رغم الجانب المأساوي للحريق الذي تعرضت له أقدم كنسية في فرنسا " نوتردام باريس " التي يعود بناؤها إلى أواخر القرن الخامس عشر ميلادي وتحديدا في سنة 1482 ورغم الخسارة الكبرى التي حصلت من وراء هذا الحريق الهائل الذي أضر بهذا المعلم الديني الذي يعد إرثا للإنسانية وملكا لكل المتدينين في العالم ورغم الثقل التاريخي الذي تكتسيه هذه الكنسية الكاثوليكية التي كانت شاهدة على أحداث تاريخية كبرى أهمها الحرب الدينية التي عرفتها أوروبا بين الكاثوليك والبروتستانت ورغم المكانة التي تحتلها في قلوب المسيحيين ووقع الرهبة الذي يشعر به كل زائر لها فإن هذا الحدث الأليم له جانب إيجابي ومزية على المولعين بالأدب والمتابعين للمطالعة والقراءة حيث أعاد هذا الحريق إلى الأذهان إحدى أهم روايات الأديب الفرنسي فيكتور هيغو " أحدب نوتردام " التي نشرها في سنة 1831 ميلادي والتي شكلت إحدى أسباب شهرة الكاتب و شهرة هذه الكنيسة إلى الحد الذي يمكن معه القول أنه لولا رواية أحدب نوتردام لما اشتهرت هذه الكنسية. نعود اليوم إلى التذكير بهذه الرواية الشهيرة لاستحضار شخصية " كوازيمودو" الطفل الأحدب الذي كان أحد الشخصيات التي أبهرتنا في زمن الصبى وفي مرحلة الطفولة في تلك الأيام الخوالي أين كانت المطالعة وقراءة القصص الهواية المفضلة لجيل كامل ولى وانقضى ليحل مكانه اليوم جيل آخر لا يعرف أحدب نوتردام ولم يسمع به ولا عرف صاحب الرواية الأديب الشهير فيكتور هيغو. يعيدنا اليوم حريق هذه الكنيسة العريقة إلى هذه الرواية من الأدب الفرنسي القديم ومعها نعيد استحضار أحداث رواية أحدب نوتردام التي تدور حول كنسية نوتردام في مدينة باريس وحول طفل غجري فقد أبويه ولا يعلم له أهل اجتمعت فيه كل الصفات الذميمة فهو ذو جسم مشوه أعرج الساقين أعور العينين مع حدبة في ظهره تجعل منه طفلا مخيفا غير مرغوب فيه ومنبوذا من الناس ولا يستريح له أحد ولكن كل هذه الصفات الخلقية القبيحة لم تمنع كاهن الكنسية من أن يتبناه بعد أن عثر عليه في الشارع وحيدا ومنحه اسم " كوزومودو " هذا الاسم الذي يحيل على معنى نصف بشر ويحيل كذلك على الأيام التي وجده فيها وهي أيام كوزمودو المسيحية . في صفحات كثيرة يصف فيكتور هيغو حياة هذا الطفل الأحدب داخل جدران الكنسية والعناية التي لقيها من الراهب الذي احتضنه والذي لم يبخل عليه بالتربية الحسنة حيث تلقى تعليما جيدا جعل منه طفلا حسن الاخلاق رغم سوء خلقته فنشأ نشأة حميدة جعلته مطيعا للكاهن الذي كلفه بمهمة قرع أجراس الكاتدرالية وشيئا فشيئا تكونت بين الطفل الأحدب والأجراس علاقة حميمية إلى الحد الذي تسبب القرع فيه إلى تعرضه إلى عاهة أضافية بعد أن أصبح أصما . حاول الراهب منع كوزمودو من مغادرة الكنيسة وثنيه على التجول في شوارع باريس بسبب عاهاته الكثيرة التي تثير الرعب لدى الناس وتعرضه للإهانة والأذى ولكن الأحدب لم يمتثل لأوامر الكاهن . وفي أحد الأيام خرج كوزمودو لمواكبة احتفال أقيم في باريس ليكون أحد المهرجين فيه ولتضعه الاقدار أمام فتاة غجرية تعرف إليها و اعجب بها تدعى " إزميرالدا " التي وقع كوزمودو في حبها وتنشأ بينهما علاقة حب قوية فيها الكثير من الرمزية . حاول فيكتور هيغو من خلال هذه الرواية تصوير الكثير من المعاني الإنسانية النبيلة وطرح سردية الصراع الانساني المرير بين ثنائية الخير والشر وعالج اشكالية الانسان المأسور بين صراع الظاهر والباطن وطرح السؤال الفلسفي حول حقيقة الانسان هل هي في صورته الظاهرة أم أن حقيقته في باطنه و ما يحتوي عليه من مشاعر وسلوك ونبل أخلاق ؟ الرواية إقرار ضمني بأن القبح الانساني ليس في ما نراه في المظهر الخارجي للإنسان ولا في الصورة المشوهة الظاهرية التي عليها الفرد وإنما القبح في حقيقته يكمن في قبح الذمم والأخلاق والآداب والسلوك والتربية. لقد صور فيكتور هيغو الطفل الأحدب في وضعية لم يترك صورة قبيحة إلا وأوجدها فيه ومع ذلك فهو رفيع السلوك طيب المعشر حسن الأدب والأخلاق وهذا يعني أن الجسد الانساني مهما تشوه وأصابته العيوب إلا أن الصفات الانسانية الراقية تبقى وتدوم ولا يمكن طمس معالم جمالها . قيمة أخرى أبرزها فيكتور هيغو في روايته وهي أن الحب هو وحده من يجعل صاحبه يشعر بقيمته الحقيقية وأن الحب وحده القادر على تجاوز العيوب الخلقية التي تخفي وراءها جمال الروح . لقد كانت الفتاة " إزميرالدا " هي الحب الذي جعل الأحدب يشعر بأنه إنسان كامل الإنسانية لا يختلف عن الآخرين وجعله يشعر بقيمته التي أنسته عاهاته ونواقصه وعقده . قيمة هذه الرواية في كونها قد أبرزت أن الحب يستطيع أن يغير الحقيقة الزائفة لتحل محلها الحقيقة الإنسانية التي لا يجعلها فيكتور هيغو في التشوهات الخلقية التي لا دخل للإنسان فيها ولا حول. كوزمودو الطفل الأحدب قارع أجراس الكاتدرالية الفرنسية في رواية فيكتور هيغو يعود إلينا اليوم بفضل حادثة الحريق الكبير الذي تعرضت إليه ليعيدنا ولو لفترة قصيرة إلى أيام جميلة خلت كانت فيها المطالعة هي الملاذ الوحيد في أوقات الفراغ وفي كل وقت . فهل قرأ جيل اليوم أحدب نوتردام للأديب الفرنسي الشهير فيكتور هيغو ؟