أستراليا تمنع يوتيوب للأطفال: وداعًا للخوارزميات الخطرة؟    المهدية: اللإنثين القادم إنطلاق حملة تحيين مراكز الاقتراع لفائدة الناخبين المعنيين بالتصويت على سحب الوكالة    تطاوين : وزير السياحة يؤدي زيارة ميدانية إلى ولاية تطاوين ويؤكد دعم السياحة البديلة ومتابعة المشاريع المعطلة    لجنة متابعة وضعية هضبة سيدي بوسعيد تؤكد دقة الوضع وتوصي بمعاينات فنية عاجلة    مع الشروق :الاعتراف... نصر أكتوبر الجديد    البطولة العربية لكرة السلة - المنتخب التونسي يفوز على نظيره القطري 79-72    مباريات ودية: انتصارات لكل من النادي الصفاقسي، النجم الساحلي والاتحاد المنستيري    طقس الليلة.. خلايا رعدية مع امطار بعدد من المناطق    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    عاجل: سوبر الأحد..الترجي بغيابات مؤثرة والملعب التونسي يسترجع عناصره    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    زغوان: حجز 735 كلغ من الأسماك الفاسدة كانت داخل براميل بلاستيكية كبيرة الحجم    عاجل/ تزايد محاولات القرصنة..ووكالة السلامة السيبرنية تحذر..    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    عاجل/ توقعات بان تتجاوز درجات الحرارة المعدلات المناخية خلال فترة اوت-سبتمبر-اكتوبر 2025..وهذه التفاصيل..    18/20 وُجّه لعلوم الآثار بدل الطب... تدخل وزاري يعيد الحق لتلميذ باكالوريا    غدًا.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمعالم التاريخيّة    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    الشاب بشير يمتع جماهير مهرجان سلبانة الدولي    عاجل/ زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ القبض على "بلوجر" معروفة..وهذه التفاصيل…    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    المنظمة الدولية لحماية أطفال المتوسط تدعو إلى سنّ ضوابط لحضور الأطفال في المهرجانات والحفلات    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة فنية حافلة    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    إيقاف حارس ميسي ومنعه من دخول الملاعب    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    بعد إيقاف مسيرتها.. أنس جابر تتفرغ للدفاع عن أطفال غزة    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    مباراة ودية: تغيير موعد مواجهة النجم الساحلي والنادي البنزرتي    البطولة العربية لكرة السلة: المنتخب الجزائري يتوج باللقب    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    الحوثي يستهدف مطار بن غوريون بصاروخ باليستي    موجة شهادات مزورة تثير تداعيات سياسية في إسبانيا    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    (سنغفورة 2025 – أحمد الجوادي يتأهل إلى نهائي سباق 1500م سباحة حرة بتوقيت متميز    عرض كمان حول العالم للعازف وليد الغربي.. رحلة موسيقية تتجاوز الحدود    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية ح7: عقدة التدويل
نشر في الحوار نت يوم 01 - 05 - 2010

الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية الحلقة السابعة: عقدة التدويل
احمد دخيسي
«أعتقد أن الأمازيغية بحاجة إلى المجتمع الدولي استراتيجيا وليس تكتيكيا» حمد الدغرني (1)
أين يبدأ وينتهي الوطني والدولي في المسألة الأمازيغية؟ كيف تحولت لهجة إلى قضية «تدخل ضمن إعادة ترتيب الأوراق السياسية والهوياتية في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا»؟(2).
تعتبر الحركة الأمازيغية المواثيق الدولية ركيزة هامة في مرجعياتها ونضالها ضد الثقافة «العروبية» التي «لم نجن من ورائها إلا المتاعب تلو المتاعب»(3). هل تدويل مسألة وطنية بهذا الشكل يمكن أن يكون بوابة للاستقرار أم أنه سيعقد خيوط المسألة أكثر؟
المفارقة الكبرى تكمن في عدم اقتصار الحركة الأمازيغية على جعل تلك المواثيق مرجعية لها، بل تدعو إلى جعلها فوق التشريع الوطني نظرا لسموها [ما مصدر هذا السمو؟] مع العلم أن تلك المواثيق صاغها كبراء العالم المنتشين بانتصارهم في الحرب على ألمانيا. ومن بين تلك الدول المهتمة بثقافة حقوق الإنسان والأقليات والشعوب الأصيلة دول كان لها باع طويل في الاستعمار والعبودية واستحمار الشعوب المستضعفة بحجة تحضيرها وتنويرها، فهل كان من الضروري الرهان على مواثيق دولية ازدواجية لم تستطع تجريم فعلة الاستعمار؟

الكونكريس العالمي الأمازيغي

هل كان من الحكمة تأسيس منظمة دولية للدفاع عن الأمازيغية؟ وهل كان من الصدفة أن تتأسس تلك المنظمة في فرنسا؟
كانت مسألة التركيبة السكانية والثقافية لشمال إفريقيا في صميم الدراسات الاستعمارية (خاصة الفرنسية) للتمهيد للاحتلال العسكري المباشر وترك قنابل فكرية عرقية وسياسية في المجتمعات لتفجيرها بعد ذلك في الوقت المناسب، بعد جلاء الاستعمار، اعتمادا على استغلال التنوع الثقافي للدفع بالمجتمع الواحد نحو التقسيم والطائفية. من هنا يتجلى بوضوح الاهتمام الفرنسي الكبير بالمسألة الأمازيغية حيث أصبحت فرنسا مركزا استقطابيا مهما ومرجعية مقدسة للتيار الأمازيغي إلى أن توجت الجهود الفرنسية بميلاد ابنها البار: الكونكريس العالمي الأمازيغي(4)ليتولى تنفيذ أو استكمال تنفيذ ما لم تتمكن أمه من تحقيقه أيام الاستعمار المباشر. هذه المنظمة ليس لها من الأمازيغية إلا الاسم، فهي جمعية فرنسية تخضع للقانون والقضاء الفرنسيين، كما أنها فرنسية في قيمها وإيديولوجيتها فضلا عن كونها بوابة عريضة للفرانكفونية. ولما كانت تلك المخططات الاستعمارية على قدر عال من التخطيط والتنفيذ، صادفت عقلية فارغة تائهة من نشطاء الحركة الأمازيغية الذين تلقفوها دونما تمحيص كالوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فاكتشفوا –ويا للاكتشاف العظيم أن لهم هوية أخرى غير هوية أجدادهم المسلمين.
هذه البضاعة الاستعمارية ما كانت لتوضع على الظهر الأمازيغي وتقصمه لولا أن ظهر الأمازيغوفونيين كان منحنيا، تماما كما قال الشاعر:
أتاني هواها قبل أن أعرف ما الهوى // فصادف قلبا خاليا فتمكنا
إن الاهتمام الفرنسي بالمسألة الأمازيغية لم يكن حبا للإنسان الأمازيغي، بل كان دائما نابعا من منظور المصلحة النفعية، وفرنسا كما الدول الاستعمارية تجيد رعاية الأزمات الداخلية لمستعمراتها خاصة ما يتعلق بالتنوع الثقافي والأقليات. السياسة الفرنسية، كما يقول الباحث سالم البيض، «تقوم على أساس ثقافي شامل ينظر إلى البربر على أنهم جزء لا يتجزأ من الثقافة الآرية ذات الأصول الأوروبية وبالتالي لابد من الرجوع بهم إلى الحقبة السابقة على الغزو العربي الإسلامي»، ربما موقع شمال إفريقيا الجغرافي، خاصة المغرب، له أهمية كبرى إذ أنه يطل على واجهتين بحريتين ويربط بين ثلاث قارات مما أهل المنطقة لتكون حلقة وصل لعبور حضارات مختلفة وتلاقح ثقافات متنوعة حتى مجيء الإسلام الذي احتضن هذا التنوع بل زاده ازدهارا. بعد انسحاب فرنسا والدول الاستعمارية عسكريا من المنطقة، تشكلت الأقطار المغاربية ككيانات مستقلة تفصلها حدود سياسية، ليعود الاستعمار إلى لعبة تحريك خيوط الأزمات الداخلية الحساسة التي