أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    بنزرت: ماراطون "تحدي الرمال" بمنزل جميل يكسب الرهان بمشاركة حوالي من 3000 رياضي ورياضية    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    عاجل: أولى الساقطات الثلجية لهذا الموسم في هذه الدولة العربية    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    حجز أكثر من 14 طنا من المواد الفاسدة بعدد من ولايات الجمهورية    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    هذا هو المهندس على بن حمود الذي كلّفه الرئيس بالموضوع البيئي بقابس    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    تونس تحتفي بالعيد الوطني للشجرة في ضوء جهود تشاركية لرفع نسبة الغطاء الغابي وحماية التنوع البيولوجي بالبلاد    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    تونس تطلق أول دليل الممارسات الطبية حول طيف التوحد للأطفال والمراهقين    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية ح7: عقدة التدويل
نشر في الحوار نت يوم 01 - 05 - 2010

الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية الحلقة السابعة: عقدة التدويل
احمد دخيسي
«أعتقد أن الأمازيغية بحاجة إلى المجتمع الدولي استراتيجيا وليس تكتيكيا» حمد الدغرني (1)
أين يبدأ وينتهي الوطني والدولي في المسألة الأمازيغية؟ كيف تحولت لهجة إلى قضية «تدخل ضمن إعادة ترتيب الأوراق السياسية والهوياتية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا»؟(2).
تعتبر الحركة الأمازيغية المواثيق الدولية ركيزة هامة في مرجعياتها ونضالها ضد الثقافة «العروبية» التي «لم نجن من ورائها إلا المتاعب تلو المتاعب»(3). هل تدويل مسألة وطنية بهذا الشكل يمكن أن يكون بوابة للاستقرار أم أنه سيعقد خيوط المسألة أكثر؟
المفارقة الكبرى تكمن في عدم اقتصار الحركة الأمازيغية على جعل تلك المواثيق مرجعية لها، بل تدعو إلى جعلها فوق التشريع الوطني نظرا لسموها [ما مصدر هذا السمو؟] مع العلم أن تلك المواثيق صاغها كبراء العالم المنتشين بانتصارهم في الحرب على ألمانيا. ومن بين تلك الدول المهتمة بثقافة حقوق الإنسان والأقليات والشعوب الأصيلة دول كان لها باع طويل في الاستعمار والعبودية واستحمار الشعوب المستضعفة بحجة تحضيرها وتنويرها، فهل كان من الضروري الرهان على مواثيق دولية ازدواجية لم تستطع تجريم فعلة الاستعمار؟

