لقد بلغني في هذا اليوم وفي هذا النهار ان عدد الأحزاب السياسية في تونس بلغ 220 حزبا تشمل ما تشمل من كل لون توجه و اختيار و مذهب و تيار فذكرني هذا العدد المهول الكبير الذي لا يتناسب لا بالعرض ولا بالطول مع عدد التونسيين الذي لا يتجاوز الناضجون فيهم سياسيا بضعة ملايين على اقصى تقدير اقول ذكرني هذا العدد... وكم انا محتاج في هذه الفترة الصيفية الحارة الى مثل هذا التذكير لاشحذ به ما خلق الله في من طاقة التذكر ومن طاقة التفكير بتلك النكتة اللبنانية التي قراتها وانا طفل او شاب صغير... اما عن هذه النادرة او هذه النكتة كما نقول نحن التونسيون فتقول ان الشاعر اللبناني صلاح لبكي وما اكثر شعراء لبنان الظرفاء النبغاء قد قرا عن الفيلسوف الطريف الساخر النادر برنارشو انه قال(انكليزي واحد مثال للباقة انكليزيان يؤلفان ناديا ثلاثة انقليز يؤلفون مستعرة فرنسي واحد رجل اللطف والعذوبة فرنسيان يتناقشان حتى يختصمان ثلاثة يمضون الى مرقص ليلي ياباني واحد يصوم في بيته يابانيان يؤسسان شركة تجارية ثلاثة يابانيين يبنون مصنعا ولما انتهى اضاف صلاح لبكي الى هذه القائمة لبناني واحد مثال الذكاء والإقدام لبنانيان يسعيان لاصدار جريدة ثم يتنافسان ويفترقان فيؤسسان جريدتين ثلاثة لبنانيين يؤلفون حزبا سياسيا) وانني لاظن ان كلام صلاح لبكي قد صدق او سيصدق قريبا على التونسيين فبعد ان كان الحزب الأول في تونس يجمع ويعد الملايين زمن الثعالبيي ومن بعده بورقيبة وابن يوسف عليهم رحمة الله رب العالمين تكاثرت الأحزاب وتناسلت بصفة عجيبة غريبة حتى اصبحت تعد فقط بعض المئات وربما العشرات ولا شك انه ان تواصل واستمر هذا التناسل على هذا الشكل وعلى هذا المنوال فسيصبح عدد المنخرطين فيكل حزب لا يتجاوز اصابع اليد الواحدة كما وقع لاخواننا اللبنانيين في هذا المجال...ولئن كان اخواننا اللبنانيون معذورين في اكثارهم من الأحزاب باعتبارهم خليط عجيب من كل الطوائف ومن كل الملل ومن جميع النحل ففيهم المسلمون السنة والشيعة والمسيحيون والدرزيون والعلويون والقوميون والناصريون واليساريون والأرمنيون والسريانيون والكرديون وغيرهم ممن قد ينساهم الذاكرون فما عذر التونسيين في هذا العدد من الأحزاب وهم على حد علمنا وفي اغلبيتهم الساحقة على دين واحد وعلى جنس واحد وعلى طائفة واحدة؟ ان الجواب الوحيد الذي يمكن ان نفسر به ظاهرة تهافت التونسيين الجديدة على انشاء الأحزاب هو رغبتهم وحرصهم على تقليد الغربيين والظهور بمظهر المثقفين من طينة رفيعة فوقية علوية حتى يعتبرهم ويسميهم الغربيون بالديمقراطيين ولذلك نرى تسابق كل الأحزاب التونسية الكبيرة والفتية الى ارضاء الحكومات الأجنبية ونيل رضاها وتزكيتها قبل التفكير في احكام وضبط برامجها التي تقول وتدعي وتروج انها لفائدة الطبقة الشعبية الزوالية اما عن الذين يبحثون عن الدليل والحجة على صدق ما اقول فليستمعوا الى رؤوس الأحزاب الكبرى وهم يستشهدون بعظمة الانماط السياسية الغربية كل صباح وكل عشية ولينظروا اليهم وهم يشتكون ويتظلمون اليهم بصفة ظاهرة وبصفة خفية اذا اعترضتهم اي عراقيل حقيقية او وهمية اولم يعلم هؤلاء السياسيون اصحاب واقطاب هذه الأحزاب ان الغرب لو اراد ان ينفعنا وان يفيدنا لنفعنا ولافادنا منذ زمن بورقيبة رحمه الله الذي راهن على الاعانة الفرنسية اولا والغربية ثانيا فكانت النتيجة ما هي عليه تونس اليوم من الفوضى ومن الانهيار ومن الصراع ومن الصراخ ومن البكاء على اقل واصغر الأشياء فهل ستفيدنا بعد ان فهمنا هذا الخطاب كثرة الأحزاب ؟ ام ستزيد بلادنا فوضى على فوضى وخرابا على خراب؟ وانني لا اجد كلاما احذر به من سوء وغموض و تدهور احوالنا واوضاعنا السياسية افضل مما جاء في كتاب الله المكنون الذي فاز بحفظه وفهمه والعمل به الفائزون والذي خاب بتركه ونسيانه وهجرانه الخاسرون(فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون)