عندما اختار الزعيم "الحبيب بورقيبة" مدينة "المنستير" التي ولد في أحد أحيائها (حي الطرابلسية) ليبني قصره الذي يقضي فيه عطلته الصيفية على مساحة كبيرة بادر عدد من أصحاب هذه الأرض ببيع قطع الأراضي بالمليم الرمزي وثمة من أعطى أرضه بلا مقابل تعبيرا عن حبه لهذا الزعيم الذي عرف كيف يشيع مشاعر الأبوة بين التونسيين فكانت حتى أخطاؤه مبررة، فليس من عادة الأبناء أن يحقدوا على آبائهم، وإن اعترضوا على أخطائهم واحتجوا عليها... في القصر الرئاسي بالمنستير عاش بورقيبة محطات من حياته... ويعرف أهالي المنستير أنه كان يتصرف كأب لا كحاكم... لم يكن يخشى الظهور من دون حرس رئاسي في محيط القصر... ولم يكن ظهوره يحدث جلبة عند الناس... وقريبا من القصر، كانت تجلس زوجته "وسيلة" في مقهى سمي باسمها، تترشف قهوتها الصباحية بمنتهى الهدوء وبيدها جريدة تلتهم أخبارها وتحاليلها... ولم يعلن المقهى حالة حظر تجول بسبب الزيارة الصباحية ل"سيدة تونس الأولى"- الماجدة- التي لا يرافقها في زيارتها "جيش" من الأمن الرئاسي، بل كانت بدورها تظهر وحيدة أو رفقة حارس بلباس مدني يرقب تحركها من بعيد... كان كل شيء يسير بشكل طبيعي في تونس... لا فرق بين "الحاكم" و"الرعية"، وكان المنطق السائد هو العائلة التونسية المتماسكة، تؤمن بأن "المادة الشخمة" لأبنائها هي السبيل الوحيد لإثرائها من الداخل. وفي غفلة من العيون وبعد أن وضع قصر الرئاسة بالمنستير للبيع وسرت أخبار عن رغبة ملك المغرب في اقتنائه تراجعت السلطة البنفسجية عن البيع وخيم الصمت على ملف القصر . فجأة، رفع شعار "الجمهورية" من واجهة القصر، وشيئا فشيئا لم يعد القصر قصرا بل تحول إلى "فيلات" تشبه بعضها البعض على ملك "الطرابلسية" وعدد من رجال الأعمال الذين أثبتوا وفاءهم ل"ابن تونس البار"... واحتج أصحاب الأرض الحقيقيين صمتا، وتململوا اعتراضا... ولم يجدوا حلا لوقف "هذه المهزلة" التي تريد حرق "الدفاتر البورقيبية" دون أن تحترم تاريخه في القصر الرئاسي، وذكرياته، وحضوره الرمزي في قلب المنستير... أليس أصحاب الأرض الذي شيد عليها القصر هم الأحق باستعادة أرضهم عندما قرر النظام النوفمبري التخلص من التاريخ البورقيبي فيه؟؟ وكيف تم التفويت في مساحة القصر لبناء "فيلات" ؟؟ ومن هم تحديدا أصحاب هذه "الفيلات"؟؟ بأي حق وبأي منطق يتم التصرف في ملك الدولة بهذه الطريقة؟ من باع ما لا يملك لمن لا يستحق؟ وأي مصير للجزء الذي كان يستغله بورقيبة في إقامته الصيفية؟ ولماذا لا يصبح القصر متحفا للذاكرة الوطنية أو مركزا ثقافيا عالميا؟ أسئلة لعلها تحتاج معتصمين في القصبة ليرد عليها أصحاب القرار...