سرقة عينات من الذهب بقيمة 700 ألف دولار من متحف في باريس    فقدان 61 مهاجرا غالبيتهم سودانيون في انقلاب قارب ثانٍ قبالة ليبيا    الولايات المتحدة: إطلاق النار على العديد من ضباط الشرطة في مقاطعة يورك    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    تونس ضيفة شرف مهرجان بغداد السينمائي...تكريم نجيب عيّاد و8 أفلام في البرمجة    من قلب القاهرة... عبد الحليم حافظ يستقبل جمهوره بعد الرحيل    تونس وكوريا: نحو شراكة في الابتكار الطبي والبيوصيدلة    مع الخريف: موسم الفيروسات يعود مجددًا وهذا هو التوقيت الأمثل للحصول على لقاح الإنفلونزا    منزل بورقيبة.. وفاة إمرأة إثر سقوطها من دراجة نارية    الاستاذ عمر السعداوي المترشح لخطة رئيس الفرع الجهوي للمحامين بتونس ل" الشروق اون لاين ".. " ساعمل من أجل هياكل فاعلة تحفظ كرامة و تطور الممارسة اليومية للمهنة"    وزير التشغيل والتكوين المهني يعطي من قبلي اشارة انطلاق السنة التكوينية الجديدة    تحويل جزئي لحركة المرور قرب مستشفى الحروق البليغة ببن عروس    وزير الداخلية: تونس في مواجهة مُباشرة مع التحدّيات والتهديدات والمخاطر السيبرنية    غار الدماء: وفاة أم أضرمت النار في جسدها بسبب نقلة ابنتها    الديوانة تحبط محاولة تهريب مخدرات بميناء حلق الوادي الشمالي    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    فتحي زهير النوري: تونس تطمح لأن تكون منصّة ماليّة على المستوى العربي    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    تسجيل تراجع في صابة "الهندي" الأملس    عاجل/ إسبانيا تلوّح بمقاطعة المونديال في حال تأهّل إسرائيل    إلغاء الإضراب بمعهد صالح عزيز    تحذير صارم: أكثر من 30 مصاب بالاختناق جراء تلوث المنطقة الصناعية في قابس...شفما؟    تونس تحدد مخزون الحليب الطازج المعقم    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    مروي بوزياني تحطم الرقم القياسي الوطني وتحتل المرتبة الرابعة في نهائي 3000 موانع سيدات باليابان    جريدة الزمن التونسي    أولمبيك سيدي بوزيد يتعاقد مع الحارس وسيم الغزّي واللاعب علي المشراوي    القصرين: مشروع نموذجي للتحكم في مياه السيلان لمجابهة تحديات التغيرات المناخية والشح المائي    الكاف: حجز كميّات من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك    جندوبة الرياضية تتعاقد مع اللاعب بلال العوني    عاجل/ الجامعة التونسية لكرة القدم تحذر وتتوعد بتتبع هؤلاء..    بشرى سارة للتونسيين: أمطار الخريف تجلب الخير إلى البلاد..وهذا موعدها    الرابطة الأولى: تشكيلة شبيبة العمران في مواجهة النادي الإفريقي    سفينة "لايف سابورت" الإيطالية تنضم لأسطول الصمود نحو غزة كمراقب وداعم طبي    ارتفاع الحرارة ليس السبب...النفزاوي يكشف أسرار نقص الدواجن في الأسواق    الرابطة الأولى: تشكيلة النادي البنزرتي في مواجهة مستقبل قابس    الدينار التونسي يتراجع أمام الأورو إلى مستوى 3.4    أكثر من 100 شهيد في مجازر ارتكبها الاحتلال في قطاع غزة    المريض هو اللي باش يطلب استرجاع المصاريف من الكنام.. تفاصيل جديدة    الحماية المدنية: 597 تدخلا منها 105 لإطفاء حرائق خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    مقارنة بالسنة الفارطة: زيادة ب 37 مدرسة خاصة في تونس    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    عاجل: طلبة بكالوريا 2025 ادخلوا على تطبيق ''مساري'' لتأكيد التسجيل الجامعي..