خلال مشاركته في الندوة الفكرية التي نظمها المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات يوم السبت 28 سبتمبر المنقضي حول تداعيات نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أدت إلى فوز قيس سعيد ونبيل القروي وتقدمهما على بقية المترشحين وحول التفسير الذي يمكن تقديمه لهذا التحول في المشهد السياسي من أجل فهم ما حصل يوم 15 سبتمبر المنقضي ، قال نوفل سعيد شقيق الأستاذ قيس سعيد بخصوص موضوع غياب المشروع السياسي لديه وطوباوية الأفكار التي يؤمن بها ويدعو لها في علاقة بفكرة التخلي عن الانتخابات التشريعية والاكتفاء بإجراء انتخابات محلية وجهوية وتصعيد الأوائل في كل منهما ليشكلوا النواب في البرلمان وفي علاقة بمراجعة النظام السياسي وتحقيق أهداف الثورة في موضوع البطالة والفقر وتحسين وضع الجهات المنسية والمقصية والمهمشة وكل الأفكار الأخرى التي يصفها البعض بأنها أفكار شعبوية يصعب تحقيقها على أرض الواقع . عن كل هذه القضايا التي تمثل اليوم غموضا في برنامج قيس سعيد قال شقيقه بأن مشروع قيس سعيد السياسي يقوم على حقيقة أن الأحزاب السياسية والمنظومة الحزبية قد تآكلت بحكم الممارسة السياسية ونتيجة البرامج التي تعد بها والتي تقوم على فكرة التموقع في الحكم أكثر من تلبية حاجيات الناس وتحقيق رغبات الشعب . ما لمسناه اليوم هو أنه لدينا أحزاب تموقعات ولا أحزاب برامج بما يعني أن الناخب اليوم قد وقف على حقيقة مخجلة وهي أن السياحة الحزبية أصبحت ظاهرة متفشية ومقلقة وعملية انتقال الأعضاء من حزب إلى آخر تمر بكل سهولة ودون اعتراض . ما يطالب به قيس سعيد ليس حل الأحزاب أو إلغائها فهذا كلام مبالغ فيه ويفتقد للدقة والحقيقة أنه يطالب بإعادة النظر في صياغتها ودورها في المجتمع والحياة السياسية خاصة وأن الأحزاب السياسية تعرف اليوم أزمة عميقة في كل الديمقراطيات الغربية وهناك اليوم نقاش واسع يتعلق بالتفكير في أشكال جديدة للتعبير السياسي من خارج الأحزاب وهناك اليوم دعوات للقيام بمراجعات عميقة في علاقة بدور الأحزاب ونتائجها .. ما يقوم به قيس سعيد هو دعوة للتفكير ودعوة لطرح السؤال من جديد والدفع في اتجاه مختلف وطريق جديد وهذا هو جوهر فكر ومشروع قيس سعيد . إن النخبة السياسية قد تآكلت نتيجة البحث عن التموقع أكثر من البحث عن خدمة الناس في علاقة بما يقوله السياسيون والخطاب الذي يقدمونه والذي لا علاقة له بمشاغل الناس وبعيشهم لذلك كان المطلوب هو البحث عن بدائل أخرى تكون قادرة على النهوض بوضعها وهذا يعني أن الفائزين قد استثمروا في الهوامش، فقيس سعيد لم يقدم وعودا لناخبيه وإنما تحدث عن الآليات التي يمكن من خلالها أن تتحقق الوعود فمشروعه لا يقوم على وعود كاذبة وإنما على تقديم آليات . أما نبيل القروي فان استثماره في الهوامش لم يكن قائما على فكرة إعادة النظر في منظومة الحوكمة وإنما كان هذا الاستثمار من خلال تقديم المساعدات الغذائية للعائلات الفقيرة والفئات المهمشة في العمق التونسي . الهامش الذي تم الاستثمار فيه من قبل المترشحين والذي مثل الفارق الذي مكنهما من الفوز وتصدر الانتخابات قد تفاقم منذ حكم الرئيس الراحل بن علي حيث كان استعمال الهوامش في السابق لتثبيت الاستبداد وجعله دوما في خدمة النظام السياسي مقابل السماح لهذا الهامش بالتحرك خارج المنظومة الرسمية والتساهل معه في ممارسة التجارة الموازية وأعمال تهريب السلع والبضائع وتدبير شؤونه من خارج الحل الجماعي. لكن ما حصل بعد الثورة أن هذا الهامش الذي طالما استعملته السلطة الحاكمة في المواعيد الانتخابية لتثبيت الحكم قد تمرد على المنظومة السياسية ولم يعد تابعا " للسيستام" ولا مساندا له وأضحى اليوم يلعب دورا مضادا للسلطة فما حصل أن هذا الهامش بدأ يفك ارتباطه عن الدولة التي لطالما وظفته. ما حصل بعد 2014 أن الدولة قد تخلت عن الهامش ولم تهتم به بل لم تضع السياسات اللازمة لتحسين وضعه وإدماجه في منظومة الحكم الجديدة مما جعل هذا الهامش يشعر بالاغتراب وعدم الاعتراف حتى بعد الثورة التي قامت من أجله .. الهامش اليوم غير مؤطر لذلك تم الاتجاه إليه لمحاولة استمالته من أجل أن يلعب دورا جديدا ولكن وفق مداخل مختلفة ، فقيس سعيد استعمل المدخل الفكري الثقافي وطرح مشروعا لاستعادة نهج الثورة ومواصلة تحقيق أهدافها في حين ركز نبيل القروي على مدخل توفير حاجيات الناس اليومية وخاطبهم من خلال الغذاء والدواء وما ينقصهم من أساسيات العيش اليومي. قيس سعيد يقدم نفسه اليوم للناس على أنه مصلح ورجل من رجال الاصلاح ويحمل للشعب مشروع إصلاح ويطلب من الجميع أن يقبلوا بمشروعه وأفكاره الاصلاحية التي تقوم على إعادة النظر في كامل المنظومة السياسية ومرجعيتها الفلسفية والقانونية وهذا يعني أن قيس سعيد من خلال مشروعه الذي يقترحه للشعب لا يقدم وعودا كاذبة كما تفعل الأحزاب السياسية وإنما هو يقترح آليات لتحقيق تلك الأهداف التي يعتبر أن المؤهل الوحيد لتحديدها وضبطها هم الهوامش وأفراد الشعب. لقد قدم مشروعا إصلاحيا قد يختلف معه البعض ولكنه مؤمن به ولا ينوي تكريسه إلا من خلال المؤسسات القائمة و تحت سقف الدستور وضمن الأطر الدستورية المسموح بها لذلك فإنه يحتاج إلى أغلبية برلمانية كي ينجر مشروعه ويمرر أفكاره ولكن في كل الأحوال فإنه يقر بأنه منخرط في إطار الحراك المسموح به .. إنه يؤكد على أن ما يقترحه لا يمكن أن يكون خارج المؤسسات الرسمية .