يبدو و أنّ عقارب الزمن بصدد إحالتنا مجددا إلى بدايات سنة 2011 و الأدّلة على ذلك جليّة و واضحة للعيان و كأنّنا عدنا للمربع الأوّل بعدما اعتقدنا و أنّنا قطعنا أشواطا على درب الحرية و حرية التعبير و الحفاظ على كل مكتسباتنا المجتمعية و لكن نستيقظ بمناسبة هذه المحطات الانتخابية بشقيها الرئاسي و البرلماني لنجد أنفسنا في مفترق طريق خطير تحف به الأشواك من كلّ جانب و تتمظهر تجلياته في عديد من الصورة التي خلنا و أنّنا تجاوزناه أو على الأقل تجاوزنا العديد منها و لعلّ أهم صورها ما نعيشه اليوم من تجاذبات و صراع مدمر عبر صناديق الاقتراع و النتائج التي أفرزتها خير ناطق رسمي على أنّ مجتمعنا ليس بخير خاصة إذا رصدنا الاصطفاف وراء هذا المترشح أو ذاك و التصادم بين ذراعي القضاء (المحامون و القضاة) لنفهم ما ينتظر وطننا العزيز من مفاجآت لا يقدر أيّا منّا التكهن بارتداداتها على مستقبل البلاد و العباد و لنطرح السؤال الأهم و مفاده أي مجتمع نؤيد؟. الاصطفاف الأعمى و القاتل : منذ الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية و الإصطفاف على أشدّه وراء هذا الفائز أو ذاك و أصبح اللغة المشتركة بين الجميع من المصطفين فالكل يمجد و الكل يظهر المناقب و الكل يمدح و الكل يسابق و الكل يحاول إقناع الجميع بالتصويت للرئيس المنتظر و مثل هذه الصورة و كأنها تحيلنا على سوق عكاظ حيث الكل يمدح و الكل يذم و الكل يقول للكل نحن هنا و لكن ما غاب على الجميع هو حق الوطن و حق الشعب الكريم في رجل يستحق فعلا قصر قرطاج و التربع على عرش تونس الجميلة و تونس الانفتاح و تونس العلم و تونس الحضارة و تونس السلام و تونس الجديدة. التي فعلا نريد؟ و هنا لا نقدح في أي مرشح لأنّ ذلك من الحقوق لتي كفلها الدستور و لكن ذاك لا يكفي حين يصبح الوطن في الميزان و مستقبل أجيالنا في الميزان و غدنا في الميزان و هويتنا العربية و الاسلامية في الميزان و كل ما يعانيه الشعب التونسي في الميزان من مرارة تسع سنوات عجاف. لأنّ في النهاية تبقى الانتخابات آلية لإفراز من سيحكم و ليس نهاية في حدّ ذاتها و أيضا أمام التقدم التكنولوجي لوسائط التواصل و المعلوماتية أصبح الاختيار مشوب ببعض الأيادي الملطخة التي لا تبحث إلاّ عن مصالحها و طز فيك يا ناخب و بالتالي طز فيك يا شعب؟ و على هذا الأساس علينا عند الاختيار للرئيس القادم لمدة نيابية جديدة إعمال العقل و البحث و التحري عنه و عن مراجعه و أفكاره و من يقف وراءه و شبكة علاقاته باعتبار وأنّ المناوئين و الضاغطين و المؤثرين في الاختيار عبر الماكينات الداخلية منها و الخارجية أصبحت لها اليد الأطول في نحت هذا الاختيار. حسب مصالحهم الضيقة في زمن العولمة التي لا تعترف حتى بالسيادة الوطنية التي أضحت أمامها في خبر كان، زد على ذلك ما تشهده الجبهة الداخلية من تصدع و لعلّ الخطير فيه هذا التصادم بين ذراعي القضاء. التصادم بين ذراعي القضاء علامة خطيرة: سوف لا و لن نمسك العصا من الوسط إذا كان الأمر جليّا بل نصدح بالقول و الرأي و أنّ ما يجري هذه الأيام بين ذراعي القضاء أو بالأحرى بين المحامين و القضاة حول قضية مصيرية في حياتنا و مستقبلنا السياسي حتى لا نقول الوجودي لا يزيد الوضع إلاّ ارباكا خاصة و أنّ هذا الذي يجري يتعلق كما هو معلوم بالجهاز السّري و هي من القضايا التي من المفروض أن تتعاون عليها و تلتف حولها كل الجهات القضائية و المجتمعية بدون تحفظ إلى أن يتمّ اماطة اللثام على حقيقتها و لكن أن تكون هذه المعضلة للجهاز السري موضع تصادم فهذه حادثة خطيرة لا تزيد الوضع إلاّ تعقيدا بقطع النّظر عن ما حصل من صدام بين ذراعي القضاء و المفروض ألاّ يقع مثل ذلك أصلا لو كلّ طرف احترم واجباته متمنين من الأعماق أن يتم تطويق هذا الجدال العقيم و التصعيد المجاني من كلا الطرفين و الاسراع و التسريع في كشف حقيقة هذا الجهاز السري ليطمئن المواطن أوّلا و الأجيال القادمة عن مصيرهم فضلا عن تنقية الأجواء عامة من " زيد الماء و زيد الدقيق " و " صب الزيت على النار " من قبل الذين لا يريدون، لا استقرار سياسي و لا نماء اقتصادي و لا تطور اجتماعي، لوطننا العزيز لأن هذه الأطراف لا تحسن السباحة إلاّ في المياه الآسنة. و لا يهمها نمط مجتمع يكفل العدل للجميع؟ نمط المجتمع في مفترق الطريق : و في النهاية نرى و أنّ كل هذا التصادم و كل هذا الحراك و كلّ هذا الانقسام حول القضايا المصيرية للبلاد و العباد هي معركة تدور رحاها في الخفاء و من وراء الستار و عنوانها الكبير أي نمط من المجتمع نريد؟ فنحن في حضرة مشهدين أو خيارين؟ المشهد الأوّل يبحث عن الحفاظ على تونس الانفتاح و تونس الحرية و تونس التقدم و تونس الجمال و تونس الثقافة و تونس الحريات و تونس السلم و السلام و تونس المحبة و تونس للجميع و تتمظهر تجلياته في رفض كلّ تبني للفكر الهدام الظلامي الذي يمكن أن نضعه تحت عنوان كبير "لا للإتجار بالدين " الاسلامي الحنيف و توظيفه في الفعل السياسي؟ و ذلك على ضوء ما عاشته البلاد من خروج عن النص سواء على مستوى الاغتيالات السياسية أو العمليات الارهابية أو جنوح شريحة من المجتمع في تبني الفكر الداعشي بصفة عامة و عشنا بعض لوحات من " مسرح الكوميديا السوداء " من قتل و سحل و وعد ووعيد و هدم كل منارة تتدفق حياة و صلت إلى حدّ عدم الاعتراف بالدولة و علمها و تاريخها و رموزها و طي صفحتها و لو بالحديد و النّار و لنا في بعض الدول شواهد على ما اقترفته أيادي هؤلاء في حق الوطن و العباد و التاريخ و الحضارة الانسانية عموما. في حين يراهن الشق الآخر على تغيير نمط المجتمع و فرض عليه كل الطقوس المباحة و غير المباحة على أساس ديني - و دين الاسلام منهم براء - باعتباره دين وسطية و اعتدال لا دين تحجر و انغلاق و سواد و هدم و حروب و اغتيالات خاصة بين معشر المسلمين و بالتالي الرفض لكلّ هذا الرداء الجديد للمجتمع نابع من توجهات هذه الأفكار السوداء و الغريبة عن مجتمعنا الإسلامي و دينه الحنيف و لعلّ أهم خلاصة هؤلاء نوجزها في ما قاموا به في كل من العراق و سوريا من ذبح و قتل ممنهج و سبي للنسوة و جهاد النكاح و ختان النساء و الاتجار بالأسلحة و الأعضاء البشرية و سوق النخاسة و التعاون مع العدو الصهيوني و من هنا نتفهم الرفض المطلق لهذا التوجه الداعشي الغريب عن مجتمعنا.و دحضه شكلا و مضمونا مهما كان الثمن؟ و بالتالي نخلص إلى حقيقة مفادنا و أنّنا بمناسبة هذه المحطات الانتخابية عدنا للمربع الأول من سنة 2011 حيث كان الصراع حول الهوية في أشدّ فصوله و ما الصراع الحالي و الاصطفاف وراء هذا المرشح أو ذاك إلاّ تمظهرا لهذا الصراع الخفي و الخطير و السؤال الأبرز هنا مفاده لمصلحة من يعمل هذا الشق الذي يريد بنا العودة إلى الوراء و تلهيتنا على القضايا المصيرية للبلاد و العباد من قضايا اقتصادية و اجتماعية و حضارية و ركوب قطار العولمة حتى لا يفوتنا الركب و أيضا بدون الذوبان في مجرياتها الخطيرة؟