للشيخ عبد الفتاح مورو نقاط قوة ونقاط ضعف. فهو خطيب معتدل سياسيا ودينيا، ذو شخصية جذابة. يتمتع بثقافة واسعة تجعله قادرا على التواصل مع مختلف الطبقات والمستويات العلمية والاجتماعية. لا تفارقه النكتة، ولا تغيب عنه سرعة البداهة. يتقن العربية والفرنسية والألمانية. جمهوره أوسع من القاعدة الانتخابية لحركة النهضة التي تقدر حاليا بعد انحسار متواصل بحوالي نصف مليون ناخب. لكن من الصعب أن يفوز من الجولة الأولى كما يروج بعض قادة النهضة، وذلك نظرا لوجود منافسين لهم أوزان مختلفة ولكنها قد تكون مؤثرة، لكنه إن وصل إلى الجولة الثانية فستكون المنافسة حامية ومثيرة، وستشكل اختبارا للشارع التونسي الذي سينقسم بين مناصر لحامل العمامة وبين رافض له. أما نقاط الضعف لدى مورو فهي عديدة. لا شك في أن خوضه للانتخابات تحت راية حركة النهضة سيكسبه زخما شعبيا هاما، لكن في المقابل سيتحمل مجمل الأخطاء التي وقعت فيها خلال ممارستها للحكم والتي أفقدتها الجزء الأكبر من جمهورها خلال السنوات الثمانية الماضية. وسيواجه أوساطا هامة تعمل على تعميق الخوف بل والكراهية لهذه الحركة بالذات ولعموم الإسلاميين بالخصوص. إذ لم يعد بإمكان مورو اليوم أن ينتقد النهضة كما كان يفعل من قبل لأنه يمثل رمزها الانتخابي بامتياز، ولم يعد يتمتع بالهامش الذي كان يسمح له بأن يعارضهم دون حسابات. كان الشيخ يتمتع في بداية الثورة بشعبية جارفة، لكنه ارتكب في الأثناء عددا من الأخطاء الاتصالية بالخصوص أثرت سلبيا على صورته، وجعلته بسبب بعض تصريحات المربكة يثير شكوك الكثيرين ويفتح الباب أمام اتهامه بازدواجية الخطاب. ويعتبر ما دار بينه وبين وجدي غنيم من أخطر المطبات التي وقع فيها الشيخ والتي تستعمل اليوم ضده بكثافة للطعن في مصداقيته. وهي بدون شك تصريحات غير قابلة للتبرير. صحيح من يعرف مورو عن قرب يدرك بكونه ليس سلفيا، لكن ما وقع فيه كان خطأ جسيما، وهو ما جعله يعترف بذلك أمام التونسيين في محاولة لكسب ثقتهم من جديد. لم يعرف عن مورو كونه يملك برنامجا متميزا يؤهله لتولي منصب رئاسة الجمهورية. وتعتبر هذه مسألة هامة خاصة في ظل الأزمة الراهنة التي قد تدفع بالتونسيين إلى الوقوع في ردود فعل خاطئة ومتطرفة أحيانا. صحيح أن لاحيات رئيس الجمهورية تعتبر محدودة مقارنة بصلاحيات رئيس الحكومة، لكن تبقى رمزيتها هامة ومؤثرة في نظام سياسي قائم على تقاسم السلطة. لهذا وجب انتظار البرنامج الانتخابي لمورو لتقييمه أولا، واتخاذ موقف منه ثانيا،اتظار مدى التزامه بوعوده الانتخابي هكذا يتبين أن الشيخ مورو مدعو إلى ممارسة النقد الذاتي لتصحيح الصورة السلبية التي راجت عنه في أوساط كثيرة. إلى جانب التونسيين هناك الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بتونس، والتي سيتضح موقفها فيما بعد في حال فوز صاحب العمامة وأصبح رئسا لتونس. كيف ستتصرف هذه القوى خلال الحملة الانتخابية، وكيف سيكون سلوكها بعد إعلان النتائج. هذا معطى على غاية من الأهمية، يحتاج إلى وقفة خاصة، لكن من المؤكد أن النهضة اختارت أصعب الاختيارات، ووضعت نفسها في مسار غير مسبوق في تاريخها. قد تنقذ نفسها في هذه المجازفة الدقيقة، لكن من جهة أخرى قد تثير حولها وحول البلاد مناورات لا قبل للتونسيين بتحملها. مقال مطول للجورشي نقلناه بتصرف