وهذا رابط التطبيقة    بنزرت: إصابات خفيفة في انقلاب حافلة عمّال بغزالة    القيروان: النيابة العمومية تأذن بتشريح جثة العرّاف ''سحتوت'' بعد وفاته الغامضة    قطاع التربية يحتج اليوم: ساعتان من الغضب داخل المؤسسات وأمام المندوبيات    الكورة اليوم ما تفلتهاش... هذا برنامج المقابلات للرابطة الأولى    عاجل/ الكيان الصهيوني يستهدف مستشفى للأطفال بغزة..    جريدة الزمن التونسي    لمدة 48 ساعة فقط.. جيش الاحتلال يعلن عن ممر آمن لإخلاء سكان غزة جنوبا    أسطول الصمود: سفينتا ''قيصر- صمود'' و موّال-ليبيا تغادران في اتجاه القطاع    وفاة روبرت ريدفورد: رحيل أيقونة السينما الأميركية عن 89 عامًا    فيلمان تونسيان ضمن مسابقات مهرجان الجونة السينمائي    انطلاق المخطط الوطني للتكوين حول الجلطة الدماغية    كلمات تحمي ولادك في طريق المدرسة.. دعاء بسيط وأثره كبير    أولا وأخيرا ..أول عرس في حياتي    أبراج باش يضرب معاها الحظ بعد نص سبتمبر 2025... إنت منهم؟    مع الشروق : الحقد السياسيّ الأعمى ووطنية الدّراويش    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد نجيب عبد الكافي يكتب لكم : لمن أدلي بصوتي ومن أنتخب
نشر في الصريح يوم 18 - 05 - 2019

كلّما هاجمتني ، واحتلّت مكانا مرموقا بارزا بين أفكاري ، فسيطرت على تفكيري الانتخابات القادمة ، فاستعرضت المشهد الحالي في بلادنا ، إلا وحضرني مثل شعبيّ ، يُنسب لأهل الجريد ، وجاء على لسان رجل من أرض التّمور والشعر، وعبقرية المؤرخ الشاعر والمهندس ابن الشباط ، يقول لزوجته " كان صبّت اندبي وكان سحت اندبي. " واضح أنّ الضمير يعود على المطر، الذي إذا نزل والتمور لا تزال في عراجينها أفسدها ، وإن أجدب ضعف محصول الموسم التالي أو انعدم. ففي كلتا الحالتين حقّ البكاءُ والندب. ينطبق هذا الوضع كلّيّة على المواطن التونسي في الانتخابات القادمة ، إذا ما بقيت دار لقمان على حالها ، إلا إذا رحمنا الله بمُرشح أو مرشّحين يقدّمون ويعلنون ، بوضوح ودقة وشفافية ، ما هو أو هم ، عازمون على تنفيذه ، إذا انتخب أو انتخبوا ، لمعالجة وحلّ العقد والمشاكل ، التي تعرقل خطى الشعب نحو الخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والتعليمي والاجتماعي ، بما فيه السيرة والأخلاق. لأنه إذا ما حَلّت الانتخابات وسط الساحة ، والوضع والحالة كما هما عليه اليوم – أوائل شهر مايو/ أيار- ، ووقف الناخبون ليختاروا نوابهم ، لا شك أنهم سيجابهون ذلك المثل الآخر، الذي كثيرا ما كانت تردّده جدّتي رحمها الله فتقول:" ما عندك في الهم ما تختار." يحار المواطن إذن ويتردّد ، ثمّ يتيه ، وينتهي به الأمر إلى مقاطعة الانتخابات ، وتلك هي الطامة الكبرى. لأن البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وتعليميا وتربويا ، وغير هذا يعلمه