غريبة هي بلادي يبوب لزعامتها من لا يستحق الذكر، رجال سماتهم على وجوههم، فشلوا بكل الموازين المعروفة في ادارتهم للبلاد، والنهوض بها الى بر الامان، بل زادوا الطين بلة، اذ اخترعوا آليات لتصفية الحسابات الشخصية، والتنكيل بمن يعمل من اجل تونس، ورفع رايتها عاليا بين الامم،معظم قادة اليوم هم قادة الامس، من نفس الطينة،همهم الخفي، ضمان ممتلكاتهم، وحصانة اهلهم، ومناعة ارزاقهم، وتشبثهم بالحكم،لانهم يعتقدون انه ابدي، لا يمكن ان تزحزحهم معارضة مهما كان مرجعها يساريا او يمينيا او عقائديا، وهيهات عن ما دقت به طبولهم، وما رددوه من شعارات جوفاء، فقدت، بتصرفاتهم وسلوكهم، كل المعاني النبيلة للسياسة، وغادرت من اجلهم، كل النوايا الحسنة،وغاب من جراء ذلك، بناء جمهورية ثانية، ضحى من اجلها بررة، عند ربهم يرزقون، طغى الطموح على كل من هب ودب، وانتصب، من ليس له دراية، على عرش الحكم، وتدخل الاجنبي بثقله المادي في الحياة اليومية، منفذا اغراضه في دعم خط ليبيرالي، غايته الربح، وما ادراك ما الربح، وهو يخشى عدم الاستقرار، ويلوح به في كل ملتقى، حتى اخذته الاحزاب منهجا، ودافعت عنه بكل ما لها من قوة، لأنه رهين دعمها من موارد مالية، غير واضحة المصدر، يصعب معرفتها، ونتيجة كل ذلك، استمرت الازمةالاقتصادية، وصعب التغلب عليها، اذ هي رهينة رجوع الثقة، التي اصبحت مفقودة، ولم تعدها الحكومات المتتالية، بل افضى الوضع الى استغلال النفوذ، والعبث به، دون مراعاة المصلحة العامة، واصبح كل شيء قابل للمصادرة،وحتى للتقاضي امام العدالة ان بلادنافيلحظةخطيرة، لقدسئمالمواطنون فيها من الأزمة، وخابأملهممنسياساتالتقشف، واصبحوا لايريدونالاستماعأكثرمما سمعوه من وعود مغرية، في اغلبها غير مرقمة،ويبحثون ويترقبون بفارغ الصبر البدائل،ان وجدت،للنظر فيها،ان تباين الطبقة السياسية هو خطر ينبئ برجوع القبلية، وما لها من انعكاسات سلبية على الوحدة القومية، وعلى بنائها، الذي تصدع من خفايا السياسة، ومن اخفاء الحقيقة، وعدم مصارحة الشعب، والمخاطر تولد في كل مكان، اذا لم تحترم الدولة، ولم يكن القانون هو الفاصل، وهذافيالواقعمزعجللغاية، ويجب النظر فيه بعمق ونزاهة، اذ ان التشاؤم اصبح سائدا في كل مظاهر الحياة، والجميع يبحث على المنقض،او العصفور النادر كما ينعته بعضهم،بدون جدوى حتى الآن،والاعلام في هذا الخضم، في سبات عميق، غزاه المحللون الجدد،وقلة خبرتهم في تناول مشاكل البلادلبرهان دامغ، وتعاطيهم بدون روية الى سبر اللآراء المكيفلدليل آخر على قصور تكوينهم، وقد بينا في مقالات عدة انه بضاعة تباع وتشترى،وليس له الضوابط العلمية المعهودة،فهو يدخل ضمن مجرى الاقتصاد الموازي،لأنه لا يخضع لرقابة تذكر، وقد تعرضنا لذلك، بالحجة والبرهان، و نبهنا مرارا في كتاباتنا لخطورته ولانعكاساته السلبية بجميع الموازين لان اقتصادنافي غيبوبة، وصل الى حد لايطاق من التدهور،أجمع على أزمته كل الخبراء، مهما كانت مشاربهم، واعتقاداتهم المذهبية، ولا ادل على حالته المزرية، ما تصفه الارقام على مرضه المزمن، والذي يحتم الوحدة، والرجوع الى الكفاءات، والى اهل المعرفة،للتطلع الى الافضل، حتى يتعافى، ويرجع الى كل شيء على احسن ما يرام،وما دور الانتخاب، ان كان نزيها، الا ان يوضح المسار، ويبعث الامل من جديد في النفوس، من يدعي السياسة، ليس مسؤولا على نواياه، ولكن عن النتائج التي تحصل عليها، وهو يمارس الحكم، ويخيل له انه يقود الامة، فالواجب يدعو اقامة جرد للوضع الحالي للبلاد، اقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وحتى هيكليا للشروع في بناءها من جديد على اسس شفافة، يكون فيها الرجل المناسب في المكان المناسب،يقودها فريق حكومي، اقصاه خمسة عشر وزير، يمتازون بالمثالية في السلوك، ونظافة اليد، ويلتقون حول مشروع اصلاحي، واضح المعالم، مرقم في انجازه،يمتد على مخطط بخمس سنوات، يشمل الاولويات التي يقع الاجماع حولها كالنهوض بالمناطق الغير نامية، واعادة النظر في التعليم والصحة والسكن... وكل ما يهم المواطن، لتحقيق العيش الكريم ، وتكون العقد الانمائي الضامن للعودة الى العمل، والسير بالبلاد الى ما هو أفضل،ولنترك للتاريخ الحكم على من قدم لتونس الخدمات الجليلة، وللعدالة المحايدة التحقيقمعمن عبث بتراثها، واغتنم الرسلة التي كلف بتأديتها، للإثراء الغير شرعي، وكل من يطمح لهذه التطلعات، وجب عليه المشاركة في الانتخابات المقبلة، والحث على خوضها،والحرص على ان تتسم بالشفافية والنزاهة،لان الثورة اصبحت اليوم قضية منهج واسلوب حكم، وللشعب فرصة جديدة للأخذ مصيره بأيديه، وله ان يختار من له المصداقية، وقد جرب الكثير من الذين اعتنقوا السياسة، وركبوا الثورة، ونتائجهم تجلت في هذا الوضع المتردي،الذي لا يرسخ الخيار الديمقراطي الذي نادى به بجميع اصنافه، ولا مواصلة بناء الدولة العصرية ولا حمايتها والذود عن استقلال قرارها، ولنترك عشاق الشهرة وازلامهم اذ هم لا يفقهون لنواقيس الخطر التي تدق من كل الجوانب و لان الشرعية هي في الحقيقة الصدق في القول والانجاز في الوعد