عمل عليها بجد أثناء وقبيل فترة الحماية، فحرك ملف «التظلم الأمازيغي» لتتحول معه لهجة أو لهجات إلى قضية هوية ذات أبعاد لغوية، ثقافية وسياسية لشعب عريق أصيل مهدد في هويته، بل في وجوده، حاول بذلك الاستعمار تصوير الإنسان الأمازيغي على أنه عنصر متميز عن العربي الغازي وأن دخوله للإسلام لم يكن اختياريا بل كان تكتيكيا فقط تماهيا مع الواقع الذي فرضه العربي الغازي القادم من الشرق لسلب الأرض والهوية، لذلك يبدو من الضروري، كما جاء في تقرير استعماري فرنسي، «تجنب أسلمة وتعريب البرابرة، وإذا كان من الضروري أن يتطورا فعلينا أن نوجه تطورهم نحو ثقافة أوروبية واضحة وليس نحو ثقافة إسلامية هرمة». هو الرجل الأبيض المتحضر السامي الذي يريد تحضير شعب متخلف و«لعل علاقة المسألة الأمازيغية بالنظام العالمي الجديد تتأسس على المنطق النفعي الغربي الذي يرى في الأمازيغ مجرد هراوة كهربائية لصعق الخصوصية الحضارية الإسلامية التي تمثل الأمازيغية أحد روافدها الهامة... عبر التاريخ/ ومن ثم فإن تخليق معطيات الأزمة الأمازيغية في مجملها ليس توجها محليا بقدر ما هو توجيه وإدارة وزخم خارجي لا يستند إلى قناعات القاعدة الشعبية العريضة في المناطق الأمازيغية ... باتجاه خارجي لا يستند إلى تأزيم الأطر النظرية لقضية الأمازيغ. بصورة تبعث على دفعها عالميا على خريطة الأزمات الإقليمية» (5).
ظل الكونكريس العالمي الأمازيغي منذ تأسيسه حبيس أزمة عميقة متعددة الأبعاد ولم يحقق إنجازا ملموسا لصالح الأمازيغية والإنسان الأمازيغي، بل كرس الأزمة أكثر عبر نفق التدويل وتدخل أياد خفية حولت مسار «النضال» إلى وجهة خاطئة. فمن جهة، لا يكاد الشعب في المغرب والجزائر يعرف شيئا عن هذه المنظمة لأنها ولدت أصلا خارج الوطن ولم تخرج من رحم المجتمع/ هذا ما أفرز حالة شاذة زاغت بالمسألة الأمازيغية برمتها نحو التدويل والكولسة والقفز على إرادة الإنسان الأمازيغي المسلم وكان الأمازيغية قضية عرقية أو أقلية. أزمة هذه المنظمة المصطنعة كشفت وجهها الحقيقي رغم كثرة المساحيق المستعملة لإخفاء الحقيقة، هذا المأزق تكرس أكثر مع عقد المؤتمر الخامس حيث عقد مؤتمران بكل من تيزي وزو بالقبائل الجزائرية ومدينة مكناس المغربية. هذا الوضع عكس بوضوح عمق الشرخ التنظيمي للتيارات المتناقضة التي تجمعها المنظمة وعكس أيضا هشاشة المظلة الدولية التي استخدمت للنضال من أجل الأمازيغية، توزعت المشاركة في المؤتمرين حسب الولاء والاستقطاب، ففي الوقت الذي شاركت فيه الجمعيات الأمازيغية وسط وجنوب شرق المغرب في مؤتمر مكناس، شاركت جمعيات سوس والريف في مؤتمر تيزي وزو، في حين فضلت جهات أخرى عدم المشاركة في ما أسمته بأي من المهزلتين(6).

