القضية الثانية التي تناولتها مؤسسة التميمي ضمن ملف الأقليات في تونس و الذي شرعت في معالجته هي القضية الأمازيغية. فبعد المسألة البهائية كان الموعد يوم السبت 26 جانفي الجاري مع المسألة البربرية أو القضية الأمازيغية وسؤال الهوية التونسية في علاقة بسكان البلاد الأصليين وهو موضوع تعالجه المؤسسة في إطار حقوق الأقليات في تونس وإعادة النظر في السياسات التي اتبعتها كل الحكومات التي تعاقبت بعد الاستقلال مع الأقليات بعد أن قررت دولة الاستقلال بناء دولة حديثة موحدة تقوم على فكرة الأمة التونسية بمقومين أساسيين هما اللغة العربية والدين الإسلامي ومحاصرة كل العناصر الأخرى التي من شأنها تهديد وحدة البلاد من عروشية وقبلية وعرقية ودينية ومذهبية. وللحديث حول المسألة الأمازيغية أحد الملفات الثلاث التي تم تقديمها إلى هيئة الحقيقة والكرامة مع ملف أصحاب البشرة السوداء وملف الأقلية اليهودية في إطار كشف حقيقة ما حصل للأمازيع في تونس على يد الرئيس الحبيب بورقية والاعتراف بارتكاب الدولة التونسية لانتهاكات بحق المكون البربري حينما حصرتهم في أماكن معينة و منعت عنهم تدريس اللغة الأمازيعية ولم تعترف بهم كعنصر أساسي من عناصر الهوية التونسية وبعد ذلك رد الاعتبار للسكان الأصليين الذين غيبتهم الدولة وهمشت دورهم في الدستور والقوانين والحضور في المشهد السياسي وبناء الهوية الجامعة بكل مقوماتها وعناصرها التاريخية ، تم استدعاء الآنسة نهى قرين الكاتبة العامة لإحدى الجمعيات الأمازيغية مع عدد من الناشطين الأمازيغ التي قدمت مداخلة حول المسألة الأمازيغية تقوم على جملة من الأفكار منها الرفض القاطع تصنيف الأمازيغ أقلية شأنهم شأن الأقليات الأخرى التي تطلب من الدولة أن تعرف بها مثل الأقلية المثلية الجنسية وأتباع الفلسفة البهائية والجماعة الأحمدية وأصحاب البشرة السوداء وفي مقابل هذا الرفض يصر الأمازيغ على أنهم هم التونسيون وأن كل التونسيين أمازيغ . من الأفكار الأخرى أن الأمازيغية ثقافة وحضارة عريقة في تونس تمتد جذورها إلى زمن سحيق من قبل مجي العرب الفاتحين ومن قبل دخول الإسلام إلى هذه الربوع ولكن من كل التاريخ الطويل للبلاد تم اقصاء فترات طويلة منه وتم الاقتصار على تونس الرومانية وتونسالقرطاجانةوتونس الفينيقية وتونس البيزنطية وتونس الحقبة الوندالية والاسبانية والعثمانية والعربية الإسلامية لقد تم اقصاء الفترة اللوبية والحقبة النوميدية. اليوم في تدريس مادة التاريخ في مدارسنا يتم التركيز بكثافة على تاريخ الحضارات والثقافات الوافدة التي مرت على تونس ويتم التقليل من الحضور البربري من تاريخ البلاد وهي مسألة ساهم وشارك فيها الكثير من السياسيين والمثقفين والمؤرخين الذين قدموا تاريخا معلبا للبلاد وقراءة للتاريخ من دون اعلاء للمقوم الأمازيغي في تحديد هوية البلاد وفي هذه السياق قدمت الآنسة نهي قراءة للدستور التونسي التي اعتبرته دستورا مأدلجا حينما حصر هوية الشعب والدولة في العروبة والإسلام فقط وتغافل عن دسترة الجذور التاريخية للبلاد ما يعيبه الأمازيغ عن الدستور التونسي اعترافه بالبعد العربي والإسلامي والمغاربي والإفريقي وإقصائه للبعد العرقي للشعب التونسي وعدم اعترافه بالبعد المتوسطي للبلاد . يرفض الأمازيغ مفهوم الهوية الذي تقدمه الدولة للشعب التونسي والمنحصر في عنصري العروبة والإسلام ويدافعون عن معنى آخر للهوية يقوم على فكرة الهوية التونسية الوطنية المتجذرة في الأمازيغية ليس باعتبارها لغة أو عرقا وإنما بصفتها الهوية الاصلية وثقافة البلاد فالشعب التونسي حسب هذا الفهم هويته الحقيقية هي لوبية نوميدية لا غير وما عدا ذلك هو وافد ومحتل وغريب فالثابت في الهوية حسب هذا التفكير هي الأصول التاريخية للشعب رغم ما حصل لها من طمس وتذويب في هويات أخرى هي التي جعلت الكثير من التونسيين يطرحون سؤال من نحن ؟ ومن نكون ؟ وجعل انتماؤنا للبلاد يضعف وشعورنا بالوطنية والوطن يفتر فما حصل هو أن الكثير من المؤرخين والمثقفين ميعوا هويتنا بأن جعلوها ممتدة على أحقاب طويلة من التاريخ وروجوا إلى أن الشعب التونسي هويته تصل الى قرطاج مرورا بالرومان والوندال وكل الوافدين من البحر المتوسط وانتهاء بالعرب المسلمين القادمين من الشرق عبر موجة الفتوحات في الحين أن هوية التونسيين غير ذلك إنها لوبية نوميدية أمازيغية لا غير. تنهي المحاضرة مداخلتها بالحديث عن الاضطهاد والإقصاء الذي تعرضت له الثقافة الأمازيغية من خلال الكثير من القوانين التي سنتها الدولة بعد الاستقلال وهي تشريعات تعسفية منعت عن الامازيع تسمية ابنائهم بأسماء امازيغية وأوجبت استعمال الأسماء العربية ومنعت عنهم تكوين جمعيات للتعريف بالمسألة الامازيغية والتعريف بالهوية البربرية . ما يمكن قوله بعد الاستماع إلى ما قدم في ندوة المسألة الامازيغية في تونس هو أنه للمرة الثانية نشهد توترا في ملف الاقليات فالانطباع الذي خرجنا به هو أن الحديث عن الامازيغية كالحديث عن البهائية كان حديثا قلقا والنقاش الذي ساد الندوة كان نقاشا متشنجا نتيجة الوثوقية الكبيرة التي اعتمدت عليها المحاضرة في الاقناع بأفكارها فمسألة امازيغية الشعب التونسي في تاريخه الراهن تحتاج الى اثبات فبأي مقياس او معيار يمكن الحكم على أن الشعب التونسي جذوره بالكامل أمازيغية خاصة وأن الكثير من الدراسات التي اجريت حول الشعب التونسي قد اثبتت أنه مزيج من عناصر مختلفة وخليط من شعوب كثيرة توافدت على البلاد على مدار احقاب طويلة مما ذوب العنصر البربري بعد أن اختلط وامتزج بفعل عملية التزاوج والاختلاط بما يعني ان نقاوة الجنس البربري لم تعد مطروحة اليوم . ما لمسناه في الخطاب الذي قدم في هذه الندوة هو الطابع الاقصائي المعتمد والذي يلغي المكون العربي الاسلامي ويتجاهل ما مر على البلاد من ثقافات وحضارات وأعراق وأجناس ولا يعترف إلا بالبعد البربري للبلاد خاصة وأن الامازيغ يرفضون تقديم أية معطيات حول حاضرهم اليوم وكم عددهم الحقيقي وكم عدد المازيغ الناطقين منهم . ما يقلق في هذه الندوة هو الموقف المتوتر الذي لوحظ عند الحديث عن عروبة البلاد وعدم الاعتراف بأن العربية هي اللغة الرسمية للبلاد رغم ما تتعرض له من محاولات تغييب بفعل تشجيع العامية واللهجة الدارجة واعتبار العرب شعب وافد محتل جاء ليستعمر السكان الاصليين .. ما يقلق هو عدم الاقتناع بأنه من كل الثقافات والحضارات التي مرت بالبلاد وتعاقبت لم يبق منها شيئا يذكر فما صمد وأثر بقوة هو الدين الاسلامي واللغة العربية فما بقي من الحقبة الرومانية هو القانون الروماني الذي لا نعلم عنه شيئا ومن الفترة القرطاجانية إلا الآثار والأحجار المتناثرة في مدينة قرطاج وحتى الفترة البيزنطية التي عرفت بالدين المسيحي لم يبق منها شيئا تقريبا ونفس الشيء يقال على الفترة الوندالية والبيزنطية والاسبانية فمن كل هذه الحضارات والثقافات التي مرت بالبلاد لم يبق منها إلا المرحلة العربية والإسلامية أما غير ذلك فهي ثقافات وحضارات مرت واندثرت ولم يبق منها إلا اثارها. ما يقلق هو تقديم الموضوع الامازيغي على أنه موضوع اقصاء واضطهاد تعرض له الامازيغ والحال أننا لم نشهد في أي وقت من الاوقات أننا نعيش تمييزا على أساس الجنس أوالعرق وعلى أساس اللانتماء اللغوي لم نعرف في تونس تمييزا في العمل أو في الدراسة أو في الترابط الاسري على أساس الانتماء الامازيغي. ما يقلق هو تقديم المسألة الأمازيغية على انها هوية مضطهدة وبحث عن هوية ضائعة والنضال من أجل هوية جريحة مطلوب استردادها وقضية الدفاع عن الخصوصية اللغوية للشعب والدفع نحو العيش المشترك في إطار التنوع والحال أن المسألة المازيغية هي قضية مفتعلة تطرح اليوم في علاقة بالمستعمر الفرنسي الذي استعملها ووظفها وراهنت عليها فرنسا للحصول على نتائج سياسية بعد أن خسرت معركة بقاء الاحتلال وفي علاقة بعملية التقسيم والتفتيت التي تتعرض له الشعوب المغاربية فالهوية الامازيغية يعاد طرحها اليوم مدخلا للاستقراء بالأجنبي وإعادة التدخل الخارجي فالمقلق اليوم ليس في المطالبة بالحقوق الثقافية للمكون الامازيغي وإنما المقلق هو ما حصل ويحصل لكل الشعوب التي راهنت على تأجيج المسائل العرقية والإثنية واللغوية من تقسيم وتفتيت وتجزئة .