يبدو أنّ الوضع بالقطر الليبي الشقيق سوف لا و لن يهدأ له مستقرّ ما دامت تتحكم في مصائره و مستقبله قوى دولية و إقليمية تريد منه ارساء نظام حكم يستجيب لمصالحها خاصة فيما يتعلق بمقدرات النفط الليبي و إعادة البناء و التعمير بليبيا و ما يعنيه ذلك من صفقات و مقاولات و مصالح مختلفة ويبدو أيضا أنّ لهذه الجهات الدولية و الإقليمية أذرعا بالمنطقة تمثلها و ترعى مصالحها و تتجلى خاصة في وجود سلطتين الأولى بطرابلس و على رأسها السّراج و الثانية بطبرق و يمثلها القائد العسكري حفتر و هو ما يعني إمّا أخونة البلاد أو عسكرتها و كأنّ قدر الشعب الليبي أن يظلّ بين هذين الكماشتين و هذين القدرين و هذين الطريقين و السؤال هنا ألا يوجد طريق ثالث ينقذ الليبيين من هذين الأمرين باعتبار و أنّ أحلاهما مرّ؟ ومن هذا المنطلق نقول و أنّ العملية العسكرية، بقيادة حفتر قبل 10 أيام فقط من انطلاق مؤتمر الحوار الوطني الجامع بمدينة غدامس الليبية و برعاية الأممالمتحدة في ظل ما تشهده الجهة من صراع على الشرعية و السلطة بين حكومة الوفاق، المعترف بها دوليا، و بين قوات حفتر المدعومة من مجلس النواب بمدينة طبرق، تنبئ بقلب كلّ الموازين في ليبيا حتّى لا نقول تنبئ بخطر محدق باستقرار ليبيا و أمن ليبيا و مستقبل الشعب الليبي و ما تقدم الجيش بقيادة حفتر نحو طرابلس إلاّ اعلان حرب بين الإخوة الأعداء؟ و السؤال هنا لفائدة من هذا التحرك؟ و من يحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار؟ و لكن دعنا أوّل نسلط بعض الضوء على هذا القائد العسكري حفتر؟ لنقول مباشرة و أن حفتر كان من بين الشباب الضباط الذين استولوا على السلطة بليبيا من الملك ادريس – ملك ليبيا آنذاك – و ذلك سنة 1969 بزعامة معمر القذافي الذي منحه بعد نجاح "الثورة" ترقية ليصبح حفتر قائدا لأركان القوات المسلحة الليبية و حفتر أيضا هو من قاد القوات المسلحة خلال الحرب الليبية / التشادية و قد أوقع به القذافي بعدم مدّه بالمدد اللازم – خوفا من أن يرجع و يستولي على الحكم بليبيا - إلى أن وقع حفتر في الأسر مع مئات من الجنود في معركة وادي الدوم و ذلك عام 1987 هذا و قد برز نجم حفتر مجددا بعد " الثورة الليبية " على إثر الإطاحة بالزعيم معمر القذافي سنة 2011 حيث اصطف مع الجماعة المعارضة الاسلامية بداية و حارب إلى جانبها لتصبح فيما بعد من ألدّ أعدائه بعد أن أعلنت للوجود حكومة جديدة بقيادة فايز السراج بطرابلس ليتم بالتوازي مع ذلك الاعلان عن حكومة ثانية بطبرق يدعمها المشير خليفة حفتر و أول تحركاته بعد ذلك كان بما اصطلح على تسميته "عملية الكرامة" خلال ماي 2014 حيث تمكن من السيطرة على عدّة مناطق من ليبيا خاصة في الشرق و الجنوب و فرض سيطرته على " الهلال النفطي" و منذ ذلك الوقت تتنازع الحومتان السلطة في ليبيا. وبالعودة إلى الأوضاع الآن بليبيا نشير أيضا و أنّه سادت حالة من القلق الدولي ما إن قرع المشير حفتر طبول الحرب على طرابلس و فاجأ الجميع بخلط كلّ الأوراق الليبية قبل فترة قصيرة من تنظيم مؤتمر الحوار بغدامس و