محرز الغنوشي يُبشر التوانسة: '' التساقطات الثلجية بالمرتفعات الغربية راجعة'' وهذا موعدها    تونس تشارك في بطولة العالم للتايكواندو ب7 عناصر    تحذير عاجل للمتساكنين باجة: مياه العيون هذه غير صالحة!    عاجل : وفاة نجم بوليوود دارمندرا    اليونسكو تعلن عن إطلاق مشروع جديد لدعم دور الثقافة في التنمية المستدامة في تونس    يوم علمي تكويني حول مرض السكري في القدم يوم الاربعاء 26 نوفمبر بمدرسة علوم التمريض بتونس    خضرة موجودة قدّامك... تنجّم تنقص من خطر الزهايمر!    هام/ بطولة الرابطة المحترفة الثانية: برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة..    الوكالة العقارية الصناعية تدعو المستثمرين المنتفعين بمقاسم إلى تحيين معطياتهم    توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة جندوبة والكشافة التونسية لتشجيع انخراط الطلبة في الانشطة ذات البعد الاجتماعي والتنموي    يهم الأطباء الشبان..#خبر_عاجل    عاجل/ "حركة النهضة" تصدر بيان هام للرأي العام وتكشف..    تنبيه لمستعملي الجسر المتحرك ببنزرت..فتحة استثنائية على هذه الساعة..    جربة: "لود" قرقنة يستأنف رحلاته    شوف شنوة تاكل وقت البرد باش يقلل ''سيلان الأنف''!    عاجل/ الاطاحة بعنصر مصنف "خطير جداً" بهذه الجهة..    عاجل : تفاصيل صادمة تكشف لاول مرة حول معاناة مايكل جاكسون قبل الوفاة    النادي الإفريقي: الوضعية الصحية ل"علي يوسف" قبل التحول إلى قطر    تكريمًا لشاعر الخضراء.."البنك التونسي" يحتفي بالرواية العربية ويعلن فوز "كاميليا عبد الفتاح" بجائزة أبو القاسم الشابي لسنة 2025..    سينما المغرب العربي تتألق في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي لعام 2025    السفارة التونسية تكرم الصحفي الإماراتي عامر عبد الله    عاجل: الترجي يحدد موعد السفر إلى أنغولا    تكليف ديوان الزيت بإعتماد أسعار مشجعة لزيت الزيتون    قصر السعيد: رفع الحجر الصحي عن مركض الخيل مع ضبط جملة من الإجراءات    غوارديولا يتوقع تألق مانشستر سيتي خلال جدول المباريات المزدحم    عاجل/ متابعة: بعد العثور على جثة خمسينية داخل منزلها..تفاصيل ومعطيات جديدة..    عملت ضجّة في العالم : شنية حقيقة صورة اجتماع الأغنياء ؟    إيطاليا تفوز بكأس ديفيز للمرة الثالثة تواليا بتغلبها على إسبانيا    كأس الكونفدرالية الإفريقية: النتائج الكاملة لمباريات الجولة الأولى    الإدارة الوطنية للتّحكيم تجتمع اليوم برؤساء أندية الرابطة الأولى    عاجل: دراسة صادمة ....أزمة القلب والجلطات المفاجئة تهدد الشباب    المهرجانات في تونس بين ضغط الحاجة وقلة الموارد    بالفيديو: عزيزة بولبيار: حبيت راجل واحد وخذيتو رغم اللي ضربوني وكليت الطرايح عليه    عاجل: تساقطات مهمة متوقعة بعد انخفاض مفاجئ في الطقس    عاجل: ديوان الزيت يعلن موعد شراء زيت الزيتون من المعاصر    تغير مفاجئ في الطقس خلال 48 ساعة: خبير يكشف..    شنيا البرنامج الخصوصي استعدادًا لعيد الأضحى 2026...