أصبحت منظمة الكونكرس العالمي الأمازيغي إذن أمام أزمة حقيقية(7)رغم الإمكانيات المالية المرصودة لإنجاح المؤتمر الخامس حيث منح برلمان وحكومة كتالونيا منحة مالية تقدر ب 15000 درهما لإنجاح المؤتمر فضلا عن المنحة الفرنسية السنوية التي يستفيد منها الكونكرس العالمي باعتباره جمعية فرنسية. جدير بالذكر أن الخلاف الحالي لم يكن هو الأول، فقد سبق لهذا الكونكرس أن مر بأزمة حادة سنة 1997 شطرته كونكريسين متصارعين: كونكريس ليون (وهو الكونكرس الحالي) وكونكريس بروكسيل، تدخل القضاء الفرنسي لحل النزاع وأعطى الشرعية للأول. وفي سنة 2008 (المؤتمر الخامس) تتجدد الأزمة وتهدد بنشر غسيل المناضلين الأمازيغيين من جديد أمام القضاء الفرنسي(8)كل هذه المهاترات والصراعات ما كانت لتحدث لو كان الكونكرس قرارا أمازيغيا لأن العقلية الآتية من بعيد لا يمكن أن تنظر إلى بعيد.

لم يكن تأسيس منظمة الكونغرس العالمي الأمازيغي هو الشكل الوحيد الذي تم من خلاله تدويل المسألة الأمازيغية، بل كان مجرد الشجرة التي تخفي الغابة وفتح شهية المناضلين الأمازيغيين لمزيد من التدويل تحت غطاء التسامح، التلاقح والانفتاح حتى أصبح ذلك "التسامح" عنوانا عريضا يبرر الارتماء في أحضان مؤسسات مشبوهة ذات إرث استعماري وأجندة تآمرية أن «البحث عن القوة حق مشروع لأي إنسان مظلوم» كما قال الدغرني، هذا المحامي الفاشل الذي أصبح يرتاد الفنادق الفخمة ويركب الطائرات ويزور «الدول المتقدمة» ويلتقي «الشخصيات المهمة» في الغرب ليشرح «التظلم الأمازيغي». سبق للدغرني، أيام تقمصه للقناع الشيوعي، أن شتم الأمازيغيين ووصفهم بالبرغواطيين، كما سبق له في إحدى «اجتهاداته التنويرية» أن دعا إلى إعادة النظر في التهليل قبيل أذان الفجر لأن ذلك، حسب رأيه المحترم، يزعج السياح والأطفال، وأبدى استغرابه "للتنافس الشرس بين المؤذنين"... وأنه لا يعرف إن كانوا يؤذنون أم يسردون أغاني تستهويهم [لذلك]، من الضروري مراجعته في العهد الديمقراطي وهذا ليس عيبا».
حكايات هذا السندباد الأمازيغي لا تنتهي رغم أنه لا يجيد سوى فرقعة الضجيج، شارك مع وفده في ندوة دولية نظمتها منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في الكيان الصهيوني (دجنبر 2007) تحت شعار: «التسامح ونبذ العنصرية ونشر ثقافة الحوار والاحترام المتبادل والتفاهم»، حظي الوفد الأمازيغي المغربي الذي يمثل أفضل مثال في الحداثة والتنوير والانفتاح، حظي بشرف استقبال وزيرة الخارجية الصهيونية ليفي [قاتلة الأطفال والنساء] للإطلاع على نضال «الأمازيغ» ضد العنصرية العربية في المغرب تماما كما يفعل اليهود ضد «الإرهاب الفلسطيني»(9) وبَيَّنَ وفد الدغرني أن «إيمازيغن هم مشعل التنوير والتجديد في البلدان الإسلامية الظلامية، فمن أين أتت هذه الملائكة الأمازيغية التي تريد إصلاح ما أفسده العرب ويتخلصوا من الإسلام لأنه مجرد بضاعة شرقية إيديولوجية استخدمها القوميون لإخضاع الأمازيغ الأحرار؟»