الكونكريس العالمي الأمازيغي

هل كان من الحكمة تأسيس منظمة دولية للدفاع عن الأمازيغية؟ وهل كان من الصدفة أن تتأسس تلك المنظمة في فرنسا؟
كانت مسألة التركيبة السكانية والثقافية لشمال إفريقيا في صميم الدراسات الاستعمارية (خاصة الفرنسية) للتمهيد للاحتلال العسكري المباشر وترك قنابل فكرية عرقية وسياسية في المجتمعات لتفجيرها بعد ذلك في الوقت المناسب، بعد جلاء الاستعمار، اعتمادا على استغلال التنوع الثقافي للدفع بالمجتمع الواحد نحو التقسيم والطائفية. من هنا يتجلى بوضوح الاهتمام الفرنسي الكبير بالمسألة الأمازيغية حيث أصبحت فرنسا مركزا استقطابيا مهما ومرجعية مقدسة للتيار الأمازيغي إلى أن توجت الجهود الفرنسية بميلاد ابنها البار: الكونكريس العالمي الأمازيغي(4)ليتولى تنفيذ أو استكمال تنفيذ ما لم تتمكن أمه من تحقيقه أيام الاستعمار المباشر. هذه المنظمة ليس لها من الأمازيغية إلا الاسم، فهي جمعية فرنسية تخضع للقانون والقضاء الفرنسيين، كما أنها فرنسية في قيمها وإيديولوجيتها فضلا عن كونها بوابة عريضة للفرانكفونية. ولما كانت تلك المخططات الاستعمارية على قدر عال من التخطيط والتنفيذ، صادفت عقلية فارغة تائهة من نشطاء الحركة الأمازيغية الذين تلقفوها دونما تمحيص كالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فاكتشفوا –ويا للاكتشاف العظيم أن لهم هوية أخرى غير هوية أجدادهم المسلمين.
هذه البضاعة الاستعمارية ما كانت لتوضع على الظهر الأمازيغي وتقصمه لولا أن ظهر الأمازيغوفونيين كان منحنيا، تماما كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف ما الهوى // فصادف قلبا خاليا فتمكنا
إن الاهتمام الفرنسي بالمسألة الأمازيغية لم يكن حبا للإنسان الأمازيغي، بل كان دائما نابعا من منظور المصلحة النفعية، وفرنسا كما الدول الاستعمارية تجيد رعاية الأزمات الداخلية لمستعمراتها خاصة ما يتعلق بالتنوع الثقافي والأقليات. السياسة الفرنسية، كما يقول الباحث سالم البيض، «تقوم على أساس ثقافي شامل ينظر إلى البربر على أنهم جزء لا يتجزأ من الثقافة الآرية ذات الأصول الأوروبية وبالتالي لابد من الرجوع بهم إلى الحقبة السابقة على الغزو العربي الإسلامي»، ربما موقع شمال إفريقيا الجغرافي، خاصة المغرب، له أهمية كبرى إذ أنه يطل على واجهتين بحريتين ويربط بين ثلاث قارات مما أهل المنطقة لتكون حلقة وصل لعبور حضارات مختلفة وتلاقح ثقافات متنوعة حتى مجيء الإسلام الذي احتضن هذا التنوع بل زاده ازدهارا. بعد انسحاب فرنسا والدول الاستعمارية عسكريا من المنطقة، تشكلت الأقطار المغاربية ككيانات مستقلة تفصلها حدود سياسية، ليعود الاستعمار إلى لعبة تحريك خيوط الأزمات الداخلية الحساسة التي عمل عليها بجد أثناء وقبيل فترة الحماية، فحرك ملف «التظلم الأمازيغي» لتتحول معه لهجة أو لهجات إلى قضية هوية ذات أبعاد لغوية، ثقافية وسياسية لشعب عريق أصيل مهدد في هويته، بل في وجوده، حاول بذلك الاستعمار تصوير الإنسان الأمازيغي على أنه عنصر متميز عن العربي الغازي وأن دخوله للإسلام لم يكن اختياريا بل كان تكتيكيا فقط تماهيا مع الواقع الذي فرضه العربي الغازي القادم من الشرق لسلب الأرض والهوية، لذلك يبدو من الضروري، كما جاء في تقرير استعماري فرنسي، «تجنب أسلمة وتعريب البرابرة، وإذا كان من الضروري أن يتطورا فعلينا أن نوجه تطورهم نحو ثقافة أوروبية واضحة وليس نحو ثقافة إسلامية هرمة». هو الرجل الأبيض المتحضر السامي الذي يريد تحضير شعب متخلف و«لعل علاقة المسألة الأمازيغية بالنظام العالمي الجديد تتأسس على المنطق النفعي الغربي الذي يرى في الأمازيغ مجرد هراوة كهربائية لصعق الخصوصية الحضارية الإسلامية التي تمثل الأمازيغية أحد روافدها الهامة... عبر التاريخ/ ومن ثم فإن تخليق معطيات الأزمة الأمازيغية في مجملها ليس توجها محليا بقدر ما هو توجيه وإدارة وزخم خارجي لا يستند إلى قناعات القاعدة الشعبية العريضة في المناطق الأمازيغية ... باتجاه خارجي لا يستند إلى تأزيم الأطر النظرية لقضية الأمازيغ. بصورة تبعث على دفعها عالميا على خريطة الأزمات الإقليمية» (5).
ظل الكونكريس العالمي الأمازيغي منذ تأسيسه حبيس أزمة عميقة متعددة الأبعاد ولم يحقق إنجازا ملموسا لصالح الأمازيغية والإنسان الأمازيغي، بل كرس الأزمة أكثر عبر نفق التدويل وتدخل أياد خفية حولت مسار «النضال» إلى وجهة خاطئة. فمن جهة، لا يكاد الشعب في المغرب والجزائر يعرف شيئا عن هذه المنظمة لأنها ولدت أصلا خارج الوطن ولم تخرج من رحم المجتمع/ هذا ما أفرز حالة شاذة زاغت بالمسألة الأمازيغية برمتها نحو التدويل والكولسة والقفز على إرادة الإنسان الأمازيغي المسلم وكان الأمازيغية قضية عرقية أو أقلية. أزمة هذه المنظمة المصطنعة كشفت وجهها الحقيقي رغم كثرة المساحيق المستعملة لإخفاء الحقيقة، هذا المأزق تكرس أكثر مع عقد المؤتمر الخامس حيث عقد مؤتمران بكل من تيزي وزو بالقبائل الجزائرية ومدينة مكناس المغربية. هذا الوضع عكس بوضوح عمق الشرخ التنظيمي للتيارات المتناقضة التي تجمعها المنظمة وعكس أيضا هشاشة المظلة الدولية التي استخدمت للنضال من أجل الأمازيغية، توزعت المشاركة في المؤتمرين حسب الولاء والاستقطاب، ففي الوقت الذي شاركت فيه الجمعيات الأمازيغية وسط وجنوب شرق المغرب في مؤتمر مكناس، شاركت جمعيات سوس والريف في مؤتمر تيزي وزو، في حين فضلت جهات أخرى عدم المشاركة في ما أسمته بأي من المهزلتين(6).

