في تطور جديد لما يحصل في الجزائر التي تشهد منذ أسابيع احتجاجات شعبية رافضة لترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى ولاية خامسة بعد أن شاع مرضه المزمن الذي منعه من ممارسة الحكم بصفة عادية وبعد أن رفض المحتجون قرار الرئيس التخلي عن الترشح فقط والاكتفاء بتأجيل الانتخابات من دون رحيل كل منظومة الحكم التي ينسب إليها المحتجون المسؤولية في ما حصل للبلاد من فساد ونهب وسرقة واستغلال النفوذ لجمع الثروة ، طالب رئيس أركان الجيش الجزائري" قايد صالح" أن يعلن عن عجز الرئيس بوتفليقة عن أداء مهامه وشغور منصبه حيث اعتبر أن الوضع لا يمكن أن يتواصل أكثر مع توسع رقعة الاحتجاجات وإصرار المحتجين على رحيل كل منظومة الحكم وكل الرموز الفاسدة والذين لا يزالون إلى اليوم ماسكين بالسلطة وأنه من الضروري الوصول إلى حل للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد ويخشى من ورائها أن تتمدد و أن تخرج عن مسارها السلمي وتنحرف نحو سيناريوهات أخرى ويحصل الانفلات الذي قد لا يمكن معه من السيطرة على الأوضاع في إشارة إلى التخوف من تحول المظاهرات والاحتجاجات السلمية إلى مواجهات مع الأمن وأعمال عنف وأن يأخذ الحراك الشعبي منحى آخر تستغله بعض القوى الداخلية والخارجية المتربصة بالبلاد والتي تعمل على تحويل هذه الاحتجاجات إلى أزمة دائمة تسمح بالتدخل الأجنبي وفرض الحلول التي لا تخدم مصلحة الشعب الجزائري . يطالب رئيس أركان الجيش الجزائري أمام الأزمة السياسية بالمرور إلى تطبيق الفصل 102 من الدستور الجزائري الذي يحتوي على حل للأزمة القائمة والذي ينص على أنه إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن فإن المجلس الدستوري يجتمع وجوبا وبعد التثبت من المانع بكل الوسائل الملائمة يقترح على البرلمان التصريح بالإجماع بثبوت المانع وإعلان حالة العجز التي تخول لرئيس مجلس النواب أن يتولى مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 45 يوما وخلال هذه الفترة الانتقالية لا يمكن لرئيس الدولة بالنيابة أن يقيل الحكومة . كما أن الفصل 104 من الدستور ينص على أنه إذا استمر بعد انقضاء 45 يوم العجز الذي يمنع الرئيس من ممارسة مهامه بصفة اعتيادية عندها يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا ويواصل رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة بالنيابة لمدة أخرى أقصاها 90 يوما تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يحق لرئيس الدولة المعين وفق هذه المادة أن يترشح لمنصب رئاسة الجمهورية . المشكل هو أن هذا الخيار الذي صرح به رئيس أركان الجيش الجزائري للخروج من الأزمة السياسية الخانقة وإعلانه انحياز المؤسسة العسكرية إلى جانب الشعب وتفهم الاحتجاجات الشعبية السلمية ومطالبته بإعلان حالة العجز والمرض المزمن الذي يمنع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من ممارسة مهام الحكم واقتراحه المرور إلى تطبيق فصول الدستور 102 و 104 التي تفتح الباب إلى المرور مباشرة إلى تنظيم انتخابات رئاسية خلال أربعة أشهر من تولي رئيس مجلس النواب مهام رئيس الدولة بالنيابة ، هو خيار يبدو أن الحراك الشعبي لا يقبل به بعد أن رفّع من سقف مطالبه واشترط لعودة الهدوء إلى الشارع الجزائري والقبول بالاحتكام إلى الدستور رحيل كل رموز النظام الحالي ورحيل كل منظومة الحكم التي ينسب إليها الشارع الجزائري الفساد ونهد خيرات البلاد وسرقة أحلام الشعب. المشكل هو أن الحراك الشعبي الجزائري بسقف مطالبه المرتفع جدا والذي اعتبر أن الحل والمقترح الذي قدمه رئيس أركان الجيش ما هو إلا مخرجا للنظام السياسي الحالي وفرصة تمنح لرموز النظام ولمنظومة الحكم لكسب مزيد من الوقت هي في حاجة إليها لاستعادة الهدوء وإعادة ترتيب الأوراق من جديد وإعادة ترتيب البيت الداخلي للنظام الحاكم للتحكم في الأوضاع والسيطرة على الاحتجاجات من خلال تنظيم انتخابات تعيده إلى السلطة والحكم من جديد . المشكل أن القوى التي تحرك الاحتجاجات الشعبية قد استوعبت الدرس التونسي واستفادت من تجربة الثورة التونسية حينما قبلت بعد رحيل رأس النظام أن تحتكم إلى رموز المنظومة القديمة التي ألتفت على الثورة وعادت إلى الحكم والسلطة من جديد من أجل ذلك فإن الحراك الشعبي الجزائري يطالب لتجاوز الأزمة السياسية اختيار هيئة سياسية لإدارة الحكم أثناء غياب بوتفليقة يتم اختيار أفرادها من شخصيات وطنية نزيهة ومشهود لها بنظافة اليد مع الاتفاق على تشكيل حكومة اتفاق وطني تظم شخصيات مستقلة يعهد إليها مهمة تصريف أعمال المرحلة الانتقالية مع هيئة مستقلة لتنظيم انتخابات رئاسية جديدة . المشكل هو أنه رغم وجاهة رؤية الحراك الشعبي وصواب التمشي الذي اختاره المحتجون في تفاعل مع ما طالبت به المؤسسة العسكرية فإن الوضع الخاص للجزائر والذي يعرف تحكم المؤسسة العسكرية في كل مفاصل الدولة والمجتمع والذي يعرف كذلك صعوبة تجاوز جنرالات الجيش في كل مقترح للخروج من الأزمة بما يعني أنه في الحالة الجزائرية فإن المؤسسة العسكرية تعد رقما صعبا في المعادلة السياسية مما يجعل من كل حل يتجاهل الجيش الجزائري هو حل لا يمكن له أن ينجح وهذا كله يجعل الحراك الشعبي في مأزق كبير نتيجة السقف المرتفع لمطالبه ويجعل الاحتجاج في ورطة من اشتراط رحيل كامل منظومة الحكم للقبول بالمرور إلى انتخابات جديدة وفق الصيغة الدستورية فهل يواصل الحراك الشعبي التمسك بمطالبه المعروفة أم يعدل منها ويقبل بأنصاف الحلول رغم خطورة هذا الموقف على استحقاقات الاحتجاج وما يطالب به المحتجون ؟ الأيام القادمة هي وحدها الكفيلة بمعرفة هل ينجح رئيس أركان الجيش الجزائري في احتواء الأزمة والالتفاف على مطالب الحراك الجزائري وبالتالي انقاذ منظومة الحكم ويقنع الشعب بقبول حل الفصل 102 و 104 من الدستور ؟