم استرجاع الحقوق المسلوبة منهم، وأمل مساعدتهم على إظهار الحق من قِبل لجنة تقصّي الحقائق، وملفات تتضمّن الوثائق والادلة على ما تعرّضوا له من المظالم، بسبب ممارسات الفساد والرشوة في عهد نظام الرئيس السابق. ولكل واحد من هؤلاء المواطنين حكاية مع الظلم ترويها قسمات الوجوه المتطلعة الى الافق، في انتظار ان تصل اللجنة في تقصّيها عن الحقائق، الى تتبع كل خيط موصل الى الحق، لإرجاعه الى أصحابه والى الكشف عن رؤوس الفساد ومُحاسبتهم. فما ضاع حق وراءه طالب.. وإن طال الزمن والانتظار.. مثلما ردّد بعض الذين التقيناهم من المواطنين على باب مقرّ لجنة تقصّي الحقائق في الرشوة والفساد، يحدوهم أمل كبير في أن ترفع عنهم المظالم، ليسترجعوا الثقة في الدولة، وتيقّنوا أنّها الآن حقا، دولة قانون ومؤسسات. قهر اسمه الطّرد التعسّفي.. بقلب مفتوح، استمعت «الصريح» الى بعض هؤلاء المواطنين ممّن تأبّطوا ملفاتهم، وجاؤوا بها الى لجنة تقصّي الحقائق في الفساد والرشوة. وفي بعض الحكايات التي يروونها عن مظالم كانوا تعرّضوا لها في النظام السابق، نظام بن علي، ما يبعث على الغرابة. فهذا عمر الرزڤي أفنى ربع قرن من عمره في العمل على رافعة آلية بإحدى شركات مواد البناء، ولكن بعد كل هذا المشوار الطويل في العمل، وجد نفسه في مهبّ الضياع، بعد أن طرده مشغّله طردا تعسّفيا مثلما روت لنا زوجته التي قدمت الى العاصمة، وتحوّلت الى مقرّ لجنة تقصّي الحقائق في الرشوة والفساد، من أجل أن تبلّغ مشكلة زوجها، مستظهرة بالوثائق اللازمة الدالة على تعرّضه الى مظلمة.. وما تذكره هذه المواطنة في حديثها لنا عن معاناة زوجها، هو أن مشغّله اقترح ان «يعطيه حويجة»، مقابل ذهابه في حال سبيله، والتفريط في حقه، وعدم مطالبته بأي تعويضات. حالة أخرى مشابهة، ولكن هذه المرّة لحوالي 700 عاملة قضّين سنوات طويلة في العمل بأحد مصانع النسيج ببن عروس، ليجدن أنفسهن في آخر المشوار المهني، على برّة»، مطرودات طردا تعسّفيا. ويقول منصف العجيمي الذي تعرّضت كلاّ من زوجته فوزية وشقيقته مليكة الى المظلمة، ان هناك من العاملات من توفّين قهرا وظلما وحسرة، بعد أن قرّر مشغّلهن، صاحب معمل الخياطة غلق المؤسسة، وطردهن جميعا، دون الاعتراف لهن بأي حقوق أو تعويضات. وجاء على لسان أخته مليكة التي زاولت العمل بالمؤسسة منذ سنة 1978، وأفنت عقودا من عمرها وحياتها هناك، أن مشغلها صارح جميع العاملات المطالبات بحقوقهن، والمطرودات طردا تعسّفيا، بأنه مستعد لأن يدفع الاموال على وجه الرشاوى، على أن يسدّد لهم مستحقاتهم. وتدخّل منصف ليبيّن أن المحكمة قد أصدرت حكما قضائيا لفائدة أخته وزوجته المطرودتين طردا تعسّفيا، الى جانب مئات العاملات الاخريات، ولكن تنفيذ الحكم بقي معلّقا الى يوم الناس هذا، طالبا من أن تكشف لجنة تقصّي الحقائق الحقيقة، وتساعد القضاء على ارجاع الحق الى أصحابه. مواطن نفّذت على مواشيه عقلة أربكت عقله ملفات متعددة وشكاوى مختلفة لهذه الجموع من المواطنين القادمين من شمال البلاد وجنوبها الى لجنة تقصّي الحقائق في الرشوة والفساد.. والملف الذي حمله عيّاشي العماري (أب لأربعة ابناء)، يتضمّن حكاية ما تعرّض له من انتهاك للحقوق على يد أحد أقارب الرئيس المخلوع، اذ حرمه من كل تغطية اجتماعية على مدى سنوات العمل لديه كرئيس مجموعة على الاشغال بالمقاولات التابعة له. وفي حكاية اخرى لمواطن قادم من جندوبة، وهو المدعوّ يوسف الحويجي، يتبيّن أن القضية المطلوب من لجنة تقصّي الحقائق تتبع خيوطها، تتعلق بتنفيذ عقلة على ممتلكاته من المواشي والشياه، دون التأكد من ملكية المعقول، وذلك منذ سنة 2002.. ويبقى للجنة تقصّي الحقائق في الفساد والرشوة برئاسة عبد الفتاح عمر التثبت والبحث في كل ملف وفي كل حالة من الحالات، وهي حالات يومية، وبالعشرات، على أن يكون للقضاء الكلمة الفصل في الآخر.