تحي طبلبة ذكرى أربعينية وفاة الأستاذ الدكتور البشير جمعة، تلك القامة الطبية والعلمية المختص في أمراض الجلدة والقروح الظاهرة والخفية التي تصيب الانسان في حياته، ولقد شرفتني لجنة التنظيم مشكورة بالدعوة لحضور ذلك الموكب الخاشع الذي تقرر تنظيمه بفضاء سيدي عياش بمسقط راْسه طبلبة التي ولد وتربى فيها، ولم ينقطع عن زياراتها واستقبال المرضاها فيها من حين لأخر لفحصهم وعلاجهم أو إرشادهم بما يناسب ويستوجب. وحيث يتعذر علي حضور ذلك اللقاء شخصيا لأسباب قاهرة، رأيت ان اذكر بما عرفته عنه منذ صغره وحتى وفاته، وعملا بقاعدة: ما لا يدرك كله لا يهمل جله اقول: هو ابن (الأسطى) أحمد جمعة الذي كان مختصا وحده في صنع وإصلاح قوارب الصيد البحري، وكان في أيامه مدرسة في تلك الصناعة، والتي تطورت وانتشرت عبر الاجيال وما زالت قائمة بطبلبة الى الآن، بل باتت صناعة لببناء السفن العصرية بكل احجامها بفضل فضاء ميناء الصيد البحري المحدث اخيرا بطبلبة وبات الأهم في ولاية المنستير كلها ومن الأوائل في الجمهورية التونسية، ذلك المرفأ الذي هو بصدد التوسعة ليواكب التزايد المستمر في استقبال وحماية مراكب صيد السمك في الأعماق وتربيتها في أعالي البحار وباتت فيه مختصة. ولد المحتفى بذكراه وتربي مثل امثاله في عائلة كثيرة الأبناء، محافظة ومتوسطة الدخل، تعلم القرآن اولا قبل ان يلتحق بالتعليم الابتدائي بطبلبة والثانوي بتونس، قبل ان ينخرط في أول كلية للطب بعثت في تونس بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي وتبحر في تلك العلوم المعقدة وأتم دراسته واختصاصه في طب الجلدة والقروح وبرع فيها، مما أهله للدرجات العليا والتكريم داخليا وخارجيا. لقد انخرط في القطاع العمومي بمستشفى فرحات حشاد بسوسة، وأبلى البلاء الحسن فيه وارتقى للتدريس بكلية الطب بسوسة الى يوم تقاعده وافتتاحه لعيادة خاصة ليعالج الأمراض المستعصية بجد وإخلاص، أكسبته سمعة وثقة الى يوم مرضه ووفاته تاركا كمدا وحسرة في نفوس كل من اقترب منه وعرفه بسبب او لآخر. نتذكره اليوم بهذه المناسبة ونذكًر بأعماله وانجازاته والفراغ الذي تركه في نفوسنا بعد فراقه ونطلب من الله ان يلهم عائلته وكل أصدقائه ومعارفه الصبر والسلوان راجين من الله ان يجازيه احسن الجزاء عما أزاله من الآم عن مرضاه وقد تفانى في رفع الألم الأذى عنهم. تذكرته بالمناسبة وانا اكتب هذه الأسطر القليلة التي لن تعطيه حقه، لأنه لم يكن ممن اشتهر بغير ميدانه الذي أفنى فيه عمره، ارضاء لواجبه وتقربا لخالقه الذي بات بين يديه ليلقى جزاءه بما فعله من خير، وبما انعم به عليه لتخفيف الآلام عن عباده. فرحمة خالصة لروحه وصبرا جميلا لعائلته وكل أصدقائه من الأسرة الطبية وغيرهم ممن عرفه واقترب اليه وانا لله وانا اليه راجعون. تونس في 20 جويلية 9