ان الأطر التقليدية اصبحت لا تفي بحاجة المواطن، فالأحزاب تدهورت، وغاب عنها منخرطوها، والنقابات تعاني من قلة تأثيرها،والدولة أصبحت غائبة حاضرة،ونتيجة ذلك، قل احترام كيانها،و كثر التشكيك في أدائها، وفي هذا الوضع العالمي الجديد،هذه فرنسا في مأزق، متعدد النوافذ،اذ اجتمعت كلمة الرفض من كل الاطراف الاجتماعية، واصبحت تنادي بأخذ المقود بنفسها، وتبينلخبطة الديمقراطية التمثيلية،التي فشلت في الاستجابة لاستحقاقات الشارع، وهذا الحزب الحاكم في بريطانيا، يهدد بسحب ثقته من رئيسة وزرائه، على خلفية تأجيل التصويت على اتفاق الخروج من الاتحاد الاوربي، وهذه ميركل تترك حزبها،والقيادة لغيرها، ملوحة اللجوء الى الراحة، وهذه الانتخابات في ارجاء العلم تختار اليمين والليبرالية، وتناول المحللون التي غصت بهم الساحة،من كل حدب وصوب،إبداء الراي،وتصور شؤون العالم،وكل حسب اهوائه، وما استنتجه مما كتب على صفحات الشبكة العنكبوتية،و كل الاقلام ترويذلك،بنغمة الحزن ولغة الياس،مع عطف وشغف، وغفل هؤلاء المتطفلون على السياسة،عن الوضعية الكارثية لبلدانهم، ولم يهتزوا لما تقاسيه شعوبهم، من غلاء معيشة، و تدهور اخلاق شمل حتى حكامهم، و لم يتنولوا بالبحث اوطانهم، ولم تهتز مشاعرهم الا للخارج، لتحليل وضعه والبكاء على اطلاله، والتذمر لما ناله من طوفان المطلبية، وما يحتمه من حلول عاجلة، هم ادرى بشعابها. لكن اعتدنا هذا المسار والتجأ بعضنا الى اشهار سلاح الواقع، وما يتميز به من مخاطر،قد تأتي على الاخضر واليابس، ودعونا مرارا الى الانكباب على وضعنا، والتمعن في ما يخالجه، من ترهات تهدد كيانه، وتبعث به الى القرون الوسطى، فالسياسة ضربها الافلاس في بلادنا، لان مدبريها همهم البقاء في مناصبهم، كلفهم ذلك ما كلفهم، فاعتنقوا "الفيس بوك" مذهبا، والخرافات منهجا، و التشبث بالمزايا سبيلا، وغابت عنهم، ان تونس بنيت لتبقى منيعة أبد الدهر، ولقد كنا من الذين اشادوا بوحدتها، ودعوا الى الالتفاف وراء "الشيخين"، وكتاباتنا تشهد علينا، وقل اذ ذاك من دعا للمصالحة، في سبيل لم الشمل، وتجاوز العقائد الأيديولوجية، مهما كان مصدرها، ماركسية او دينية او "ملنشية الميل"، كما امتازت به وانتمت اليه بعض القيادات السياسية الحالية، التي لها حصانة الدولة، تدفع لحمايتها منالمداخيل الخاضعة للضريبة، وكم استعملت هذه الاخيرةلتعويض ضرر لم تبت في صحته العدالة، لكنه وقع رصدها لمناضلي احزاب، سيكشف عنها التاريخ عاجلا ام آجلا. وبالرجوع الى احوالنا وما تشكوه من ضيم، قرأت بكل امعان، ما كتبته السيدة الفاضلة سمية الغنوشي، وهي قريبة من حكام البلاد في سنوات الجمر التي تمر بها البلاد، واطنبت، حسب نظري، في اللوم على رئيس الجمهورية، تركت النهضة وأبوها جانبا، من تحمل مسؤولية الصراع، الذي يهدد مسار البلاد، ويرمي بها في احضان لولبيات المال والجاه، تحت غطاء المؤسسات المالية الدولية، وكم كنت ممنونا لو كتبت في وضع تونس اليوم، وطلبت من القوى السياسية استعراض نتائجها في قيادة تونس، منذ انبعاث الثورة المباركة، التي قادها الشعب بنفسه، واستولت عليها قوى سياسية، تنقصها الخبرة والمصداقية،فرمت بها في اليم، ولم يوجد لها منقض. قلة هم الذين باركوا لقاء "الشيخين" في باريس، وكنت من هؤلاء، وكتبته على صفحات الجرائد اليومية، التي اصبحت تعاني اليوم من قلة المرجعية، لفقدانها لأهل المهنةوالاحتراف، ومن حقي ان أتساءل مثلك ايضا، سيدتي، ما هو سبب اخفاق التوافق،وانا من بين الذين دعموه، ودافعوا عنه، لأني أعتبره تتمة للمنهج البورقيبيالاصيل،الذياقنعني به، المرحوم محمد الصياح، طاب ثراه، طيلة عشرات السنين، وأنا بجواره كرئيس ديوانه، حيث شاطرته الحلو والمر، و عملت ليلا نهارا تحت امرته، بكل صدق و أمانة،حتى ان رئيس الدولة الباجي قائد السبسي ينعتنيدائما ب"الرجل الوفي لمحمد الصياح"، وتلك مفخرة اعتز بها، واتمنى ان اكون اهلا لها،لان ذلك الرجل الذي اعتبره علي العريض، القائد