لقد كتبت في مقال سابق ان المبدعين الحقيقيين الراحلين قد متعونا باحسن الكلام واروع الأشعار ولم نسمع منهم رغم خلافاتهم ومنافساتهم الطبيعية البشرية ما يسيء الى الأخلاق وما يعكر الطباع وما يشوش الأفكار واني لاذكر في هذا المقام وهذا المضمار ذلك الخلاف الطبيعي النظيف وذلك التنافس النزيه الطريف الذي سجله تاريخ الأدباء بين الشاعرين العظيمين المبدعين احمد شوقي الملقب في ذلك الزمن الجميل بأمير الشعراء وبين منافسه حافظ ابراهيم الملقب بشاعر النيل شاعر النضال و الاستقلال رحمهما الله وتغمدهما بعفوه وبرضاه في كل صبح وفي كل عشي و في كل اصيل ولم يكن سبب الخلاف بينهما على الاستئثار بشيء من متاع الحياة الدنيا الفانية الزائلة وانما كان هذا التنافس الطبيعي لاختلاف طبعهما الخلقي الرباني في اول مقام فقد كان شوقي رحمه الله حاد الطبع متزمتا رصينا هادئا وقورا محافظا بالتعبير المعاصر في اغلب الأحيان بينما حافظ ابراهيم رحمه الله كان على عكس ذلك عاطفيا ورقيقا زيادة عن اللزوم ميالا الى الدعابة والفكاهة في كل وقت وفي كل أوان اما من الناحية الفكرية والسياسية فقد كان شوقي ميالا الى مناصرة النظام الملكي في مصر فقد عرف عنه انه شاعر البلاط والقصر وقد كان حافظ على عكس ذلك ثوريا الى النخاع مناضلا ضد الحكم البريطاني في مصر بالفعل والقلم واليراع ميالا الى التغيير والتبديل قدر الإمكان وقدر المستطاع ولكن هذا الخلاف في الطبع وفي التفكير وفي الاختيار لم يمنع شوقي رحمه الله من كتابة اروع قصيد في تاريخ الرثاء العربي منصفا فيه منافسه وصديق عمره حافظ ابراهيم وقد قال فيه في ما قال قد كنت أؤثر ان تقول رثائي يا منصف الموتى من الاحياء لكن سبقت وكل طول سلامة قدر و كل منية بقضاء الحق نادى فاستجبت ولم تزل بالحق تحفل عند كل نداء ما زلت تهتف بالقديم وفضله حتى حميت امانة القدماء يا حافظ الفصحى وحارس مجدها وامام من نجلت من البلغاء جددت اسلوب الوليد ولفظه واتيت للدنيا بسحر الطائي خلفت في الدنيا بيانا خالدا وتركت اجيالا من الأبناء وغدا سيذكرك الزمان ولم يزل للدهر انصاف وحسن جزاء
ولقد صدق شوقي والله فقد نسي الناس بمرور الزمن التنافس الحاد بين الشاعرين حافظ وشوقي رحمهما الله ولكن لم ينسوا هذه المرثية الصادقة المؤثرة التاريخية واني اشهد الله رب العالمين اني كلما سمعت بموت احد من اصدقائي المخلصين الا وتذكرت هذه المرثية داعيا له و داعيا ايضا ومترحما على صاحبها شوقي وصديقه ورفيق دربه ومستحقها حافظ ابراهيم راجيا من الله تعالى ان يستفيد وان ينتفع من ابداعمها شباب هذا الجيل الذين تاهت واختلطت عندهم السبل واحتار وضاع عندهم النبراس وغاب عنهم الدليل