لا شك ان جميع المسلمين سيذكرون ويقرؤون بمناسبة حلول شهر رمضان قوله تعالى (يا ايها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)(سورة البقرة 183) ولكن هل تكفي مجرد هذه القراءة ومجرد هذا التذكر ام لا بد ان يعمل المسلم عقله في هذه الآية بغية التفكر والتدبر؟ لا شك ان الجواب المنطقي عن هذا السؤال معلوم ومفهوم لدى الخاصة والعموم من اجل ذك سأحيل القراء على ما كتبه الشيخ الطاهر بن عاشور في تفسير قوله تعالى (لعلكم تتقون) حتى نتبين جميعا معنى التقوى التي من اجلها كتب الله الصيام على عباده المؤمنين وحتى لا يكون صومنا بعيدا عن حكمة رب العالمين... يقول الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله وغفر له ولنا وهو العزيز الغفور(... والتقوى الشرعية هي اتقاء المعاصي وإنما كان الصيام موجبا لاتقاء المعاصي لان المعاصي قسمان قسم ينجع في تركه التفكر كالخمر والميسر والسرقة والغصب فتركه يحصل بالوعد على تركه والوعيد على فعله والموعظة باحوال الغير وقسم ينشا من دواع طبيعية كالأمور الناشئة عن الغضب وعن الشهوة الطبيعية التي قد يصعب تركها بمجرد التفكر فجعل الصيام وسيلة لاتقائها لانه يعدل القوى الطبيعية التي هي داعية الى تلك المعاصي ليرتقي المسلم به عن حضيض الانغماس في المادة الى اوج العالم الروحاني فهو وسيلة للارتياض بالصفات الملكية والانتفاض من غبار الكدرات الحيوانية وفي الحديث الصحيح (الصوم جنة) اي وقاية ولما ترك ذكر متعلق (جنة) تعين حمله على ما يصلح من أصناف الوقاية المرغوبة ففي الصوم وقاية من الوقوع في الماثم ووقاية من الوقوع في عذاب الآخرة ووقاية من العلل الناشئة عن الإفراط في تناول اللذات... والغالب على أحوال الأمم في جاهليتها وخاصة العرب هو الاستكثار من تناول اللذات من المآكل والخمور واللهو النساء والدعة وكل ذلك يوفر القوى الجسمانية والدموية في الأجساد فتقوى الطبائع الحيوانية التي في الانسان من القوة الشهوية والقوة الغضبية وتطغيان على القوة العاقلة فجاءت الشرائع بشرع الصيام لانه يقي بتهذيب تلك القوى اذ هو يمسك الإنسان عن الاستكثار من مثيرات إفراطها فتكون نتيجة تعديلها في أوقات معينة هي مظنة الاكتفاء بها إلى أوقات أخرى(انظر تفسير التحرير والتنوير المجلد الأول ص158/159 دار سحنون للنشر والتوزيع تونس طبعة سنة1997) فهل سيسعى المسلمون الصائمون اليوم ان يكون صيامهم كما قال الشيخ الطاهر بن عاشور وقاية لهم من المعاصي الناشئة عن دواعي الغضب والشهوة الطبيعية و الانغماس في عالم المادة السفلية الحيوانية وان يرتقوا بصيامهم الى العوالم الفاضلة الراقية الروحانية؟ ام سيكون صيامهم عكس ما كتب وشرح وفسر في تلك السطور اي مجرد توقف مؤقت لمدة شهر عن شهوتي الطعام والفرج فلا يتحقق لهم بهذا الصيام كما وقع لهم في هذه السنوات الأخيرة اي فائدة واي سعادة واي راحة واي شفاء واي فرج؟؟