في حزب النهضة، لما قدمني له المناضل علي بن سالم، وذلكفي رحاب مجلس النواب،"أن تونس خلفت على مر السنوات الاخيرة سياسي واحد هو محمد الصياح". وحتى يتميز حكمنا على مسيرة تونس،يجب التذكير ان يوسف الشهد، اختاره الرئيس الباجي،ولم يعرف بنضاله في أي حزب، ولم يكن له أي التزام، رغم انتماء عائلته الى المنهج البورقيبي، وتدعيم مساره، فهو اذا معتبر ابن الرئيس الروحي، ولم يتنكر الوزير الاول لذلك، وكانالرئيس يعتقد ان هذا الاختيار لرجل في عنفوان شبابه يمكنه، الى جانبه،ان يخرج البلاد من الوحل، الذي هي فيه، فمهد له اذا الطريق، وترك له اولوية اختيار مساعديه، لكن الرئيسدائما حريص على النتائج، التي لم تأت بعد،فبعثالمبادرات، لكنها بقيت حبرا على ورق. ومن البديهي التساؤل عن المسؤولية والبحث عن البديل اذ اجمع القوم ان بعضالفريق الحكومي لم يكن في المستوى المطلوب، لذلك وجب دعم رئيس الجمهورية في اتجاهه نحو المزيد من الفاعلية، وهو الذي انتخبه الشعب، لينقض مسار البلاد،الذي تعفن، و للمؤرخين دور في وضع النقاط على الاحرف، و البحث عن الحقيقة، ولوكانت مرة لمن ادار البلاد، بدون وعي، وحاول بث الانشقاق، في مسيرة هشة،اما الرجوع الى الانتخابات البلدية الاخيرة، سيدتي،للاستشهاد بنتائجها، ليس بدليل مقنع على شعبية الاحزاب المشاركة، وانما هو نتيجة قانون انتخابي غير لائق،لما وصلت اليه البلاد من تقدم وحرية، ولم يساهم الناخب، بالكيفية المرجوة منه، و هو دليل على عدم رضاه، على المسار المتبع، وخسرت كل الاحزاب، جملة وتفصيلا، ما كانت تتوقعه من اشعاع، في المجتمع،والنتيجة ان عادت حليمة الى عادتها القديمة، ولم يسجل أي تحسن ملحوظ في الاداء البلدي، كما بينه سبر الآراء الذي اجراه معهد الاحصاء اخيرا، ونشره في جوان 2018،حيث بقي اكثر من 7 مواطنين من جملة 10غير راضين لسير النظام الديمقراطي في بلادنا أما المواضيع التي وقع الخوض فيها من تنظيم موازي، وكشف عن الاغتيالات ومن وراءها، فهي مواضيع الساعة، تتناولها الالسن في الشارع، ويجب على العدالة التحقيق فيها، واعلام الرأي بما وصلت اليه، حتى يطوى الملف، وتنتهي المرحلة نهائيا، وبذلك تؤكد العدالة مصداقيتها، وتبنى صرحها من جديد، بعيدا كل البعد عن التداولات "السياسوية"، التي اضرت بالبلاد والعباد،أما موضوع الارث فهو امتداد طبيعي لتفكير بورقيبة، آن الأوان الخوض فيه، والاتفاق على منهجيته واسلوبه، ولو ادى ذلك الى تحكيم الشعب، والالتجاء الى الاستفتاء حوله، ويذكر الشيخ في هذا الصدد "ان الوقت حان لإتمام ما قام به بورقيبة ببناء الديموقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام الهوية العربية الاسلامية" (محادثات مع راشد الغنوشي. رفنلو افريل2015)وكفانا من الحروب الغير المعلنة، و الاتهامات الغير مركزة، ولنترك السياسة جانبا، ونفضل الاولوية للاقتصاد، فالمصير مشترك في ارجاع الدورة الاقتصادية الى احسن مماكانت عليه، ويكون ذلك، بتظافر جهود الجميع، ولنتبارى على الافكار وعلى المنهج المنقض من المأزق، الذي نحن فيه،ونتحاشىالحكم على النوايا المسبقة، ولو كانت مبهرة، و الاتقان في العمل يجمعنا، ومصير بلادنا في ايدينا، فلتكن مفتوحة لبعضنا، ولنجعلالتقييم لا مفر منه في ادائنا،ونصلح معا ما افسده الدهر، ونترك في خاتمة المطاف للتاريخ وللعدالة الخوض والحكم لنااو علينا،وفي خاتمة كلمتيأسوق لك سيدتي الفاضلة ما جاء في وصية المرحوم رجل الدولة بدون منازع الفقيد محمد الصياح في رسالة وجهها آنذاك الى الوزير الاول الباجي قائد السبسي:"نحن الآن في وضع يسمح لنا بعدم السماح للحياة السياسية بالعمل عشوائيا من خلال الدوافع المدمرة، لدينا الحق في المطالبة باتخاذ إجراءات بناءة ، وقد واجه السيد الباجي قائد السبسي هذا التحدي، دعونا نثق به ونقدم له المساعدة التي يحتاجها للنجاح، يجب تقديم دعمنا له بدون تحفظ" وقل اعملوا فسير الله عملكم ورسوله و المؤمنونصدق الله العظيم