أصبحت منظمة الكونكرس العالمي الأمازيغي إذن أمام أزمة حقيقية(7)رغم الإمكانيات المالية المرصودة لإنجاح المؤتمر الخامس حيث منح برلمان وحكومة كتالونيا منحة مالية تقدر ب 15000 درهما لإنجاح المؤتمر فضلا عن المنحة الفرنسية السنوية التي يستفيد منها الكونكرس العالمي باعتباره جمعية فرنسية. جدير بالذكر أن الخلاف الحالي لم يكن هو الأول، فقد سبق لهذا الكونكرس أن مر بأزمة حادة سنة 1997 شطرته كونكريسين متصارعين: كونكريس ليون (وهو الكونكرس الحالي) وكونكريس بروكسيل، تدخل القضاء الفرنسي لحل النزاع وأعطى الشرعية للأول. وفي سنة 2008 (المؤتمر الخامس) تتجدد الأزمة وتهدد بنشر غسيل المناضلين الأمازيغيين من جديد أمام القضاء الفرنسي(8)كل هذه المهاترات والصراعات ما كانت لتحدث لو كان الكونكرس قرارا أمازيغيا لأن العقلية الآتية من بعيد لا يمكن أن تنظر إلى بعيد.

لم يكن تأسيس منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي هو الشكل الوحيد الذي تم من خلاله تدويل المسألة الأمازيغية، بل كان مجرد الشجرة التي تخفي الغابة وفتح شهية المناضلين الأمازيغيين لمزيد من التدويل تحت غطاء التسامح، التلاقح والانفتاح حتى أصبح ذلك "التسامح" عنوانا عريضا يبرر الارتماء في أحضان مؤسسات مشبوهة ذات إرث استعماري وأجندة تآمرية أن «البحث عن القوة حق مشروع لأي إنسان مظلوم» كما قال الدغرني، هذا المحامي الفاشل الذي أصبح يرتاد الفنادق الفخمة ويركب الطائرات ويزور «الدول المتقدمة» ويلتقي «الشخصيات المهمة» في الغرب ليشرح «التظلم الأمازيغي». سبق للدغرني، أيام تقمصه للقناع الشيوعي، أن شتم الأمازيغيين ووصفهم بالبرغواطيين، كما سبق له في إحدى «اجتهاداته التنويرية» أن دعا إلى إعادة النظر في التهليل قبيل أذان الفجر لأن ذلك، حسب رأيه المحترم، يزعج السياح والأطفال، وأبدى استغرابه "للتنافس الشرس بين المؤذنين"... وأنه لا يعرف إن كانوا يؤذنون أم يسردون أغاني تستهويهم [لذلك]، من الضروري مراجعته في العهد الديمقراطي وهذا ليس عيبا».
حكايات هذا السندباد الأمازيغي لا تنتهي رغم أنه لا يجيد سوى فرقعة الضجيج، شارك مع وفده في ندوة دولية نظمتها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في الكيان الصهيوني (دجنبر 2007) تحت شعار: «التسامح ونبذ العنصرية ونشر ثقافة الحوار والاحترام المتبادل والتفاهم»، حظي الوفد الأمازيغي المغربي الذي يمثل أفضل مثال في الحداثة والتنوير والانفتاح، حظي بشرف استقبال وزيرة الخارجية الصهيونية ليفي [قاتلة الأطفال والنساء] للإطلاع على نضال «الأمازيغ» ضد العنصرية العربية في المغرب تماما كما يفعل اليهود ضد «الإرهاب الفلسطيني»(9) وبَيَّنَ وفد الدغرني أن «إيمازيغن هم مشعل التنوير والتجديد في البلدان الإسلامية الظلامية، فمن أين أتت هذه الملائكة الأمازيغية التي تريد إصلاح ما أفسده العرب ويتخلصوا من الإسلام لأنه مجرد بضاعة شرقية إيديولوجية استخدمها القوميون لإخضاع الأمازيغ الأحرار؟»