مظهر آخر من مظاهر الانبطاح هو التطبيع العلني ومحاولة «صهينة المسألة الأمازيغية» عن طريق تأسيس ما يسمى بجمعيات الصداقة «الإسرائيلية الأمازيغية». وكانت هناك محاولة خسيسة لا تقل خسة ن مؤامرة الظهير البربري، لتأسيس «جمعية سوس العالمة للصداقة الأمازيغية اليهودية» لتلطيخ سمعة سوس المعروفة بالعالم ومقاومة الاستعمار(10). إن التاريخ المغربي وتجربة المغاربة مع الأقلية اليهودية تثبت أنه لم يكن هناك أي إشكال في التعايش طالما تعلق الأمر باليهودية كديانة وتراث إنساني، والمشكل يكمن في الصهيونية العنصرية التي طبعت مع النضال الأمازيغي. فهذا المسمى محمد موحى ينصب رئيسا للجنة التحضيرية لما يسمى ب«جمعية الصداقة الريفية الإسرائيلية» ليحدد يوم 14 فبراير (عيد الحب) موعدا لعقد الجمع العام التأسيسي. أكثر من ذلك، قام بإرسال ابنته القاصر "لينا" (15 سنة) إلى الكيان الصهيوني للمشاركة في المؤتمر الدولي للشباب. كما سبق لسعيد الزاوي أن برر هذه الجمعيات التطبيعية ودافع عنها بقوله: «مع كامل الأسف نسمع أصواتا نشازا، غير مرتبة بالواقع المغربي بقدر ارتباطها وتفاعلها مع قضايا الشرق الأوسط، تدين وتستنكر كل الخطوات التي تسير في اتجاه ربط علاقات ودية مع دولة إسرائيل [لأن] العلاقات بين اليهود والأمازيغ تعود إلى زمن بعيد، باعتبار أن الديانة اليهودية أول ديانة سماوية اعتنقها الأمازيغ قبل المسيحية والإسلام، بعد هجرة اليهود، الذين تم اضطهادهم في الشرق، إلى شمال إفريقيا واستقرارهم بها. [لذلك] من أجل تمتين وتقوية هذه العلاقات التاريخية الإيجابية بين الأمازيغ واليهود، ومن أجل ربط اليهود المغاربة المتواجدين بدولة إسرائيل بأصولهم وجذورهم الأمازيغية، بادر بعض الشباب الأمازيغي الناشط في إطار تنظيمات الحركة الأمازيغية إلى التحضير لتأسيس جمعيات للصداقة والتعاون الأمازيغي اليهودي وإلى القيام بزيارات متبادلة من وإلى إسرائيل»انتهى كلامه.
بدوره برر أحمد الدغرني هذه المسرحيات التطبيعية بقوله: «فنحن كأمازيغ كان أجدادنا في العصور القديمة يدينون باليهودية، وأيضا كانوا مسيحيين... ونحن الأجيال المعاصرة لا نتنكر لأجدادنا الذين كانوا يهودا أو نصارى... وبداخل إسرائيل يوجد الإنسان الأمازيغي المهاجر من عندنا، ولن نتخلى عنه ولا نريد أن يتخلى عنا... والذي هو مؤكد أن مجموع التنظيمات والجمعيات الأمازيغية والشباب الأمازيغي لا يكنون أية عداوة لليهود، أو لإسرائيل، ويعرف الجميع أن العلاقات بين اليهود والأمازيغ كانت دائما أخوية ومتينة ويسودها التعاون... كما أننا نريد ألا نقطع علاقاتنا باليهود»(11).
كيف لهذه الضمائر المتعفنة المتشبعة بالغدر والخيانة أن تؤتمن على مصير الإنسان الأمازيغي المسلم الحر الأبي؟! يتصادف ذلك مع المنظومة الأخلاقية والحضارية للإنسان الأمازيغي الغيور على دينه وثقافته، فرق كبير، كما بين السماء والأرض، بين من يستجدي ويتقوى بأعداء الأمة ويجعل الإسلام بضاعة عروبية وبين من يأبى الاستعمار والخيانة. كان الإنسان الأمازيغي ولا يزال أشد الناس حرصا على دينه وتفاعلا مع قضايا أمته، كان الناس في تنغير ومناطق أمازيغية أخرى لا يؤرخون إلا بالتقويم الهجري وحَجَّ كثير من الناس راجلين وكان المرء يفضل أن تنعته بأقبح النعوت من أن تنعته بتارك الصلاة، ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم:59]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الاَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنَ اَصْحَابِ الْقُبُورِ﴾ [الممتحنة:13].
------------------------





