بلاغ هام لبلدية تونس..    توننداكس يزيد ب10،25 بالمائة نهاية الثلاثي الأوّل من 2025    كأس تونس لكرة القدم : تعيينات مباراتي الدور نصف النهائي    جريمة قتل مروعة/ فصل رأسه عن جسده: شاب ينهي حياة والده شيخ 95 سنة..!    سقوط طائرة عسكرية مصرية ومقتل طاقمها..#خبر_عاجل    قطر تُهدي طائرة لترامب: البيت الأبيض يُوضّح    نقابة التاكسي الفردي: نسبة نجاح الإضراب تجاوزت 95% وتعليق مؤقت في انتظار نتائج التفاوض    غياب الترشحات لرئاسة وعضوية الهيئة المديرة للنادي الصفاقسي    لا ترشحات لرئاسة النادي الصفاقسي    تنبيه هام لمستعملي هذه الطريق..#خبر_عاجل    طقس اليوم...درجات حرارة قياسية تصل إلى 40 درجة في بعض المناطق!    الدورة الأولى لتظاهرة 'في الكتابة المسرحية' من 29 الى 31 ماي الجاري بمركز الفنون الدرامية والركحية بأريانة    في هذه الولاية..وفرة في الأضاحي وأسعار أقل ب150 دينار مقارنة بالسنة الماضية    صراع صلاحيات بين المحاسبين وعدول الإشهاد في تونس...الأسباب    البنك المركزي الصيني يخفض معدلات الفائدة الرئيسية لمستويات قياسية    شركات الحراسة تردّ: لسنا فاسدين... ونخضع للرقابة القانونية    فلاحو تطاوين يرفضون تسعيرة 21.900 دينار للكيلوغرام الحي: ''السعر العادل يبدأ من 26 دينارًا''    السجن ثم السفارة: المصادقة على تعيين أب صهر ترامب سفيرًا بفرنسا وموناكو...مالقصة؟    تقلبات جوية منتظرة بداية من هذا التاريخ    طرابلس: العثور على 58 جثة مجهولة الهوية في مستشفى    إطلاق خط جوي جديد دبلن – النفيضة    نابولي وإنتر دون مدربيهما في الجولة الختامية من الكاتشيو    قيس سعيد يأمر بتنويع مصادر تمويل الصناديق الاجتماعية    ألمانيا: القبض على سوري يشتبه بطعنه 5 أشخاص بمدينة بيليفيلد    رئيس الجمهورية: الثورة التشريعية لا يمكن أن تتحقق الا بثورة في إدارة المرافق العمومية    طقس اليوم: ظهور خلايا رعدية محلية مرفوقة بأمطار    النائب رؤوف الفقيري: السجن لكل من يُمعن في التشغيل الهش... ومشروع القانون يقطع مع عقود المناولة نهائيًا    طهران: تونس تدعو دول منظمة التعاون الاسلامي إلى إقامة شراكة متضامنة ومستدامة في مجال البحث العلمي    ليبيا.. آمر "اللواء 444 قتال"يكشف تفاصيل جديدة حول مقتل الككلي بطرابلس    عمرو موسى يحذر من محاولات إيقاع فتنة بين مصر والسعودية    الجزائر تتهم فرنسا بخرق اتفاق الجوازات الدبلوماسية    صفاقس: افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    تصنيف لاعبات التنس المحترفات - انس جابر تتقدم مرتبة واحدة وتصبح في المركز الخامس والثلاثين    كاس افريقيا للاندية الفائزة بالكؤوس لكرة اليد : الترجي الرياضي يفوز على ريد ستار الايفواري 34-19    رابطة ابطال اسيا 2 : التونسي فراس بلعربي يقود الشارقة الاماراتي للقب    أسبوع المسرح البلدي: 5 عروض على ركح المسرح البلدي بالعاصمة من 20 إلى 25 ماي 2025    الإعلان عن تأسيس الاتحاد المهني للصناعة السينمائية والسمعية البصرية    المهدية... في اختتام شهر التراث.. «الجبة» واللّباس «المهدوي» في قائمة «اليونسكو»    خلال الحفل السنوي بفرنسا...تتويج تونسي في مهرجان «كان» السينمائي    أريانة...المدرسة الإبتدائية حي النصر.. تتويج جديد عن فيلم «l'empathie»    الهيئة الوطنية للسلامة الصحية تحجز حوالي طُنّ من الدجاج غير الصالح للاستهلاك    قابس: وفرة في عدد الأضاحي مع انخفاض أسعارها مقارنة بالسنة الفارطة (رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة)    صفاقس دعم صحة الأطفال : افتتاح وحدة حديثة لتصفية الدم بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر    موعد رصد هلال ذي الحجة    تحويل جزئي لحركة المرور بباردو    نجاح أول عملية قسطرة عبر منصة "نجدة" الرقمية لمرضى القلب في ولاية مدنين    عاجل/ الإطاحة بالسّارق "الشبح" في هذه الجهة    تصريح مؤثّر من والد رحمة لحمر بعد الأحكام الأخيرة في القضية.. #خبر_عاجل    لطيفة تستعد لألبوم صيف 2025 وتدعو جمهورها لاختيار العنوان    النادي الإفريقي.. بلاغ عن لجنة الإشراف على الجلسات العامة والمنخرطين    الخطوط التونسيّة تؤمن 44 رحلة لنقل 5500 حاج خلال موسم الحج    هذا موعد رصد هلال شهر ذي الحجة..