كان بودي لو كتب الأستاذ عمر الشاذلي كتابه الجديد عن ذكرياته مع المجاهد الأكبر الحبيب بورڤيبة باللغة العربية حتى لا يدعم الاتهام الموجّه للبورقيبيّة بعداوتها للغة العربية والتعريب والهوية الوطنية التي تقوم على العروبة والإسلام وإن كان بورقيبة لم يستطع أن يعارض التنصيص على تلك الهوية في أول دستور لدولة الاستقلال بكل وضوح وصراحة.. وهذه التهمة كثيرا ما ساعد على ترسيخها معظم من عملوا مع الزعيم الراحل وذلك من خلال ما كتبوا ويكتبون.. ومن خلال كذلك مواقفهم السلبية من العروبة والإسلام.. ومن خلال ما ينسبونه الى بورقيبة.. ومع أنهم رأوا كيف أن بورڤيبة لم يكن يعادي التعريب مائة بالمائة بدليل أنه أعطى الفرصة للمرحوم محمد مزالي ليقوم بالتعريب وإن لم يستطع أن يصل الى اتمام مشروعه فإنهم لا ينقلون عن بورقيبة إلا كل ما يدعم وجهة نظرهم المعادية للعربية والتعريب وحتى الاسلام.. إن البعض ممن يُحسبون على بورڤيبة.. ويتكلمون باسمه.. ويحملون رايته كثيرا ما يمعنون في طعن الهوية العربية الإسلامية لتونس ويستنكرون التعريب.. وربما حتى أنهم يحتقرون لغتنا العربية.. ويسخرون منها.. ولهذه الأسباب جميعها كنت أودّ لو أن الأستاذ عمر الشاذلي لم يحشر نفسه في زمرة هؤلاء المحسوبين على بورقيبة والذين يزايدون على زعيمهم في هذا الباب بالذات.. باب الهوية ورفض التعريب والتعلق باللغة الفرنسية وكأنها لغة أمهاتهم وآبائهم.. ويحطون من شأن اللغة العربية ويدعون أنها لغة ميّتة.. ولغة جهل وتخلّف وظلامية.. كم كان بودّي لو صدر كتاب الأستاذ عمر الشاذلي باللغة العربية ثم يتم في مرحلة ثانية ترجمته الى اللغة الفرنسية إذا كان هناك ما يستدعي ذلك لأن هذا الكتاب على ما أظنّ موجه بالأساس للشعب التونسي وخصوصا منه الأجيال الجديدة التي لا تعرف بورڤيبة وتسمع باسمه فقط.. وتجهل كل شيء عن تفكيره وسياسته ومواقفه وكفاحه.. وهذه الأجيال تقرأ باللغة العربية أكثر مما تقرأ بالفرنسية.. وإقبالها على المطبوعات باللغة العربية أكثر بكثير من إقبالها على المطبوعات باللغة الفرنسية.. وهذا واقع تؤيده الأرقام والوقائع.. كنت أتمنى لو أن هذا الكتاب يساهم في نفض الغبار عن شخصية المجاهد الأكبر ويقدمه التقديم الإيجابي للأجيال الجديدة خصوصا وأن مؤلفه يعدّ من أحسن وأقدر وأجدر من يقوم بذلك فلقد ربطته بالزعيم الراحل علاقة وطيدة امتدت على فترات زمنية متعددة ومختلفة ومتقلبة.. ثم إنه من القلة القليلة التي عرفت بورڤيبة في مختلف وجوهه وحالاته وتقلباته واقتربت منه لا سياسيا وفكريا فحسب ولكن إنسانيا كذلك.. ومهما يكن من أمر فإن الأستاذ عمر الشاذلي يستحق الشكر والتقدير لأنه لم يحرمنا من الاطلاع على شهادته الهامة والثمينة التي نتمنى أن يطّلع عليها شباب اليوم حتى يعرفوا من هو بورقيبة.. ومن هو الذي خدم تونس بصدق ونظافة ومحبّة وارتباط وجداني بالوطن قلّ نظيره.. وقادها قيادة حكيمة ارتقت بها.. وحددت لها طريق النهوض.. والنور.. والحداثة.. والقطع مع الجهل والخرافة.. وعقلية الخنوع التي زرعها ونشرها الاستعمار الفرنسي بكل دهاء ومهارة..