مظهر آخر من مظاهر الانبطاح هو التطبيع العلني ومحاولة «صهينة المسألة الأمازيغية» عن طريق تأسيس ما يسمى بجمعيات الصداقة «الإسرائيلية الأمازيغية». وكانت هناك محاولة خسيسة لا تقل خسة ن مؤامرة الظهير البربري، لتأسيس «جمعية سوس العالمة للصداقة الأمازيغية اليهودية» لتلطيخ سمعة سوس المعروفة بالعالم ومقاومة الاستعمار(10). إن التاريخ المغربي وتجربة المغاربة مع الأقلية اليهودية تثبت أنه لم يكن هناك أي إشكال في التعايش طالما تعلق الأمر باليهودية كديانة وتراث إنساني، والمشكل يكمن في الصهيونية العنصرية التي طبعت مع النضال الأمازيغي. فهذا المسمى محمد موحى ينصب رئيسا للجنة التحضيرية لما يسمى ب«جمعية الصداقة الريفية الإسرائيلية» ليحدد يوم 14 فبراير (عيد الحب) موعدا لعقد الجمع العام التأسيسي. أكثر من ذلك، قام بإرسال ابنته القاصر "لينا" (15 سنة) إلى الكيان الصهيوني للمشاركة في المؤتمر الدولي للشباب. كما سبق لسعيد الزاوي أن برر هذه الجمعيات التطبيعية ودافع عنها بقوله: «مع كامل الأسف نسمع أصواتا نشازا، غير مرتبة بالواقع المغربي بقدر ارتباطها وتفاعلها مع قضايا الشرق الأوسط، تدين وتستنكر كل الخطوات التي تسير في اتجاه ربط علاقات ودية مع دولة إسرائيل [لأن] العلاقات بين اليهود والأمازيغ تعود إلى زمن بعيد، باعتبار أن الديانة اليهودية أول ديانة سماوية اعتنقها الأمازيغ قبل المسيحية والإسلام، بعد هجرة اليهود، الذين تم اضطهادهم في الشرق، إلى شمال إفريقيا واستقرارهم بها. [لذلك] من أجل تمتين وتقوية هذه العلاقات التاريخية الإيجابية بين الأمازيغ واليهود، ومن أجل ربط اليهود المغاربة المتواجدين بدولة إسرائيل بأصولهم وجذورهم الأمازيغية، بادر بعض الشباب الأمازيغي الناشط في إطار تنظيمات الحركة الأمازيغية إلى التحضير لتأسيس جمعيات للصداقة والتعاون الأمازيغي اليهودي وإلى القيام بزيارات متبادلة من وإلى إسرائيل»انتهى كلامه.
بدوره برر أحمد الدغرني هذه المسرحيات التطبيعية بقوله: «فنحن كأمازيغ كان أجدادنا في العصور القديمة يدينون باليهودية، وأيضا كانوا مسيحيين... ونحن الأجيال المعاصرة لا نتنكر لأجدادنا الذين كانوا يهودا أو نصارى... وبداخل إسرائيل يوجد الإنسان الأمازيغي المهاجر من عندنا، ولن نتخلى عنه ولا نريد أن يتخلى عنا... والذي هو مؤكد أن مجموع التنظيمات والجمعيات الأمازيغية والشباب الأمازيغي لا يكنون أية عداوة لليهود، أو لإسرائيل، ويعرف الجميع أن العلاقات بين اليهود والأمازيغ كانت دائما أخوية ومتينة ويسودها التعاون... كما أننا نريد ألا نقطع علاقاتنا باليهود»(11).
كيف لهذه الضمائر المتعفنة المتشبعة بالغدر والخيانة أن تؤتمن على مصير الإنسان الأمازيغي المسلم الحر الأبي؟! يتصادف ذلك مع المنظومة الأخلاقية والحضارية للإنسان الأمازيغي الغيور على دينه وثقافته، فرق كبير، كما بين السماء والأرض، بين من يستجدي ويتقوى بأعداء الأمة ويجعل الإسلام بضاعة عروبية وبين من يأبى الاستعمار والخيانة. كان الإنسان الأمازيغي ولا يزال أشد الناس حرصا على دينه وتفاعلا مع قضايا أمته، كان الناس في تنغير ومناطق أمازيغية أخرى لا يؤرخون إلا بالتقويم الهجري وحَجَّ كثير من الناس راجلين وكان المرء يفضل أن تنعته بأقبح النعوت من أن تنعته بتارك الصلاة، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم:59]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الاَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنَ اَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ [الممتحنة:13].
------------------------