#خبر_عاجل    تزوجته عرفيا: تونسية تخفي جثة زوجها بوضع الملح عليه وتفر..تفاصيل ومعطيات صادمة..!    رصد هلال ذو الحجة 1446 ه: الرؤية ممكنة مساء هذا التاريخ    لا تُضحِّ بها! هذه العيوب تُبطل أضحيتك    طقس الاثنين: ارتفاع في درجات الحرارة    تونس تدعو إلى تعاون مسؤول للحدّ من هجرة الكفاءات الصحية    من تجب عليه الأضحية؟ تعرّف على الشروط التي تحدّد ذلك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ عبد الكافي يكتب لكم : سباق مع الزمن
نشر في الصريح يوم 27 - 09 - 2018

اشتكى الناس دوما ويشتكون من جري الزمان وسرعة مرور الأيام. فجدّاتنا وأمّهاتنا كنّ يقلن " بسم الله ، الأيام طائرة مثل الرّيح " . مثلهنّ اشتكى الشاعر الفرنسي الملهم ألفونس دي لامارتين ، بقصيدته الخالدة " البحيرة " فيقول بلسان عربي أقرضه إياه الشاعر اللبناني البليغ نيقولى فيّاض الذي عرّب القصيدة فكاد التعريب يفوق الأصل:
أهكذا أبدا تمضي أمانينا * نطوي الحياة وليل الموت يطوينا * تجري بنا سُفُن الأعمار ماخرة * بحر الوجود فلا نلقي مراسينا *
ثمّ يطلب وقوف عجلة الدهر عن دورانها فيتوسّل :
يا دهر قف ! فحرام أن تطير بنا * من قبل أن نتحلّى من أمانينا * ويا زمان الصبى دعنا على مهل * نلتذ بالعيش في أحلى ليالينا *
توسّل لامارتين أو اشتكت جدّاتنا فالدهر لن يستجيب وهو مواصل سيره ، بل جريه ، وما علينا سوى مجاراته وإلا همّشنا أو حتى سحقنا.
قلت في حديث سابق إننا ، كما يعلم الخاص والعام ، نعيش منذ عدة عقود ، ثورة من تلك الثورات التي عرفها وسيعرفها الإنسان طوال حياته في هذه الدنيا. ثورات أساسها التقدّم والتطور ، ومن نتائجها تغييرات كثيرة عميقة تخضع لها المجتمعات والأفراد. فمن وظائف تلغى إلى مهن وحرف تزول ، وطباع تتكيّف ولغة تتجدّد. جابه الإنسان تلك الثورات وما فرضته بما وهبه الله من صبر ، وقدرة على التكيّف والتلوّن ، واستعداد للانسجام والتعايش مع كلّ جديد. كلّ هذا جميل معروف ، لكن الثورة الحالية تختلف عن سابقاتها بالسرعة الفائقة التي تجعل من الصّعب مسايرتها ، وبما هو أصعب ، التجديد المستمر المثير السريع المُدخَل على حديث المخترعات من آلات صغرت أو كبرت ، وأدوات منزلية وخصوصية. ثورة تقنية هاجمتنا دون سابق إنذار وخلال ثلاثة أو أربعة عقود ، غيرت الكثير ونحن عنه غافلون. لست في حاجة لذكر أعمال ومهن ولّت ونسيت مثل بائع الحليب من دار إلى دار ، أو طبخ الطعام والقهوة والشاي على الكانون بفحمه ، وقائمة طويلة أقرب منها تاريخيا مثل تغييرات جهاز استقبال الإذاعة المرئية أو أجهزة الهاتف الثابت أو المحمول. فمن لا يزال يستعمل أو حتى يتذكر شريط الكاسات أو القرص المضغوط (ق.م.) المعروف باسم سي دي ، والآلة الراقنة ؟ كلها أتى عليها الدهر فضاعت في غياهب النسيان بعد هجوم البدائل الأكثر نجاعة وأوفر خدمات. فهذه التغييرات السّريعة ، وهذا التقدّم الأسرع ، وهذه المخترعات والعمليات أو البرامج التي تقدّم لنا فتغرينا ، وهذه الشبكات المُيَسِّرة للتواصل والتخاطب بالصوت والصورة ، ما هي سوى وسائل جديدة لتغييرات سريعة خضعنا وسنخضع ، وخضعت حياتنا وستخضع لقوانينا ومتطلباتها ضروريا أو مسايرة أو محاكاة دون أن نقف ، ولو لحظة ، لنتبيّن إن كانت لهذه التجديدات سلبيات مع إيجابياتها ، وفي جميع الحالات كيف علينا أن نتصرّف بعقلانيّة وواقعيّة ، وما علينا معرفته وتعلّمه كي نجني أكثر نفعا وفائدة فنكون أبناء عصرنا.
