عبرت منظمات حقوقية تونسية عن رفضها لعملية الترحيل القسري ولسياسة إيطاليا حيال ملف الهجرة غير الشرعية. ونددت بسوء المعاملة التي يتعرض لها المهاجرون قسرا عند إيقافهم. من جهته أكد وزير الشؤون الاجتماعية في تونس محمد الطرابلسي مؤخرا، أن بلاده ترفض مطلقا "الترحيل القسري لمهاجريها غير النظاميين من طرف بلدان الاستقبال" مؤكدا على ضرورة إيجاد إطار قانوني لاندماجهم في حال اختاروا العودة بشكل اختياري إلى بلدانهم. تزايد عدد المهاجرين غير الشرعيين من تونس إلى إيطاليا بعد 2011، بسبب تداخل الأسباب الاقتصادية مع الأسباب الذاتية والنفسية. وأمام هذا الوضع، باتت السلطات الإيطالية تعتمد على الترحيل القسري كآلية عقابية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية من جنوب المتوسط إلى أوروبا. كيف تتم عملية الترحيل؟ تخضع عملية ترحيل المهاجرين غير الشرعيين إلى التنسيق بين السلطات الإيطالية والتونسية، وبعد التدقيق في الهويات والإجراءات الأمنية المشددة، يتم ترحيل المهاجرين غالبا من مطار بالرمو إلى مطار النفيضةبتونس. وبعد الوصول، يخضع المرحلون إلى التحقيق دون حضور لوسائل الإعلام أو لمنظمات المجتمع المدني. وتتطلب عملية الترحيل القيام بإجراءات إدارية معقدة، وخلال هذه الفترة يمكن أن يقع احتجاز المهاجرين أو إيقافهم لدى السلطات الإيطالية. وعادة ما تنسب لهم جنح تتعلق بعدم امتلاكهم لهويات قانونية. بعد الترحيل من إيطاليا، يصل المرحلون بشكل جماعي إلى مطار النفيضة، ويستقبل مطار قرطاج الدولي المرحلين بشكل فردي، حيث يخضع الشبان إلى الاستجواب والتثبت من الهويات والسجل العدلي، تفاديا لمرور المورطين في قضايا إرهابية.
ما انعكاسات الترحيل القسري على المهاجرين؟ أمام طول الإجراءات وتعقيداتها، يعاني المرحلون من ضغوطات نفسية وتجاهل القنصلية التونسية في إيطاليا لهم وإلى سوء معاملة السلطات الإيطالية وانتهاك حقوقهم القضائية والقانونية إذ تعرض عليهم السلط وثائق باللغة الإيطالية التي لا يتقنها أغلبهم وتطالبهم بالتوقيع عليها وتتعلق هذه الوثائق بالالتزام بعدم العودة إلى الأراضي الإيطالية مجددا. هذا بالإضافة إلى ما يمثله الترحيل القسري من فشل ذريع للمهاجر الذي بنى أحلاما كثيرة انتهت بكابوس مرعب. وهذا ما يدفع العديد من المهاجرين إلى التعبير عن استعدادهم إلى الموت غرقا على العودة إلى بلدهم الأصلي. "أفضل الموت غرقا على الترحيل القسري" تعتبر لحظة الوصول مجددا إلى تونس لحظة فارقة لهؤلاء المهاجرين الذين طالما حلموا بأوروبا. وأمام مشاعر الخيبة والفشل والرجوع إلى نقطة الصفر، تختلط المشاعر وتتكثف مشاعر الرغبة في الموت والخوف من المجهول ومن نظرات الآخرين. مهاجر نيوز اتصل بمروان وهو شاب عشريني عاش تجربة الهجرة السرية ثم الترحيل القسري. كان مروان يسترجع اللحظة وقد اختنقت عبرات صوته وكأنه يعيش المحنة من جديد، قائلا "لطالما حلمت صغيرا بركوب الطائرة والسفر، لكن السفر القسري من إيطاليا للعودة إلى تونس قضى على كل أحلامي". ويضيف مروان، "لقد نسيت هول قوارب الموت وأنا في طريقي للعودة إلى تونس، نسيت مرارة الاعتقال وظروفه، وسوء معاملة الشرطة الإيطالية وهول الجوع والبرد... وتمنيت أن تتحطم الطائرة وأن أموت غرقا على أن أصل من جديد إلى المجهول. فقدت الأمل نهائيا وفقدت معه الرغبة في الحياة.. حتى أنى لم أنزعج إطلاقا من معاملة الشرطة التونسية التي استقبلتني في المطار بأسئلة استفزازية.. ولا من تجاهل السلطات للمرحلين ككل بعد خروجنا من المطار للالتحاق بمنازلنا التي كانت بعيدة عن المطار".. وعن حياته بعد تجربة الهجرة والترحيل القسري، يقول مروان "لقد زادتني التجربة هشاشة نفسية حتى أني صرت منعزلا عن العالم الخارجي ولا أفكر سوى في الانتحار. وفي نفس الوقت أحس بثراء هذه التجربة التي منحتني خبرة قد أتسلح بها إذا فكرت في تكرار تجربة الهجرة من جديد. وهذه الخبرة قد تجعلني أستعمل طرقا أخرى للهجرة في المرة المقبلة". قصة مروان لا تختلف كثيرا عن قصص المرحلين الذين ورد ذكر شهاداتهم في دراسة أعدها المنتدى الاقتصادي والاجتماعي في تونس مؤخرا، إذ يجمع المهاجرون الذين فشلوا في البقاء في أوروبا على ثراء التجربة التي خاضوها وعمقها. المنتدى الاقتصادي والاجتماعي يدعو إلى احترام المعاهدات الدولية وللتذكير، أوصى المنتدى الاقتصادي والاجتماعي التونسي بضرورة وقف السلطات التونسية لجميع أشكال التعاون مع الجانب الإيطالي فيما يتعلق بترحيل المهاجرين أسبوعيا دون أي احترام للاتفاقيات الدولية (اتفاقية الأممالمتحدة لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 وكذلك المادة 33 التي تشدد على ضرورة احترام الشروط المحددة سلفا لتنفيذ عملية الإعادة إلى الوطن). كما طالب المنتدى بالكشف عن جميع الإحصائيات المتعلقة بعمليات الترحيل القسري للمهاجرين التونسيين غير الشرعيين منذ العام 2011، والتي تتم تحت إشراف مختلف الدول الأوروبية (إيطاليا، فرنسا، ألمانيا..) وضرورة احترام المواد 3 و4 و14 و14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، إلى جانب مراجعة قوانين الهجرة والاتفاقيات بين تونس والاتحاد الأوروبي.