الي حكا عليه وزير الفلاحة    زيلينسكي يرد على "انتقادات ترامب" بأسلوب يثير التساؤلات    الديوان الوطني للصناعات التقليدية يشارك في النسخة الثالثة من المعرض السعودي الدولي للحرف اليدوية "بنان" بالرياض    عاجل/ جامعة الثانوي تعلن مقاطعة كل أشكال الامتحانات بداية من هذا الموعد..    تغيّرات مناخية حادّة... والرحيلي يكشف معطيات مقلقة حول مخزون السدود    تونس رئيسا للاتحاد العربي للقضاء الإداري في دورته الخامسة    وزير الفلاحة: الترفيع في نسق وضع الاسمدة الى حوالي الف و 400 طن في مختلف جهات الجمهورية    أيام قرطاج المسرحية 2025: مسرحية "سقوط حر" من مصر تعيد اختبار حرية التفكير    هندي يقتل ستينية كانت تُلحُّ عليه بطلب الزواج!    طقس اليوم: الحرارة في ارتفاع طفيف    استقرار مؤقت اليوم وغدوة... لكن عودة للأمطار بداية من هذا التاريخ    في حقه مناشير تفتيش وبطاقة جلب... محاصرة بارون ترويج المخدرات في خزندار    التحقيق مع ابنة رئيس سابق من أجل هذه الشبهة..#خبر_عاجل    عاجل/ مقتل هذا القيادي البارز في حزب الله اثر غارة اسرائيلية على بيروت..    ممداني لم يغير موقفه بشأن ترامب "الفاشي"    الشكندالي: الأسر والدولة تستهلك أكثر مما تنتج... والنتيجة ادخار شبه معدوم    عاجل/ الساحة الفنية تفقد الممثل نور الدين بن عياد..    أولا وأخيرا .. خيمة لتقبل التهنئة و العزاء معا    اليوم السبت فاتح الشهر الهجري الجديد    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    خطبة الجمعة: الإحسان إلى ذوي القربى    السبت مفتتح شهر جمادي الثانية 1447 هجري..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم : لمن أدلي بصوتي ومن أنتخب
نشر في الصريح يوم 18 - 05 - 2019

كلّما هاجمتني ، واحتلّت مكانا مرموقا بارزا بين أفكاري ، فسيطرت على تفكيري الانتخابات القادمة ، فاستعرضت المشهد الحالي في بلادنا ، إلا وحضرني مثل شعبيّ ، يُنسب لأهل الجريد ، وجاء على لسان رجل من أرض التّمور والشعر، وعبقرية المؤرخ الشاعر والمهندس ابن الشباط ، يقول لزوجته " كان صبّت اندبي وكان سحت اندبي. " واضح أنّ الضمير يعود على المطر، الذي إذا نزل والتمور لا تزال في عراجينها أفسدها ، وإن أجدب ضعف محصول الموسم التالي أو انعدم. ففي كلتا الحالتين حقّ البكاءُ والندب. ينطبق هذا الوضع كلّيّة على المواطن التونسي في الانتخابات القادمة ، إذا ما بقيت دار لقمان على حالها ، إلا إذا رحمنا الله بمُرشح أو مرشّحين يقدّمون ويعلنون ، بوضوح ودقة وشفافية ، ما هو أو هم ، عازمون على تنفيذه ، إذا انتخب أو انتخبوا ، لمعالجة وحلّ العقد والمشاكل ، التي تعرقل خطى الشعب نحو الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي ، بما فيه السيرة والأخلاق. لأنه إذا ما حَلّت الانتخابات وسط الساحة ، والوضع والحالة كما هما عليه اليوم – أوائل شهر مايو/ أيار- ، ووقف الناخبون ليختاروا نوابهم ، لا شك أنهم سيجابهون ذلك المثل الآخر، الذي كثيرا ما كانت تردّده جدّتي رحمها الله فتقول:" ما عندك في الهم ما تختار." يحار المواطن إذن ويتردّد ، ثمّ يتيه ، وينتهي به الأمر إلى مقاطعة الانتخابات ، وتلك هي الطامة الكبرى. لأن البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وتربويا ، وغير هذا يعلمه الكبير