هناك قول كريم يقول " استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان". عملنا وعمل الكثيرون بحكمة هذا القول ونحاول مواصلة العمل به ، لكن معظم ما أتت به الثورة الرقمية الحالية أساسه أو من أسسه وغاياته القضاء على السر والخصوصية وأول واشٍ أو مفشي أسرارنا هو الهاتف المحمول. كانت إحدى الزميلات تعادي مثلي الهاتف المحمول واعتبرته ، كما اعتبرته ، وسيلة نجدة لا غير. لكنها انتهت بالخضوع للواقع ومسايرة العصر فها هي تقول:" أصبحت أسترشد الهاتف ثمانين مرّة يوميا أي كلّ عشر دقائق ، هو آخر ما أشاهد عند دخول فراشي وهو أوّل ما أقابل عند النهوض." تعدّد بعد ذلك الخدمات التي تجدها فيه ، فهو المنبّه صباحا وهو المذياع لسماع الأخبار ، والمفكرة لأعمال اليوم ، والخريطة الموصلة إلى حيث الاتجاه ، هو مسجل المقابلات الصحفية ، وهو آلة التصوير، وبواسطته تكتب الرسائل الإلكترونية وبالإمكان حتى كتابة المقالات ونشرها ، به يطلب التاكسي وبه يسدّد مقابل الرّحلة. خدمات جليلة تختصر الوقت ، وتنقص التعب والتنقل لكن ما هو الثمن؟ ضياع السّرّ وانعدام الخصوصيّة.أيمكن أن يوجد سر في عالم رقمي حيث تترك كلّ حركة أثرا ؟ عندما صرّح مارك تسوكربارغ (جبل السكر) عام 2010 بأنّ الخصوصية ماتت اتهم بالمبالغة لكن بمرور الأيام اعتبر مكتشف الغيب أو صاحب رؤيى جعلته صاحب ملايين. فمخترع برنامج " فايس بوك " هذا ، يعرف بتلك الصفحة ، ميولك الجنسية ، لمن تدلي بصوتك في الانتخابات ، تخضع لتأثير العائلة أو الأصدقاء ، تعجبك الطبيعة أم تفضل المكوث بالبيت في نهاية الأسبوع ، كم هو دخلك ، إلى أين تحلم الذهاب لقضاء عطلتك ، ومن عندك مسجّل بمذكرة اتصالاتك. أبقي بعد هذا شيء يمكن تسميته سرّا أو خصوصيّا ؟ تقول ريجينا فلورس مديرة ، المساهمة في بعث برناج عنكبوتي اسمه " ديتا سالفي " يُمَكّن مستعمل الفايس بوك من اكتشاف ما يعلمه هذا الأخير عنه تقول: إنه يعرف من أنت وهذا ما يدرّ عليه الأرباح الوفيرة. فهذا البرنامج الجديد يرمي إلى توعيتنا بما نتعرّض له عبر الشبكة. لأن الفايس بوك أو الإستار آب أو غيرهما من الخدمات ، لا تكتفي بالاستحواذ على المعلومة فحسب ، فعدّة عمليات أخرى بهاتفنا المحمول توشي بكلّ حركة نقوم بها. هنا يتساءل الأستاذ جوسيب كانياباتي أستاذ قانون بجامعة برشلونة الحرّة وأخصّائي حماية المعلومات قائلا:" لماذا تطلب عملية تصلح ليرسم ابني حيوانات ترخيصا كي تعلم موقعي الجغرافي ومذكرة اتصالاتي ؟ أما أستاذة الإقتصاد السيدة مارتا غارثيا فهي تقول: " إن أكبر كنوز القرن الواحد والعشرين هي الآثار – المعلومات – التي نتركها في الشبكة العنكبوتية. فالمعلومات أصبحت تسمّى " الذهب الأزرق " وهي مبعثرة في مناجم رقمية. شرعت مؤسسات كثيرة في استثمارها دون أن يعي مستعمل الشبكة قيمة ومردود أثره ، ولا حجم ولا غاية معلومته الشخصية. أما الزميلة الأستاذة الجامعية مؤلفة كتاب " نهاية العالم " الدكتورة مارتا غارثيا آلر فهي تنبه قائلة:" إن ما يجب أن يكون واضحا لدينا هو أنه إذا كان البرنامج أي العملية التطبيقية داخل الشبكة مجانيا ، فإن البضاعة هي نحن. إننا إن قبلنا الشروط ، لا تكاسلا فقط ، بل لأن ما تعرضه الشبكة من خدمات تهمنا." لكن: أين حدود ضياع بواطن أمورنا وإفشاء أسرارنا ؟
الآن وقد وجدت السيارة التي تسير ذاتيا ، والثلاجة الذكية ، وحتى الفانوس ذكي صناعي ، فإن حجم المعلومات التي نعطيها يتضاعف ، وكذلك كمّية الأخبار التي نتنازل عنها طوعا عندما نضغط على لمسة " أقبل " أو " أوافق " ، وجب علينا – صغة الجمع تشمل الناس جميعا – أن نتعلم أولا كيف نعامل ونتعامل ونفهم ونعايش المخترعات التي وصلتنا وأيضا التي ستصل قريبا مستغنية في كثير من الحالات عن عملنا وتدخلنا ، ومستحوذة أكثر فأكثر على مواقعنا وعلى ما نقوم به حتى الآن ، والأكثر وجوبا وأهمية هو تعلُّم ما يمكّننا من مواجهة هذا المستقبل الحاضر.
إن هذا المستقبل الذي يطرق بابنا يتطلب منا بل يفرض علينا الاستعداد نفسيّا وعقلانيا وماديا وجسمانيا. كم كان بودّي تقديم حلّ أو حلول عملية ، لكني لست الرجل المناسب القادر، ولا العارف ، ولا المُدّعي ، فلا حول لي سوى تقديم اقتراح علّه معقول صائب فينال ما يليق به من العناية فيعمل به أو يطرح. إنّ ما أرتئيه عاجلا وملحّا هو مراجعة مناهج التعليم بكل مستوياتها ، وتحويرها وتكييفها كي تناسب مستحقات هذه الحقبة. فكثير من الوظائف والأعمال والتخصصات زائلة قريبا أو منخفض كثيرا عدد من يعمل فيها ، وكثير من المعدات والوسائل والآلات حتى المنزلية ، ستحتاج إلى معرفة ومرونة وتأقلم غير ما اعتدناه حتى اليوم. سواء حُوِّرت مناهج التعليم أم لا فالضروري المُلحّ اللازم هو العناية بالتكوين ، تكوين مهني يُعِدّ العقول والسواعد والأيدي لما يجدّ من المخترعات التي ظهر بعضها في عدّة بلدان وأماكن. لا أبالغ إن قلت أن هذا التكوين سوف لا يكون موقوفا على موظفي وعمال المستقبل القريب بل حتى على من تقدمت به السنّ مثلي إذا أراد استعمال ما ستتطلبه حياته وحاجياته الضروريّة. أخيرا أقول: هذا التعليم التكويني ، إن أريد به نافعا مفيدا، فليكن إعداده جماعيا ، أي غير مقتصر على السلطة والمسؤولين عن التعليم ، بل يتم بمشاركة النقابيين وأرباب العمل. فهؤلاء وأولائك هم الذين سيتضررون أو يستفيدون، وهم أدرى وأعلم بلزوميات ما هو آت .
قديما قيل " فاز باللذة الجسور" والمثل الشعبي ينصح قائلا: خذ نصيبك من الأول ولو كان ضربا بالعصا." فلنكن من السباقين وعلى الله وأنفسنا متوكلين فلا بدّ أن نكون من الفائزين الناجحين.
مدريد 11- 9 – 2018


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.