تشرع قناة " الجزيرة وثائقي " في بث الشريط التاريخي والوثائقي " الفلاقة " على حلقتين الأولى موعدها مساء الاثنين 14 جانفي والثانية يوم الثلاثاء 15 جانفي الجاري الذي يتزامن مع ذكرى الثامنة لثورة التونسية وفي ذلك رمزية كبيرة من خلال ربط موضوع المقاومة الوطنية المسلحة لإخراج المستعمر والحصول على الحرية مع خروج الشعب التونسي في يوم 14 جانفي 2011 مطالبا برحيل الرئيس بن علي وتحقيق الحرية والكرامة. هذا الشريط الذي يدوم قرابة الساعة ونصف هو من انتاج قناة الجزيرة الوثائقية وتم انتاجه في شركة نصر للإنتاج الفني لصاحبتها السيدة هاجر بن نصر المتخصصة في انتاج الأشرطة الوثائقية التاريخية - في رصيدها الكثير من الأعمال مثل الشريط الضخم حول ابن خلدون وشريط حول الشاعر أبو القاسم الشابي وآخر حول الطاهر الحداد وأشرطة أخرى - ومن إخراج لسماح الماجري أما المنتج المنفذ فهو الشاب فراس الربيعي ولمعرفة المزيد من المعلومات حول هذا العمل الهام والخلفيات التي تؤطر فكرته كان لنا لقاء خاص مع السيدة هاجر بن نصر والمنتج المنفذ فراس الربيعي طرحنا خلاله الكثير من القضايا والمواضيع والأفكار المرتبطة بتاريخ الحركة الوطنية وبمسألة الكتابة التاريخية والرواية الرسمية لحركة التحرر الوطني ومدى صدقيتها وصمودها أمام الكم الكبير من الشهادات والوثائق التي ظهرت بعد الثورة والتي تفرض علينا على الاقل إعادة القراءة لإحداث تاريخ تونس المعاصر وإعادة الكتابة التاريخية للحركة الوطنية بطريقة تقربه إلى حقيقة ما حصل لإنصاف كل الفاعلين وتحقيق المصالحة المطلوبة بين الشعب وتاريخه. قيمة هذا الشريط في كونه يحاول رد الاعتبار لشريحة كبيرة من شعب التونسي اختار خط المقاومة المسلحة ورفع السلاح في وجه المستعمر الفرنسي من أجل استعادة الحرية التي سلبت منه بعد الاحتلال وهي جماعة تظم عدد كبير من المقاومين من مختلف جهات البلاد ظلمتها دولة الاستقلال إذ اعتبرتهم مجرد متهورين لا يعرفون كيف تستقل البلاد وتم تسميتهم " بالفلاقة " لإهانتهم ولاستنقاص من دورهم في حين كانوا يسمون أنفسهم بالمقاومين والمجاهدين ولم ينصفهم المؤرخون الذين كتبوا الرواية الرسمية للحركة الوطنية والتي أقصي منها الدور الكبير الذي قام به من صعد الجبال ورفع السلاح في وجه المحتل الفرنسي وتم تهميشهم بعد الاستقلال و تغييبهم من مؤسسات الدولة ومن أماكن متقدمة في الحكم وهذا ربما ما يفسر لماذا هاجم بورقيبة " الفلاقة " في الكثير من خطبه ونعتهم " بمكاحل مصدّة " وتهكم على مطالبتهم بأن يكون لهم موطن قدم في السياسة والحكم فكانت المعاملة معهم باحتقار كبير وأبعدوا من كل دوائر الحكم واكتفت الدولة بأن منحت للبعض منهم رخصا لفتح محلات للتجارة أو تسليمهم أوسمة وبطاقات تعترف لهم فيها بصفة المقاوم لا غير في حين تم ابعاد الاغلبية التي بقيت إلى اليوم على موقف الغضب من الزعيم بورقيبة وعلى موقف متشدد من دولة الاستقلال التي تنكرت لهم . قيمة هذا الشريط في الجهد الكبير الذي قام به الفريق المنفذ لجمع كل الوثائق المكتوبة عن الفلاقة التونسيين وقد تطلب جمع المعطيات التاريخية قرابة 6 أشهر فكان الاتصال بوزارة الدفاع الامريكية والإطلاع على ما يتوفر لديها من أرشيف حول الحركة الوطنية والمعهد الفرنسي للأرشيف إلى جانب الارشيف الوطني الذي مكنهم من مادة غزيرة عن تاريخ المقاومة في تونس وإلى جانب جمع الوثائق المتوفرة في المؤسسات التي تختص في الارشيف تم الاعتماد على أهم وأبرز المؤرخين التونسيين الذي اشتغلوا على هذا الموضوع من أمثال الدكتور الهادي التيمومي وهو قامة كبيرة في ميدانه والمؤرخ علية عميرة والمؤرخ عبد الجليل بوقرة والباحث الدكتور فيصل جميل الذي يعد بحثا جامعيا عن تاريخ الفلاقة في تونس كما تم الاستماع إلى الكثير من المقاومين الذين لا يزالون على قيد الحياة وأبناء وأحفاد وأقارب من توفي منهم وهي شهادات مهمة جدا وفيها غضب كبير من دولة الاستقلال ومن الرواية الرسمية التي تقدمها عن حركة المقاومة الوطنية ونقد شديد للرئيس بورقيبة الذي همش دورهم وفي هذا الإطار يحاول الشريط أن يكون على موقف الحياد وعلى نفس المسافة بخصوص الحقيقة التاريخية وبخصوص الجواب على سؤال من حقق الاستقلال بورقيبة أن أم الفلاقة ؟ في الشريط شهادات على أن الذي أجبر فرنسا على الخروج من تونس هي المقاومة المسلحة ولولا الفلاقة لما خرج المستعمر حتى وإن بقى بورقيبة على نهجه التفاوضي كامل عمره في حين يقول بورقيبة بأن سياسته هي التي حققت الاستقلال. ما يمكن قوله بعد هذه المقابلة التي تناولنا فيها عرض جانبا من الحوار الذي أجريناه مع الفريق المنفذ للشريط الحدث " الفلاقة " والذي يتزامن بثه مع الذكرى الثامنة للثورة التونسية أنه عمل فني هام يؤرخ لتاريخ المقاومة التونسية والذي لم يبدأ حسب المؤرخين مع مجيء بورقيبة وتأسيس الحزب الدستوري الجديد وإنما الشرارة الأولى للمقاومة انطلقت سنوات قليلة بعد انتصاب نظام الحماية في بداية القرن العشرين حينما اكتشف الشعب التونسي أن فرنسا جاءت لاستعمار البلاد وافتكاك الاراضي والاستفادة من خيراتها ويدعو من خلال الشهادات والوثائق المعروضة إلى قراءة جديدة لمرحلة المقاومة المسلحة ولدور الأرياف في النضال الوطني أو اعادة قراءة للرواية الرسمية لرد الاعتبار لكل الرجال والنساء الذي ضحوا بأنفسهم من أجل هذه الأرض الطيبة ومن أجل استرجاع الحرية التي تم سلبها وتحقيق الاستقلال. ما يكمن قوله هو أن شريط الفلاقة هو عمل فني مهم يسلط الأضواء على كل المنسيين والمهشمين في تاريخ الحركة الوطنية ويسلط الضوء على مرحلة من تاريخ تونس لا نعلم عنها الكثير ويكشف عن حقائق مهمة في معرفة ما حصل في زمن الاستعمار من أجل حفظ الذاكرة الوطنية وإجراء مصالحة بين الشعب وتاريخه من خلال قراءة موضوعية منصفة للتاريخ تعترف للزعماء السياسيين بدورهم الحقيقي في النضال الوطني وترد الاعتبار لغير السياسيين من المقاومين في تحقيق استقلال البلاد وتقديم قراءة تاريخية غير منحازة لفرد بعينه أو مقصية لجهد الشعب التونسي في استرداد حريته.