الهوامش:

1- احمد الدغرني، مجلة الغد العدد 3، 1996/1997.








2- ابراهيم أخياط، جريدة المستقل العدد الصادر من 26 يوليوز إلى 01 غشت 2001.






3- عنترة مصطفى، المسألة الأمازيغية بالمغرب، ص150.


4- أسس هذا الكونكريس في شتنبر 1995 بفرنسا، عقد مؤتمره الأول بلاس بالماس بجزر الكناري في غشت 1997، الثاني بمدينة ليون الفرنسية غشت 1999، الثالث بروبيكس بفرنسا غشت 2001، والرابع بمدينة الناظور، أما الخامس فأثير حوله خلاف حاد حيث أقيم مؤتمران متزامنان بتزي وزو الجزائرية ومكناس المغربية.




5- مكتب البحوث والدراسات في قنا الجزيرة الفضائية، ملفات 2005.





6- جريدة أكراو أمازيغ، عدد 34/206، 15 نونبر 2008.





7- جريدة الصباح، عدد 2001، 20 شتنبر 2008.


8- جريدة الفجر الجزائرية العدد الصادر بتاريخ 01 نونبر 2008 www.alfadjr.com/ar/national/87966 وجريدة التجديد المغربية العدد الصادر يوم 31 أكتوبر 2008 www.attajdid.info .



9- جريدة التجديد، العدد الصادر يوم 17 يناير 2008.



10- ذكر بيان اللجنة التحضيرية للجمع العام التأسيسي بأكادير أن الأهداف المتوخاة من جمعية الصداقة الإسرائيلية الأمازيغية: نشر ثقافة التسامح والسلم، العمل على تشجيع حوار الثقافات والحضارات، مكافحة كافة أشكال التمييز والعنصرية بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس، مساهمة اليهود في تنمية مناطقهم الأصلية بالمغرب، دعم التبادل الثقافي بين الشباب الأمازيغي والشباب اليهودي، دعم التعاون بين الجمعيات الأمازيغية وجمعيات اليهود المغاربة، إعادة الإعتبار للمكون اليهودي في الهوية المغربية، تدريس تاريخ اليهود في المدارس المغربية، إدماج الثقافة اليهودية في وسائل الإعلام. هذا البيان جاء مباشرة بعد لقاء شخصيات أمازيغية بالملحق الثقافي في السفارة الأمريكية بالرباط.








11- أقام الناشط الأمازيغي المعروف في أوساط الحركة الثقافية الأمازيغية منير كيجي حفل زفافه مع عروسه البولونية ألكساندرا بنفيكا بكنيسة سان باتريك بالعاصمة البولونية وفق الطقوس المسيحية، وقدم ذلك على أنه تسامح أمازيغي وانفتاح على ثقافات وأديان العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.