ضمن منتدياتها الدورية حول «الذاكرة الوطنية» نظمت مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات امس السبت 1 سبتمبر القسم الاول للقاء جاء تحت عنوان: "دور الجنوب التونسي في المقاومة المسلحة والحركة الوطنية بين الاعتراف والتجاهل". تم في فعاليات هذا اللقاء تسليط الاضواء على مرحلة هامة من التاريخ الوطني والسياسي المعاصر للبلاد التونسية. فقد قام الباحثون التاريخيون الجامعيون، الكتاب والمناضلون الذين حضروا هذا اللقاء النبش في الذاكرة ومقاربة وقائع تاريخية وقع اهمالها قصدا حسب بعض الحاضرين او تناسيها لاسباب مختلفة حسب البعض الآخر. وقد كانت اهم الادبيات والوثائق التي مثلت ركائز هذا اللقاء كتاب صادر سنة 2006 تحت عنوان: «ثورة، ثوار وانتصار: تاريخ الحركة الوطنية المسلحة 1952-1954» ألفه بالاشتراك عبيد منصور الشرايطي ضابط أمن متقاعد ومقاوم والبشير نصر زيدي وكيل أول بالجيش التونسي وكذلك تقرير رسمي عن حركة المقاومة الوطنية في الجنوب انجزه ونشره في الصحافة كشهادة الطيب بوعمراني وهو ضابط سابق في الحرس الوطني. كما جاءت الشهادات الشفوية من جانب المقاومين اهمهم المناضل الطيب بن بلقاسم ناجح المولود بالحامة سنة 1914 ومؤسس جمعية «الحديد والنار» الى جانب اشرافه على تدريب ثلة من المناضلين والقياديين اهمهم: يانس بن فالح ومحمود بن حسونة.. وقد ارتقى النقاش الذي اداره الدكتور منصف الشابي، الكاتب والناشر الى مستوى عال من الصراحة والشفافية. هل تعاونت لجان الرعاية مع الجيش الفرنسي؟ من بين القضايا الهامة التي فجّرها السيد بن خذر احد المقاومين المتدخلين ليطرحها على اهتمام المؤرّخين الحاضرين هو مدى تعاون لجان الرعاية التي انبثقت عن المقاومة الوطنية المسلحة مع المستعمر الفرنسي وجيشه المعتدي متسائلا حرفيا «لماذا يقاتل الجيش الفرنسي الى جانب لجان الرعايا. هل من اتفاقية؟ تردد هذا السؤال الحارق عديد المرات على ألسن المتدخلين فجاء الجواب على لسان أحد مؤلفي الكتاب المذكور، عبيد منصور الشرايطي وهو أن لجان الرعاية تحالفت مع الجيش المستعمر وذلك ضد حركة الطالب العربي التي كانت تنتشر في البلاد. ثم جاء تدخل الباحث الاجتماعي والروائي، الاستاذ نور الدين العلوي ليدفع بالنقاش الى ضفاف ومجالات أرحب. فقد طرح بوصفه مهتما بهذه المرحلة الهامة من تاريخ النزاع المسلح في تاريخ الحركة الوطنية ويعد عنه رواية قادمة اسئلة مهمة من قبيل التالي: لقد اتهمت القيادات السياسية للحركة الوطنية وعلى رأسها الزعيم بورقيبة ان المناضلين يمثلون العروش بجهلهم وبالتالي فهم لا يستطيعون النضال الا عندما ينزل القائد. وبالتالي فكيف استطعتم وأنتم تمثلون الحركة المسلحة في الجنوب بشرقه وغربه لملمة الخلافات الجهوية المزعومة؟ اصدرت منطقة الحامة نوعا من «الفارمان» او الامر باعدام كل من يتعاون مع الاستعمار. اريد تفاصيل عن اعدام الخونة كما أطالب بأرشفة اسمائهم والتأريخ لهم. كيف كانت تتم تغذية المناضلين وتموينهم لاستمرار جهدهم في النضال والقتال؟ كيف قبلتم كمناضلين بتسليم السلاح والمقاومة لا تزال في أوانها ولم نجن ثمار نضالها؟ وبعد ان تدخّل اغلب الحاضرين مستثنين الزعيم الراحل مرددين: «الا الطاهر الاسود لم يسلم سلاحه»، تدخل كبير الحاضرين وشيخ المناضلين في الجنوب الطيب بن بلقاسم ناجح مجيبا حول هذه الاسئلة ومبينا ان الحزب الحر الدستوري درس هذا الموضوع، وسعى لدعم معنويات والشد على ايادي المقاومين في كل مكان وتوعيتهم اطراف النهار والليل. اما عن الوشاة والعملاء «القوادة»، فقد بعث احد المراقبين عن طريق أحد اعوانه افادة ان الزعيم لزهر الشرائطي سيقع القبض عليه في العميرة واعدامه. اما من وشى بالشهيد لزهر الشرائطي فهو المدعو ابراهيم بن نصر اثر ذلك تم اقالة ابراهيم بن نصر من الحزب بعد ان مُنع المقاومون الاحرار من الحصول على امر سياسي من الحزب وقادته آنذاك احمد المستيري، جلولي فارس وسلايمية من تنفيذ حكم الاعدام في شخص العميل ابراهيم بن نصر، ثم وقع الخلاف في امر اطلاق سراح