لقد ابدع وتفنن علماؤنا وشعراؤنا الأقدمون رحمهم الله في استنباط مواعظ بليغة رائعة في بيان فضل شهر رمضان تنقي القلوب وتشنف الأذان وتوقظ الكسلان وتنبه اهل الغفلة والنسيان من ذلك نذكر قول العارف بالله الامام الحسن البصري الذي بقيت أقواله وأفعاله عالقة في القلوب والأذهان تدل على سعة في العلم وقوة في الأيمان تجري مع الزمان حيث يجري(ان الله تبارك وتعالى جعل رمضان مضمارا لخلقه يستبقون فيه بطاعته الى مرضاته فسبق قوم ففازوا وتخلف آخرون فخابوا فالعجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون اما امير الشعراء احمد شوقي رحمه الله وطيب ثراه فقد قال يوما تحت عنوان (الصوم) في بيان حكمة ما نشعر فيه من العطش والجوع (حرمان مشروع وتأديب بالجوع وخشوع لله وخضوع لكل فريضة حكمة وهذا الحكم ظاهره العذاب وباطنه الرحمة يستثير الشفقة ويحض على الصدقة يكسر الكبر ويعلم الصبر ويسن خلال البر حتى اذا جاع من ألف الشبع وحرم المترف أسباب المتع عرف الحرمان كيف يقع والجوع كيف ألمه إذا لذع) لله درك يا شاعر الشعراء ويا حكيم الحكماء وهل هناك أفضل من حكم التأديب بالحرمان والخشوع والخضوع والترحم والشفقة والتواضع والصبر لردع الانسان عن مزالق الكبر والبخل والطغيان؟؟ أما ابو بكر بن عطية الأندلسي فهو يقول في تنبيه الغافلين الذين جعلوا من رمضان مجرد لهو وفكاهة وهزل بعيدا عما جاء في دين خاتم الأنبياء والمرسلين لا تجعل رمضان شهر فكاهة تلهيك فيه من القبيح فنونه واعلم انك لا تنال قبوله حتى تكون تصومه وتصونه فاين هذا القول مما انتشر في الصائمين منذ عصور انحطاط المسلمين من اعتبار شهر الصيام مجرد شهر للراحة والكسل والتمتع بفنون الفكاهة والهزل وسهرات ماجنة إلى مطلع الفجر؟ وما أجمل وابلغ قول الشاعر الصابي وهو يذكر اهل الظلم ان ظلمهم يحرمهم من كسب اجر الصوم وهل يقبل الله صوم صائم وهو على غيره متسلط وغارق ومطوق في بحر المظالم؟؟ يا ذا الذي صام عن الطعم ليتك قد صمت عن الظلم هل ينفع الصوم امرأ ظالما أحشاؤه ملاى من الاثم؟ وما احسن ان نختم هذه المواعظ الحسان بذكر ما جادت به قريحة المرحوم الكاتب والشاعر العظيم مصطفى صادق الرافعي ذات عام والمسلمون يستقبلون شهر رمضان فقد قال داعيا المسلمين الى حسن استقباله واكرام وفادته بمزيد التقدير والاحترام فديتك زائرا في كل عام تحيا بالسلامة والسلام بني السلام هذا خير ضيف اذا غشى الكريم ذرا الكرام يلمكم على خير السجايا ويجمعكم على الهمم العظام فشدوا فيه ايديكم بعزم كما شد الكمى على الحسام وقوموا في لياليه الغوالي فما عاجت عليكم للمقام وكم نفر تغرهم الليالي وما خلقوا ولا هي للدوام وخلوا عادة السفهاء عنكم فتلك عوائد القوم اللئام يحلون الحرم اذا ارادوا وقد بان الحلال من الحرام وما كل الأنام ذوي عقول اذا عدوا البهائم في الأنام ومن روته مرضعة المعاصي فقد جاءته ايام الفطام فاللهم اجعل ايام الصيام للعصاة والمذنبين خير سبيل للفطام ومن علينا بصوم يرضيك عنا ويرفعنا عندك في اعلى مقام ولا تجعلنا في زمرة الغافلين الذين ياكلون ويتمتعون ويعيشون كالبهائم والأنعام و الذين تتشابه وتتماثل عندهم الليالي والأيام ويجهلون ان من فاته فضل وثواب شهر رمضان فقد خسر خسرانا مبينا وأضاع كنزا من الكنوز التي قل ان يجود بمثلها الزمان