بالتالي تعالت كلّ الأصوات منددة ب " عملية تحرير طرابلس" و يبدو و أنّ الهدف الأول من تحرك حفتر نحو طرابلس يتمثل في مسك المزيد من الأوراق الضاغطة استباقا لمؤتمر الحوار القادم و ربما رغبة منه بمزيد السيطرة على كامل التراب الليبي و في اعتقادنا و أنّ مثل هذه الحركات لن تزيد انفراجا في الوضع الليبي بقدر ما تزيد في تعقيد الأمور و لن تؤدي إلاّ إلى المجازفة بجرّ المنطقة إلى المزيد من عدم الاستقرار و الفوضى و ربّما بمزيد فرض الوصايا على السيادة الليبية أمام تدهور الأوضاع مجددا في وقت يبحث فيه المجتمع الأممي عن مخرج لما تردّت به ليبيا بعد " الثورة على القذافي" ؟ ولكن في المقابل لا بدّ من التأكيد و أن الأطراف المتناحرة – حفتر و من وراءه و السراج و من وراءه أيضا – ليست بمعزل عن فضائها الاقليمي و الدولي و كلّ طرف له داعميه في هذا المنحى أو ذاك و كأنّنا وراء رسم سريالي لمستقبل ليبيا و شعبها يقول إمّا الأخونة أو العسكرة و السؤال هنا ألا يوجد طريق ثالث بديل عنهما خاصّة وأنّ الشعوب العربية ذاقت الأمّرين من مثل هذين الاتجاهين (العسكرة أو الأخونة) فلا المنهج الأوّل – أي العسكرة - أفاد الشعوب العربية و الأدّلة كثيرة على غرار ليبيا زمن القذافي و مصر في عهد السيسي و أيضا المنهج الثاني – أي الأخونة - لا يرجى منه خيرا بدليل ما يجري في أفغانستان و اليمن و سوريا و تركيا و ايران وغيرها من الدول و بالتالي لابدّ من طريق ثالث يجمع بين الإخوة الأعداء بدايته يكون عبر الحوار و لا غير الحوار و قد يكون الاعلان عن مؤتمر الحوار بغدامس بداية الغيث من أجل ليبيا ديمقراطية و مدنية؟ إلاّ أنّه لا بد من الأخذ بعين الاعتبار اللاعبين الاقليميين و الدوليين الذي ربما يحرّكون البوصلة في هذا الاتجاه أو ذاك حسب رياح مصلحتهم و بالتالي سواء السراج أو حفتر ليسا إلاّ واجهة لمعارك خفيّة كبيرة تدار من وراء الستار هدفها السيطرة على مدخرات ليبيا و مصادرة سيادة الشعب الليبي و للأسف بأيادي قيادات ليبية خائنة لوطنها و لشعبها تحرّك خيوط عرائسها من خارج ليبيا و من هذا المنطلق على الشعب الليبي الأصيل و كل من كان على خطى الكبير و القائد عمر المختار أن ينتفض ضدّ كل هؤلاء العملاء الذين لا تهمهم من هذه المعمعة و لا يهمهم التراب الليبي إلاّ بقدر خدمة أسيادهم و بقدر من يمنحهم أكثر نعما وذلك عبر دعمهم لسيطرة هذا الطرف أو ذاك الطرف الآخر و طز – كما كان يرددها معمر القذافي – في الشعب الليبي و السيادة الليبية و الانتماء العربي الليبي إلى الخيمة العربية و على هذا الأساس الحذر مطلوب من كلّ اللبيين الشرفاء حتّى يحافظوا أوّلا على وطنهم و أيضا على مقدراتهم و انتمائهم إلى بعدهم العربي و الاسلامي في ظل المطبات الكبرى و العميقة التي يعاني منها الوطن العربيو ذلك أمام افتقادنا للقيم الوطنية و الغيرة على كلّ ذرة تراب من وطننا العربي العزيز و كل ما نتماه للشعب الليبي هو أن يجد حلا ليبيا / ليبيا و بأيادي ليبية صادقة للمطب التي تردّت فيه الشقيقة ليبيا بعيدا عن التجاذبات الاقليمية والدولية؟