الكبير والصغير، إن هي بقيت والحالة هذه ، لا يمكن بأية حال أن تُقْدِم على خطوة في خطورة مقاطعة الانتخابات، التي تترك المجال فسيحا للانتهازيين ، وما أكثرهم ، ولغيرهم من ذوي الأطماع والغايات غير الوطنية ، علاوة على انعدام المقدرة ، وفقدان التجربة ، وعدم وضوح الغاية رغم الوعود. لذا فكلّ تصرّف مقبول إلا عدم الإقبال على الاقتراع ، بالرّغم من ضباب الرؤيا وانعدام الوضوح وكثرة المتحرّكين الطامحين الطامعين ، يمينا وشمالا ، يغمرهم الظلام والغموض ، وتنقصهم الصراحة والوضوح ، يحتاجون إلى ترك البغض والكراهية ، وإلى اتباع الصراحة والصّدق والشفافية ، في المخططات والبرامج والأقوال والتصرفات. تحق للمواطن الحيرة ، ولا غرابة في ذبذبته ، ولا لوم عليه في شكوكه وعدم ثقته. فبغياب اقتراح ، وفقدان عرض برامج عمل ، وإعلان خطوات سير وتنفيذ ، كما أشرت سابقا وكرّرت ، لا يتسنّى الانتخاب. لأن المواطن يعلم ويفقه أن نَخَب الشّيءَ يعني أخذ أحسَنه وأفضلَه، أَخَذَ نُخْبَتَهُ أَيْ مَا هُوَ مُخْتَارٌ مِنْهُ بِعِنَايَة. معنى هذا أنّ الناخب أمامه مجموعة أشياء ، أو أفراد حسان فينتقي أفضلهم لديه وحسب ذوقه. تطبيقا لكلّ هذه المفاهيم والمعاني ، وأمام الأوضاع والمشاهد السائدة ، ليس أمام الناخب سوى المثل التي كثيرا ما روته جدّتي وهو" ليس في الهمّ أمامه ما يختاره." وبانعدام الإختيار، لم يبق له إلا التصويت حسب جمال الوجه وبشاشته ، أو حسب القوام وطلعته ، أو حسب اللسان وطلاقته ، أو الهندام وأناقته.
أعود إلى الأمثال لأنها حكمة الشعوب ، فأذكر أحدها مفاده: " إن رايت لحاء جارك تحلق * عرّض لحيتك إلى البلل." مثل قديم مشهور يردّد هنا ، وهو يوصى وينصح بالحذر وعدم الوقوع في ما وقع فيه الغير من أخطاء ، وهو تقريبا مثيل مقولتنا العربية : العاقل من اعتبر بغيره. جرت قبل أكثر من شهر انتخابات عامة بإقليم أندلسية – جنوب إسبانيا - ، المعتبر معقلا من معاقل الاشتراكية التي حكمته أربعة عقود على التوالي ، أي منذ رحيل الدكتاتور فرانكو وبداية النظام الديمقراطي الذي حققته إسبانيا بتحوّل نموذجي ، أبهر العالم شرقا وغربا ، وألّفت بشأنه ودراسته كتب كثيرة في بلدان وبلغات متعدّدة ، منها كتاب فريد بالعربية وهو من تأليف محرّر هذه الأسطر. أسفرت الانتخابات على تقلص نتائج الحزب الاشتراكي فضاعت منه الأغلبية المطلقة ، فاتحد اليمين وافتك الحكم لأول مرّة. الغريب والمخطر في الأمر هو ميلاد حزب يميني متطرّف ، أجرى تجربته الأولى في أندلسية فنال من المقاعد ما جعله ضرورة لولاها لما أمكن لليمين أن يحصل على الأغلبية. بعد شهر ونيف ، أي قبل أسبوع من الآن ، جرت انتخابات عامة في كامل البلاد لتجديد البرلمان الوطني ففاز الحزب الاشتراكي ، لكن بأغلبية نسبية ، وتقهقر الحزب الشعبي اليميني ، وحصل الحزب اليميني المتطرف الجديد ما كفاه ليدخل البرلمان الوطني ويصبح فيه عنصرا لتكوين أغلبية مريحة. هذا مع العلم أنه يتبنى علنبّا بصفة جملية معظم مكونات سياسة الدكتاتورية الماضية ، مضيفا إليها العنصرية ، وعداء الأقليات والمهاجرين ، والوعد بتغيير قوانين كثيرة اعتبرت تطورا وتحرّرا ، كثير منها يخصّ المرأة والعائلة.
ذكرت هذا ليعلم من نسي أو تناسى ، أن الشعوب تُمْهل ولا تُهمل ، فالشعب هنا ملّ وضجر من هيمنة الحزبين ، فبعث اثنين آخرين أزال بهما الأغلبية المطلقة ، كأنه يطلب من السياسيين توخي الحوار والوفاق لتسيير شؤون البلاد. لم يحسنوا ويجيدوا الحوار، فتعثرت الأمور وتعطلت الأعمال ، فكان لزاما حلّ البرلمان وتقديم موعد الانتخابات ، فجاءت بمولود جديد يهدّد ما بُنِي وشُيِّد طوال أربعة عقود. قد يطول الشرح والتحليل ، لكننا في غنى عنه لأني أعتقد أنّ الرسالة بلغت والعبرة اتضحت ، خاصّة إذا وضعنا أمامنا أن تونس لا تحتاج حزبا متطرفا جديدا ، فهو مزروع بتربتها السياسية ، ولا غرابة أن كان بتونس أكثر من حزب ، سيُبرز كالذئب أذنيه عند الحاجة ، ثمّ ينقضّ على فريسته ،" فتعود حليمة لعادتها القديمة."
خلاصة القول أن المشهد والوضع والتصرّف في تونس اليوم مقلق تُخشى عواقبه ، وهي على قاب قوسين أو أدنى من انتخابات وصفتها بالتاريخية ، وقد تكون مصيرية ، لا يفصلها عنها سوى فصل الصيف. فهل بين النشطاء الفاعلين من بمقدوره مفاجأتنا ، قافزا على الرُّكح ، وبيده ملفات مشاكل البلاد ، العاجلة والآجلة، فيقرأ على الناخبين الحائرين بنود وتفاصيل مشاريعه ، وحلول مشاكلها ، فيزول القلق ، ويعود الأمل ، فتنشرح الصدور ، وتبهج الوجوه ، فيتهيأ الشعب لخوض المعركة الانتخابية السلمية الواعدة حقا ، مستعدا للعون والمساعدة ؟ أو أفضل من هذا بكثير ، ظهور أهم النشطاء متماسكي الأيدي ، متفقين حول مشروع وفاق سياسي ، اقتصادي ، اجتماعي ، ثقافي ، مقام على خيارات استراتيجية أساسية واقعية لا طوباوية ، تحدّد دور الدولة ، ودور القطاع الخاص ، وشكل أو اشكال النظام الاقتصادي المقترح ، ودور الجمعيات المدنية ، ومهمة الشعب وإسهامه ، لأن المشروع أو المخطط – إن ظهر كما نأمل – هو مستقبل الجميع. دون أن ننسى طبعا أمراضا تشكوها البلاد ، مثل الفساد والرشوة ومن أين لك هذا ، وعدم تعميم المساواة ، وبكلمة موجزة تطبيق ميزات ومبادئ الديمقراطية الحقة الفعلية. هل هذا من المستحيل علينا ؟ أنحن عاجزون عن الاتيان بمثل هذا المقترح ؟ ليس ذلك على الله بعزيز، ولست الوحيد المنادي به ، بل صوتي أضعف وأبعد صوت. فكثيرون نادوا ، بعبارات أفصح ، وبأسس أقوى ، وعلى قاعدة علمية وتقنية أرسخ ، أذكر منهم اثنين ، لأن ما كتباه هو آخر ما قرأت ، وأن أحدهما جاء رأيه في الصحافة والثاني في كتاب أقل ما يقال عنه إنه قيّم بليغ ، وهما السيدان المحترمان عبد العزيز قاسم ومصطفى كمال النابلي.
بقي السؤال الأخير: هل سيسمع الذين رأوا في أنفسهم المقدرة الكافية ، والأهلية المناسبة لخوض معركة الانتخابات ، كلّ ما قيل ويقال ، وهو ما يطالب به الشعب الذي يريدون تمثيله وتسيير أموره ؟ أم سيصمّون أسماعهم فتقع تونس في ما لا يتمناه عاقل ولا مجنون ؟ كلّ أملي هو أن لا يكون الردّ
أجبت إن ناديت حيّا * ولكن لا حياة لمن تنادي.

مدريد 10-5-2019.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.