الهوامش:

1- احمد الدغرني، مجلة الغد العدد 3، 1996/1997.








2- ابراهيم أخياط، جريدة المستقل العدد الصادر من 26 يوليوز إلى 01 غشت 2001.






3- عنترة مصطفى، المسألة الأمازيغية بالمغرب، ص150.


4- أسس هذا الكونكريس في شتنبر 1995 بفرنسا، عقد مؤتمره الأول بلاس بالماس بجزر الكناري في غشت 1997، الثاني بمدينة ليون الفرنسية غشت 1999، الثالث بروبيكس بفرنسا غشت 2001، والرابع بمدينة الناظور، أما الخامس فأثير حوله خلاف حاد حيث أقيم مؤتمران متزامنان بتزي وزو الجزائرية ومكناس المغربية.




5- مكتب البحوث والدراسات في قنا الجزيرة الفضائية، ملفات 2005.





6- جريدة أكراو أمازيغ، عدد 34/206، 15 نونبر 2008.





7- جريدة الصباح، عدد 2001، 20 شتنبر 2008.


8- جريدة الفجر الجزائرية العدد الصادر بتاريخ 01 نونبر 2008 www.alfadjr.com/ar/national/87966 وجريدة التجديد المغربية العدد الصادر يوم 31 أكتوبر 2008 www.attajdid.info .



9- جريدة التجديد، العدد الصادر يوم 17 يناير 2008.



10- ذكر بيان اللجنة التحضيرية للجمع العام التأسيسي بأكادير أن الأهداف المتوخاة من جمعية الصداقة الإسرائيلية الأمازيغية: نشر ثقافة التسامح والسلم، العمل على تشجيع حوار الثقافات والحضارات، مكافحة كافة أشكال التمييز والعنصرية بسبب الدين أو اللون أو اللغة أو الجنس، مساهمة اليهود في تنمية مناطقهم الأصلية بالمغرب، دعم التبادل الثقافي بين الشباب الأمازيغي والشباب اليهودي، دعم التعاون بين الجمعيات الأمازيغية وجمعيات اليهود المغاربة، إعادة الإعتبار للمكون اليهودي في الهوية المغربية، تدريس تاريخ اليهود في المدارس المغربية، إدماج الثقافة اليهودية في وسائل الإعلام. هذا البيان جاء مباشرة بعد لقاء شخصيات أمازيغية بالملحق الثقافي في السفارة الأمريكية بالرباط.








11- أقام الناشط الأمازيغي المعروف في أوساط الحركة الثقافية الأمازيغية منير كيجي حفل زفافه مع عروسه البولونية ألكساندرا بنفيكا بكنيسة سان باتريك بالعاصمة البولونية وفق الطقوس المسيحية، وقدم ذلك على أنه تسامح أمازيغي وانفتاح على ثقافات وأديان العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.