والصغير، إن هي بقيت والحالة هذه ، لا يمكن بأية حال أن تُقْدِم على خطوة في خطورة مقاطعة الانتخابات، التي تترك المجال فسيحا للانتهازيين ، وما أكثرهم ، ولغيرهم من ذوي الأطماع والغايات غير الوطنية ، علاوة على انعدام المقدرة ، وفقدان التجربة ، وعدم وضوح الغاية رغم الوعود. لذا فكلّ تصرّف مقبول إلا عدم الإقبال على الاقتراع ، بالرّغم من ضباب الرؤيا وانعدام الوضوح وكثرة المتحرّكين الطامحين الطامعين ، يمينا وشمالا ، يغمرهم الظلام والغموض ، وتنقصهم الصراحة والوضوح ، يحتاجون إلى ترك البغض والكراهية ، وإلى اتباع الصراحة والصّدق والشفافية ، في المخططات والبرامج والأقوال والتصرفات. تحق للمواطن الحيرة ، ولا غرابة في ذبذبته ، ولا لوم عليه في شكوكه وعدم ثقته. فبغياب اقتراح ، وفقدان عرض برامج عمل ، وإعلان خطوات سير وتنفيذ ، كما أشرت سابقا وكرّرت ، لا يتسنّى الانتخاب. لأن المواطن يعلم ويفقه أن نَخَب الشّيءَ يعني أخذ أحسَنه وأفضلَه، أَخَذَ نُخْبَتَهُ أَيْ مَا هُوَ مُخْتَارٌ مِنْهُ بِعِنَايَة. معنى هذا أنّ الناخب أمامه مجموعة أشياء ، أو أفراد حسان فينتقي أفضلهم لديه وحسب ذوقه. تطبيقا لكلّ هذه المفاهيم والمعاني ، وأمام الأوضاع والمشاهد السائدة ، ليس أمام الناخب سوى المثل التي كثيرا ما روته جدّتي وهو" ليس في الهمّ أمامه ما يختاره." وبانعدام الإختيار، لم يبق له إلا التصويت حسب جمال الوجه وبشاشته ، أو حسب القوام وطلعته ، أو حسب اللسان وطلاقته ، أو الهندام وأناقته.
أعود إلى الأمثال لأنها حكمة الشعوب ، فأذكر أحدها مفاده: " إن رايت لحاء جارك تحلق * عرّض لحيتك إلى البلل." مثل قديم مشهور يردّد هنا ، وهو يوصى وينصح بالحذر وعدم الوقوع في ما وقع فيه الغير من أخطاء ، وهو تقريبا مثيل مقولتنا العربية : العاقل من اعتبر بغيره. جرت قبل أكثر من شهر انتخابات عامة بإقليم أندلسية – جنوب إسبانيا - ، المعتبر معقلا من معاقل الاشتراكية التي حكمته أربعة عقود على التوالي ، أي منذ رحيل الدكتاتور فرانكو وبداية النظام الديمقراطي الذي حققته إسبانيا بتحوّل نموذجي ، أبهر العالم شرقا وغربا ، وألّفت بشأنه ودراسته كتب كثيرة في بلدان وبلغات متعدّدة ، منها كتاب فريد بالعربية وهو من تأليف محرّر هذه الأسطر. أسفرت الانتخابات على تقلص نتائج الحزب الاشتراكي فضاعت منه الأغلبية المطلقة ، فاتحد اليمين وافتك الحكم لأول مرّة. الغريب والمخطر في الأمر هو ميلاد حزب يميني متطرّف ، أجرى تجربته الأولى في أندلسية فنال من المقاعد ما جعله ضرورة لولاها لما أمكن لليمين أن يحصل على الأغلبية. بعد شهر ونيف ، أي قبل أسبوع من الآن ، جرت انتخابات عامة في كامل البلاد لتجديد البرلمان الوطني ففاز الحزب الاشتراكي ، لكن بأغلبية نسبية ، وتقهقر الحزب الشعبي اليميني ، وحصل الحزب اليميني المتطرف الجديد ما كفاه ليدخل البرلمان الوطني ويصبح فيه عنصرا لتكوين أغلبية مريحة. هذا مع العلم أنه يتبنى علنبّا بصفة جملية معظم مكونات سياسة الدكتاتورية الماضية ، مضيفا إليها العنصرية ، وعداء الأقليات والمهاجرين ، والوعد بتغيير قوانين كثيرة اعتبرت تطورا وتحرّرا ، كثير منها يخصّ المرأة والعائلة.
