انك اذا صفعت "ميّتا" على وجهه لم يبالي اما الحيّ فينتفض و يثور و يردّ لك الالم المين . نعم لقد كان شعب تونس قبل 14 جانفي 2011 و بغض النظر عن بعض الاستثناءات النادرة ميّتا و في سبات عميق فالحاكم يفعل ما يريد بالعباد و البلاد التي اضحت و كانها مزرعة خاصة باولي السلطة و الجاه . انتخابات شكلية مزيفة و فتات يوزع على غالبية المواطنين الذين ما عليهم سوى السمع و الطاعة و التسبيح بحمد الحاكم و فضله و سخائه . اما اليوم و رغم التدهور الاقتصادي الذي لا يخلو منه اي انتقال ديموقراطي و الاحتقان الاجتماعي فان المواطن التونسي اصبح بطريقة او باخرى فاعلا ووازنا في اخذ القرار و يقرء له الف حساب و خصوصا عند اقتراب موعد الانتخابات و حتى عزوفه و فقدانه للثقة في نخبه السياسية فيعتبر موقفا يجب تحليله و التمحيص فيه. التونسي اليوم اصبح يعترض على القرارات الحكومية او الرئاسية و يتظاهر و يحتج و يطالب بحقوقه و في احيان اخرى يتناسى واجباته لكن لا باس فطفرة من الحرية توشك ان تصبح فوضى لافضل الف مرة من تكميم للافواه و قمع و استبداد يفقد الفرد معنى وجوده و يسلبه كينونته التي ارتضاها له خالقه عز و جل و يقتل الامل في اي اصلاح او تطوير و لا ينتهي كما علمتنا التجارب الا بانقلاب او انتفاضة او ثورة هادرة لا تبقي احيانا لا على اخضر و لا على يابس . حتى اعداء الوطن و الطامعون فيه من الخارج و الذين ما فتئوا على امتداد سنوات يبتزون حكاما لا سند شعبي لهم و لا شرعية انتخابية حقيقية, فانه لا رادع لهم سوى شعب حيّ يدافع عن كرامته و عن سيادته بكل شجاعة و صرامة و مستعد لشتى انواع المواجهات في سبيل عزة وطنه و مناعته . نعم ان حصانة تونس اليوم ليست فقط في مؤسساتها وجيشها و امنها ,بل اساسا في وعي شعبها و فطنته و حيويته و ردة فعله الحينية و غيرته على مقدراته و التفافه ووحدته ازاء شتى انواع التهديدات الخارجية و التي لن تتجرء مهما بلغت قوتها على تحد شعب باكمله . عندما تشاهد جحافل التونسيات و التونسيين و مهما كانت خلفياتهم الايديولوجية و السياسية و ان وجدت بعض التجاوزات من هنا و هناك ,كيف يتابعون الاخبار على مواقع التواصل الاجتماعي لحظة بلحظة و يتفاعلون بالقول و الفعل و يبادرون لحملات خيرية او بيئية او اجتماعية او ثقافية ... فلا يمكن الا ان تطمئن على حاضر تونس و مستقبلها و ان كان واقعنا الحالي و خصوصا على المستويين الاقتصادي و الاجتماعي في تدهور خطير . اقول في الاخير لحكام تونس الحاليين ان الحيلة اليوم تكمن في ترك الحيلة و ان الشعب التونسي قد بلغ درجة من الذكاء و الوعي ما يجعله قادرا على التمييز بين الغث و السمين و لم يعد ينفع معه لا حملات دعائية تجميلية و لا قرارات شعبوية, فقط اجراءات حقيقية و عملية تستهدف مباشرة مواطن الداء و تستاصل الاورام الخبيثة المنتشرة في كل ركن و زاوية مهما كانت التكاليف و التضحيات و تاكدوا انه في هاته الحالة ستجدون الغالبية الساحقة للشعب التونسي خلفكم و مساندة لكم ضد الاقلية العابثة و المستهترة بالمصلحة الوطنية العليا . سيحاولون قمع الحرية و التعتيم على الاراء الحرة والوطنية لكنهم سيفشلون لا محالة لان التاريخ لا يعود الى الوراء و لان ما اكتسب بالقوة و دماء الشهداء لا يمكن ان ينتزع الان و الى الابد . اعطني شعبا حيّ اعطيك وطنا عظيم .