المقاومين له فتدخل القائد يانس بن فالح يأمر باطلاق سراحه. لكنه ومع ذلك فقد تم تتبعه من بعض المقاومين الرافضين العفو عنه ليتم رميه في بئر ليموت. ومن جهة اخرى فقد تم اعدام عملاء آخرين من قبل القائد الطاهر لسود (2 من القوادة)، القائد يانس بن فالح (4 قوادة)، بذلك تم القضاء على القوادة من تطاوين الى خمير كما اوضح المتدخل. وعن تموين الثوار بالغذاء ذكر كبيرهم من مدينة الحامة المتدخل الاخير ان الهادي عبد الكريم تطوع لتمويل الثورة المسلحة بمائتي دينار في كل مناسبة وهو مبلغ هام عندما كان ثمن الخروف 5 دنانير. ومن جهته تفاعل أحد المناضلين السيد فرحات الشرائطي مع سؤال الاستاذ نور الدين العلوي فبين ان مسألة العروش لم تكن بالشكل الذي هولته قيادات سياسية ذكرها في سؤاله: «لقد كان المناضل الساسي شائبي ابن الحامة ضيفي في العميرة بولاية قفصة لمدة هامة. اما عن تموين المقاومين فانهم كانوا ينقسمون لفرق تضم ستة او سبعة افراد ينزلون في كل مرة لدى عائلة من مساندي الثورة. اما عن تسليم السلاح فقد واصل السيد فرحات الشرائطي بياناته بان «المقاومة لم يصبها الكلل لتلقي بالسلاح وانما استجابت لنداء القيادة السياسية» اثر اجتماع ديسمبر 1954» موضحا ان «المقاتلين لم يعطوا السلاح الحقيقي وذلك لاجتناب خديعة المفاوض الفرنسي المستعمر بل لقد كنت صعدت في سيارة أحد المقاومين احمد دوري لانقل السلاح الحقيقي الثقيل للمناضل الشهيد لزهر الشرائطي واخفائه بمدينة صفاقس. كما اعطى منشط الحوار الشابي الكلمة للأستاذ محمد بن ساسي جابر عضو نادي البحوث والدراسات في الحامة، هذا النادي الذي ينظم سنويا مؤتمر الطاهر لسود للحركة الوطنية ليثير مسائل تتعلق بالاضافة الحقيقية التي يقدمها البحث التاريخي في اثارة المسائل التاريخية وتدقيق الروايات الشفوية. بعث متحف لتاريخ المقاومة تدخل الدكتور عبد الجليل التميمي باعث مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات ليطالب ويتساءل عما يلي: ضرورة الحذف من مصطلحاتنا وقاموسنا اللغوي كلمة «عصابة» لانها لا تليق بالمجاهدين او الفلاّقة. غياب استراتيجية للمقاومة المسلحة وهو ما أضرّ بها متسائلا في نفس السياق عمّن اقنع المقاومين من الحزب بترك السلاح بعد ان أمر بورقيبة وزيره السابق مصطفى الفيلالي تجميع السلاح من القيروان الى الجنوب هل للمقاومة قائمة واضحة ومفصلة في هؤلاء المتواطئين مع الاستعمار الفرنسي خاصة وان الامر في فرنسا واضح حول هذه القائمة. وهنا عاد المناضل فرحات الشرائطي ليجيب عن اسئلة الدكتور التميمي مبينا ان «من كلفه الحزب بالتدخل لدى المقاومين لتسليم السلاح هو حسين بوزيان مؤكدا على ان السلاح الصحيح لم يسلم الى فرنسا وغياب التذبذب بين المقاومين. كما استعاد انفاسه شيخ المقاومين الطيب ناجح الذي حضر هذا المنتدى الهام رغم تقدمه في العمر (94 سنة) وصحته المتداعية ليتدخل معلقا على تدخلات الحاضرين وخاصة تلك التي اشار لها الدكتور التميمي مشيرا الى ان احد المناضلين وهو محمد بن عدنان دُعي في السنين الاخيرة لتمثيل المقاومين الوطنيين التونسيين في مؤتمر عقد ببلد المليون ونصف شهيد (الجزائر) عن الحركات التحررية. اكتشف هذ الاخير المقاومة والدهشة تعتمله ان متحف المقاومة يتكوّن من خمس طوابق يضم كل البيانات والشهادات عن كل مقاوم وشهيد من هؤلاء المليون ونصف. هنا عاد الدكتور عبد الجليل التميمي ليشكر المناضل الكبير الطيب بن بلقاسم عن هذه الملاحظة الهامة مبرزا اهتمام المؤسسة بسجل المناضلين مشيرا بدوره الى هذه المتاحف التي يضمّها بلد مثل تركيا عن تاريخ البلاد، متسائلا عن عدم بعث الدولة التونسية لمتحف خاص عن المقاومة.. كما اوضح ان مؤسسته التي بعثها للوجود تقوم بمجهود للحفاظ على جزء بسيط من الذاكرة الوطنية للأجيال القادمة التي ستسائلها ذات يوم عن تغييبها لهذه الانجازات. ثلاث ساعات ونيف من النقاشات الثرية كانت حصيلة هذا الجزء الاول من المنتدى الهام في سياق الذاكرة الوطنية عن دور الجنوب في الحركة الوطنية في انتظار مواعيد قادمة.