ذكرت هذا ليعلم من نسي أو تناسى ، أن الشعوب تُمْهل ولا تُهمل ، فالشعب هنا ملّ وضجر من هيمنة الحزبين ، فبعث اثنين آخرين أزال بهما الأغلبية المطلقة ، كأنه يطلب من السياسيين توخي الحوار والوفاق لتسيير شؤون البلاد. لم يحسنوا ويجيدوا الحوار، فتعثرت الأمور وتعطلت الأعمال ، فكان لزاما حلّ البرلمان وتقديم موعد الانتخابات ، فجاءت بمولود جديد يهدّد ما بُنِي وشُيِّد طوال أربعة عقود. قد يطول الشرح والتحليل ، لكننا في غنى عنه لأني أعتقد أنّ الرسالة بلغت والعبرة اتضحت ، خاصّة إذا وضعنا أمامنا أن تونس لا تحتاج حزبا متطرفا جديدا ، فهو مزروع بتربتها السياسية ، ولا غرابة أن كان بتونس أكثر من حزب ، سيُبرز كالذئب أذنيه عند الحاجة ، ثمّ ينقضّ على فريسته ،" فتعود حليمة لعادتها القديمة."
خلاصة القول أن المشهد والوضع والتصرّف في تونس اليوم مقلق تُخشى عواقبه ، وهي على قاب قوسين أو أدنى من انتخابات وصفتها بالتاريخية ، وقد تكون مصيرية ، لا يفصلها عنها سوى فصل الصيف. فهل بين النشطاء الفاعلين من بمقدوره مفاجأتنا ، قافزا على الرُّكح ، وبيده ملفات مشاكل البلاد ، العاجلة والآجلة، فيقرأ على الناخبين الحائرين بنود وتفاصيل مشاريعه ، وحلول مشاكلها ، فيزول القلق ، ويعود الأمل ، فتنشرح الصدور ، وتبهج الوجوه ، فيتهيأ الشعب لخوض المعركة الانتخابية السلمية الواعدة حقا ، مستعدا للعون والمساعدة ؟ أو أفضل من هذا بكثير ، ظهور أهم النشطاء متماسكي الأيدي ، متفقين حول مشروع وفاق سياسي ، اقتصادي ، اجتماعي ، ثقافي ، مقام على خيارات استراتيجية أساسية واقعية لا طوباوية ، تحدّد دور الدولة ، ودور القطاع الخاص ، وشكل أو اشكال النظام الاقتصادي المقترح ، ودور الجمعيات المدنية ، ومهمة الشعب وإسهامه ، لأن المشروع أو المخطط – إن ظهر كما نأمل – هو مستقبل الجميع. دون أن ننسى طبعا أمراضا تشكوها البلاد ، مثل الفساد والرشوة ومن أين لك هذا ، وعدم تعميم المساواة ، وبكلمة موجزة تطبيق ميزات ومبادئ الديمقراطية الحقة الفعلية. هل هذا من المستحيل علينا ؟ أنحن عاجزون عن الاتيان بمثل هذا المقترح ؟ ليس ذلك على الله بعزيز، ولست الوحيد المنادي به ، بل صوتي أضعف وأبعد صوت. فكثيرون نادوا ، بعبارات أفصح ، وبأسس أقوى ، وعلى قاعدة علمية وتقنية أرسخ ، أذكر منهم اثنين ، لأن ما كتباه هو آخر ما قرأت ، وأن أحدهما جاء رأيه في الصحافة والثاني في كتاب أقل ما يقال عنه إنه قيّم بليغ ، وهما السيدان المحترمان عبد العزيز قاسم ومصطفى كمال النابلي.
بقي السؤال الأخير: هل سيسمع الذين رأوا في أنفسهم المقدرة الكافية ، والأهلية المناسبة لخوض معركة الانتخابات ، كلّ ما قيل ويقال ، وهو ما يطالب به الشعب الذي يريدون تمثيله وتسيير أموره ؟ أم سيصمّون أسماعهم فتقع تونس في ما لا يتمناه عاقل ولا مجنون ؟ كلّ أملي هو أن لا يكون الردّ
أجبت إن ناديت حيّا * ولكن لا حياة لمن تنادي.

مدريد 10-5-2019.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.