بالاشتراك مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الانسان بتونس وبالتنسيق مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات اختتمت وزارة الشؤون الدينية سلسلة ندواتها الاقليمية التي اختارت لها عنوانا " محورية دور الامام الخطيب في تعزيز نزاهة الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2019 " التي انطلقت أشغالها يوم 22 أوت الجاري في مدينة قفصة وتواصلت يوم 24 أوت بمدينة سوسة لتصل يوم 26 أوت إلى مدينة طبرقة لتنتهي يوم 29 أوت الجاري بتونس العاصمة وهي ندوات كان الهدف منها مزيد تأطير السادة خطباء المساجد بخصوص مسألة دقيقة وحساسة للغاية تهم الخطاب الديني في المناسبات الانتخابية وخطورته في العملية الديمقراطية والمسافة التي على الخطيب أن يلتزم بها أثناء تعاطيه مع هذا الحدث السياسي الهام وطبيعة المضمون الديني الذي عليه أن يستعمله أثناء إلقاء خطبته الجمعية أو في الدروس الدينية التي يلقيها هو أو غيره أسبوعيا والتي قد تتناول جانبا من قضايا الشأن العام باعتبار أن الإمام الخطيب ليس معزولا عما يدور في المجتمع و ما يصدر عنه في المسجد ليس بالضرورة حديثا دينيا صرفا يخص الحلال والحرام والمسائل الفقهية الضيقة بل يمكن أن يتناول وضعيات يعيشها الناس في حياتهم اليومية من منطلق أن الدين هو في جوهره يلامس الحياة وأن الدين ليس عبادات وإيمانا فقط وإنما هو بالأساس معاملات ونظام حياة لذلك كانت هذه الدورات التي أشرفت عليها المفوضية السامية لحقوق الانسان وتابعها بانتظام السيد نبيل بفون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مهمة وضرورية لتوضيح الحدود التي على الإمام الخطيب الالتزام بها أثناء توجهه إلى عموم المصلين وطبيعة الخطاب الديني الواجب تجنبه في مثل هذه المحطات الانتخابية لضمان الحياد اللازم والنزاهة المطلوبة ولتحييد أماكن العبادة عن كل ما هو دعاية حزبية لحزب من الأحزاب السياسية من منطلق أن المساجد ليس من دورها ولا من أهدافها توجيه الناس نحو مرشح من المرشحين ولا من مهامها التأثير على ارادة المصلين للتصويت لفائدة أحد المتنافسين. ما هو مفيد في هذه الندوات الاقليمية هو الحرص الكبير من طرف وزارة شؤون الدينية على مرافقة خطباء الجمعة والإطار الديني لضرورة الالتزام بالحياد التام في موضوع الانتخابات والحرص على تجنب تناول خطاب ديني فيه توجيه مقصود أو تأثير واضح على المصلين ودعوتهم إلى التصويت لفائدة مرشح من المرشحين فالنأي بدور العبادة عن كل السجالات السياسية مهم للإبقاء على نقاوة الدين وعدم الزج به في قضايا ومواضيع تشوهه وتنقص من احترامه وتقدير الناس له لذلك اعتبر السيد نبيل بفون رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في كلمته التي القاها في اختتام الندوات الاقليمية أن الإمام الخطيب يعد قائد رأي ويملك سلطة أقوى مما هو متوفر عند الإنسان العادي ويتحرك في اطار يجمع الآلاف من المصلين مما يمكن أن يجعل منه طرفا فاعلا وقويا في توجيه الناخبين خاصة وأن الناس يستمعون إليه بخشوع كبير وكلامه في الكثير من الاحيان يكون مسموعا ومعمولا به بصفته الجهة التي تتكلم من منطلق ديني والجهة التي تمثل الحقيقة الدينية وعلى دراية بما يجوز وما لا يجوز وهذه الخصوصية التي يتمتع بها الامام الخطيب وهذه الميزة التي تكتسيها دور العبادة تحتم اليوم الالتزام الصارم بالحياد والنزاهة وليترك الناس الى ضمائرهم وقناعاتهم الشخصية يحتكمون إليها وعدم الدعاية الحزبية مع التنويه بأن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لم تسجل في الانتخابات السابقة أي خروج عن الحياد المطلوب من قبل المساجد بكامل تراب الجمهورية وهذه نتيجة مهمة يتعين المحافظة عليها في الانتخابات المقبلة. غير أن المشكل الذي أثير في كل هذه الندوات الاقليمية التي أشرفت عليها وزارة الشؤون الدينية هو توضيح الحدود التي على الامام الخطيب الالتزام بها في موضوع الدعاية الحزبية ؟ خاصة وأن الكثير من الخطباء يعتبرون أن الحياد والنزاهة وعدم الحديث قي الشأن الحزبي لا يعني ولا يمنع أن يتناول الخطيب الشأن السياسي والحديث في القضايا العامة ولا يعني كذلك الاقتصار والاكتفاء بدعوة المصلين إلى ضرورة التوجه يوم الانتخابات إلى مراكز الاقتراع والتصويت بكثافة وإنما التزامه بعدم الدعاية الحزبية لا يمنعه من الحديث في الشأن الانتخابي من حيث الشروط الواجب توفرها في المرشح و في الوعود التي يعد بها والحديث في خصاله وشروطه والحديث في انتظارات الناس التي يرتقبونها من الرئيس الجديد فكل هذه القضايا حسب جانب كبير من الأئمة مسموح بها وليس لها علاقة بالدعاية الحزبية وإنما لها صلة بالشأن العام الذي هو شأن ديني و لها رابط بالسياسة وليس بالعمل الحزبي فما هو مطلوب في هذا الموضوع هو تحييد الخطاب الديني والمساجد عن التحزب والدعاية الحزبية و ليس تحييدها عن السياسة والشأن السياسي العام ولتدعيم موقفهم من جواز الحديث في السياسة العامة ما يقوم به الاتحاد العام التونسي للشغل وهو نقابة عمالية تعنى بالدفاع عن حقوق الشغالين في القضايا الشغلية التي تهم العمل ولا دخل له في العمل السياسي ومع ذلك فقد سمح لنفسه بالتدخل في الانتخابات والمطالبة بمراقبة بعض مكاتب الاقتراع وضبط الشروط العامة في الشخص الذي يرشح نفسه ليكون رئيسا للبلاد ونفس الشيء يقال عن النقابة العامة لموظفي وحدات التدخل التابعة لوزارة الداخلية التي صرحت في بيان لها أن المرحلة التي تمر بها البلاد وهي تستعد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية والتي تعرف خروج الكثير من المسؤولين السياسيين عن حيادهم المطلوب وعدم احترامهم لمبدأ النزاهة مما يعرض العملية الانتخابية الى المخاطر ويجعلها تسقط في خيارات خاطئة من عدم اختيار الشخص المناسب لذلك فان الظرف يحتم على النقابة الخروج عن المسار الاصلي الذي التزمت به من عدم الدخول في المسائل السياسية لتلعب دورها في توفير المعلومات الضرورية لإنارة الرأي العام بكل من له ضلوع من اطارات الدولة في تحالفات ذات منحى سياسي من شأنه التأثير على النتائج السياسية الانتخابية . هذا هو المأزق الذي سوف تعرفه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مع مسألة الحياد التي تطالب بها الجميع في انجاح المسار الانتقالي الديمقراطي وتحقيق السلم الاجتماعي بين التحييد السياسي والتحييد الحزبي وعن دور الدين و حدوده في الفضاء العام وتناول شؤون الناس؟