نشرت هذه البطاقة يوم أمس مبتورة عن غير قصد طبعا... ولذلك نعيد نشرها كاملة مع الاعتذار: تقول بعض الأساطير إن"أميلكار" والد حنبعل هو الذي أسس مدينة برشلونة في المكان الذي توجد فيه برشلونة اليوم... في القرن الخامس عشر قبل الميلاد اتخذ الرومان من المنطقة حصنا أو مخيما لجيوش الدولة، وفي أوائل القرن الخامس للميلاد احتلت المنطقة من قبل القوط الغربيين ثم فتحها المسلمون في القرن الثامن للميلاد إلا أن "لويس الورع بن شارلمان" استطاع أن يستولي على المدينة عام 801 وبقيت برشلونة تحت الحكم المسيحي حتى سنة 985 عندما استردها القائد المسلم "أبو عامر المنصور" أحد أقوى حكام الأندلس... عمل حكام برشلونة بعد الفترة الإسلامية على توسيع المدينة باحتلال المناطق المجاورة من بلاد المسلمين مثل "جزر الباليار" و"مدينة فالنسيا" وأسسوا ما عرف بمملكة "أراجون" التي سيطرت على أجزاء واسعة من البحر المتوسط خلال القرن الثالث عشر ميلادي ووصلوا لمدن في أقصاه كأثينا... دمرت المدينة في عهد الحروب الإسبانية عام 1714، وهدم الملك حي التجار في المدينة ليبني قاعدة عسكرية كجزء من معاقبة المدينة التي ثارت على حكمه كما منع التحدث ب"الكاتلونية" ومنع التدريس في جامعتها التي افتتحت عام 1450. ألحقت المدينة بالامبراطورية الفرنسية في عهد "نابليون" بعد أن احتل الفرنسيون إسبانيا وعين أخو نابليون "جوزيف بونابرت" حاكما للأجزاء المحتلة فيها ثم حررت هذه المناطق المحتلة بعد سقوط نابليون. خلال القرن التاسع عشر ميلادي نمت المدينة خلال فترة الثورة الصناعية إذ كانت مركزا للعديد من الصناعات التجارية، وخلال تلك الفترة عندما ضعفت سلطة مدريد على مدينة برشلونة، قام سكان المدينة بهدم سورها المبني في القرون الوسطى وكذلك تم تحويل حصن "الريبيرا" إلى حديقة عامة. مع بدايات القرن العشرين قام القوميون الكاتلونيون بالدعوة إلى الاستقلال الذاتي عن إسبانيا والمطالبة برفع سقف الحريات في الإقليم الكاتلوني... وتعد برشلونة أولى المدن الصناعية الكبرى في إسبانيا وهي مدينة تجارية وفيها مركز هام للسياحة ( 1% من العاملين في المدينة يشتغلون في السياحة والفندقة) وتحتوي ع"برشلونة" أيضا على مركز فني هام، يضم أعمالا لفنانين كبار في مجالات مختلفة ك"بيكاسو" و"ميرو" و"ديلي". وتتضمن أيضا عددا كبيرا من المدارس والمؤسسات العالية للتعليم مثل "جامعة برشلونة " وهي من أقدم الجامعات الأوروبية... ويعرف عشاق "الكورة" نادي برشلونة العريق والحائز على عدد كبير من التتويجات الأوروبية... وبرشلونة عندنا هي تلك الساحة التي يتجمع فيها التونسيون يوميا للسفر عبر القطار أو الميترو الخفيف أو الحافلات... وساحتنا متدفقة بالحياة، وفي هذا تشبه المدينة الإسبانية التي حاولنا أن نختصر تاريخها العريق في هذه السطور... اليوم، صار المشهد في ساحة برشلونة التونسية مرعبا بعد أن احتل "النصابة" واجهة محطة القطارات، فازدحمت بالمنتوجات من ملابس جاهزة معلقة على الرصيف ، والتجهيزات المنزلية والمطبخية أساسا والغلال وأصناف من الحلوى والشكولاطة والعطور والماكياج، والغريب أن عابر هذه المنطقة يستفزه صوت محرض لشراء ما يعرضه بالقول إنها "سلعة جيان"... أي أنها من مسروقات يوم 14 جانفي... فوضى ساحة برشلونة أكبر من كل كلام ومن كل وصف... والمشهد مؤلم لكل عابر من هناك... مؤلم لأن المفاهيم عند بعضنا اختطلت، ومؤلم لأن الوعي يغيب عندما يتعلق بصورة هذا الوطن الذي يحتاج إلينا جميعا لنعيد بناءه، ومؤلم لأن هذه الصورة تختزل واقعا مرا الفوضى هي عنوانه الكبير، ومؤلم لأننا لم نحتفظ من برشلونة إحدى درر الأندلس سوى بالاسم... وحتى الاسم قد يتغير قريبا ليصبح "بومنديل"ّ فهو الأقرب إلى واقع الساحة اليوم...