لا زال الغموض و التشويق هما سيدا الموقف فيما يخص مرشح النهضة للانتخابات الرئاسية القادمة و ذلك على الرغم من استنفار بقية اطراف الساحة السياسية و اقتراب الموعد بنسق حثيث . هل تأخر النهضة عن الحسم في مرشحها هو عملية مقصودة من اجل تحييد او ترغيب بعض الاطراف، أم ان الحركة بالفعل في حيرة من امرها ، أو ربما بكل بساطة تنتظر التوقيت المناسب للإعلان ! ما هو مؤكد لدينا كمتابعين للشان العام ، ان الرئاسية و على عكس التشريعية ، تمثل ارقا و قلقا لاصحاب القرار النهضاوي ، كيف لا و هم يعلمون ان تحريرهم المبادرة لقواعدهم كما حصل في انتخابات 2014 يمكن في هاته المرة ان يكرس فعليا عملية السطو الناعم على قواعد الحركة . من ناحية اخرى، فأن تقديم مرشح من البيت النهضاوي و مهما كانت وجاهته أو اهليته ،فانه ليس فقط و حسابيا ضعيف الحظ في الفوز بل انه سيساهم في توحيد القوى المنافسة و المعارضة للنهضة و هو ما تدركه الاخيرة جيدا و تعلم تداعياته على التوازنات السياسية و خصوصاً ما بعد انتخابات 2019 . اشكالية أخرى تواجهها النهضة اذا ذهبت في توجه ما يسمى بالرءيس التوافقي و خصوصاً في ظل عودة الاستقطاب الثناءي الهووي، اذ لا اعتقد ان تجد الحركة عمليا أي تجاوب من اطراف سياسية اساسية في البلاد علاوة على امكانية رفض قواعدها لاسماء يعتبرونها معادية أو عالاقل غير مقبولة . في نفس السياق ، تخشى كذلك النهضة و في صورة غياب رءيس توافقي من امكانية صعود رءيس جمهورية يحمل ما تسميه الحركة بالفكر الاستءصالي أو يعمل لدى دواءر داخلية و خارجية معادية علنيا و بكل وضوح لمختلف تشكيلات الاسلام السياسي عبر العالم و خصوصاً في منطقتنا العربية . عامل اخر مهم بالنسبة للنهضة الا وهو ضرورة المحافظة على الحد الادنى من التعايش بين الاطراف السياسية الأساسية حتى يمكنها ان تحكم و ان لزم الأمر تتحكم من داخل منظومة الحكم و هو أمر هي بكل تاكيد بارعة فيه و يبقى في النهاية مشروعا و مباحا بالنسبة لأي جهة تمارس العمل السياسي، و بالتالي فان المراهنة على مرشح رءاسي صدامي و راديكالي لن تكون له بالنسبة للنهضة أي نتاءج عملية أو إيجابية قبل و بعد الانتخابات التشريعية و الرئاسية . فعلا انها وضعية صعبة و معقدة ، تجد النهضة نفسها فيها و لا اعتقد شخصيا و لا ارى من مخرج منها سوى عبر التحول التاريخي للنهضة من حركة اسلامية الى حزب محافظ ديموقراطي ، ينزع فتيل الاستقطاب الثناءي على أساس الهوية و يسحب البساط من تحت اقدام المتامرين و اعداء الوطن في الداخل و الخارج . توجه جديد يمكن أن تدخل به النهضة الانتخابات التشريعية و الرءاسية و تحقق فوزا ساحقا تنخرط فيه اغلبية الشعب التونسي المحافظة و المنفتحة في نفس الوقت على مختلف الحضارات و الثقافات . فقط أشير في الأخير ،انه حتى في حال اقرار النهضة التحول من حركة اسلامية الى حزب محافظ ، فسيخرج من يشكك في نوايا الحركة و يعتبر توجهها الجديد ،مجرد تكتيكا انتخابيا لا غير و هو ما يستوجب التفكير و حسن الاختيار لمرشحين سيكونون بمثابة الحملة للمشروع الجديد الذي لازلت اؤمن انه صالح مبدءيا لوطن رائد كما داب ان يكون على مر القرون و السنين .