في هذه الورقة سوف لن نناقش نتائج الانتخابات و ما أفرزه الصندوق سواء بالرئاسية أو التشريعية التي على الجميع قبولها شعبا و أحزابا و منظمات ومجتمعا مدنيا و إعلاما سواء بالداخل أو الخارج فتلك إرادة النّاخب و اختياراته و ذلك حتّى لا ندخل في نفق التشكيك و التشكيك المضاد لنجد أنفسنا في فوضى نحن في غنى عنها، لكن و انسجاما مع إرادة الشعب ألا يحق لنا أن نتساءل و بكل براءة و بعيدا عن الفخاخ ، هل النتائج الانتخابية هي بالفعل حصيلة الإرادة الشعبية لوحدها و اختيارات الناخب النابعة فقط من إرادته؟ أم أنّ هناك عناصر أخرى دخلت على الخطّ و أثّرت على اختيار الشعب لسطاته للمدّة النيابية القادمة؟ و إلاّ بماذا نفسر كل هذا الصخب و الصياح الذي رافق الإعلان عن النتائج؟ وحتّى لا نكون كمن يرجم الغيب علينا أن نقف عند بعض الملاحظات التّي شابت هذه العملية الانتخابية سواء منها الصادرة عن الهيئة العليا و المستقلة للانتخابات و التّي قررت على اثرها الالغاء الجزئي أو الكلي لبعض النتائج التي أفرزها الصندوق ( بدائرة فرنسا 2 و دائرة بن عروس ) أو تلك الصادرة عن بعض المنظمات أو الهيئات الأخرى على غرار " أنا يقظ " و " مرصد شاهد" أو عبر المنظمة الشغيلة أو ما رشح من بعض المراقبين أو ممثلي بعض الأحزاب الذين سيعمدون إلى الطعن في بعض نتائج الصندوق إن توفر لديها من الاثباتات للتصرفات المشينة و الانزلاقات الجسيمة و التي قد تخلط بعض الأوراق من جديد حيث نظمت جل هذه المنظمات و الهيئات المشار إليها نقاط اعلامية و ندوات صحفية لتسليط الضوء على بعض الخروقات التي شابت العملية الانتخابية بمستويات مختلفة. ومن هذا المنطلق ودون تعميم نفهم و أنّ الانتخابات ليست نزيهة مائة بالمائة و هو ما يتقاطع مع بعض الأصوات القادمة من هنا و هنالك عبر القنوات الاعلامية أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي الأخرى التي ذهبت إلى حدّ وصف بعض الانزلاقات في التصويت بالجرائم الانتخابية التي يعاقب عليها القانون لأنّ الخوف هنا أن يكون ما خفي أعظم خاصة إذا ما علمنا و أن البعض يشكك حتى في الأرقام و النسب التي صدرت عن الهيئة العليا و المستقلة للانتخابات خاصة في جهة دائرة القيروان و ما الفيديو الذي نشر في الغرض إلاّ دليل على فداحة مثل هذه الانزلاقات الخطيرة. فضلا عن اجماع الكثير حول توزيع الأموال على الناخبين من أجل استمالتهم لحزب ما و التصويت لفائدته أو تلك المتعلقة بطرد بعض المراقبين و منعهم من الحصول على الأرقام و المعلومات من بعض مكاتب الاقتراع أو عدم تمكينهم من النفاذ إلى المعلومة؟ وبالتالي يتضح جليّا و أنّ العملية الانتخابية ليست نزيهة كما يروّج لها بل شابها الكثير من الشوائب التي قد ترقى إلى الجريمة الانتخابية و التي من أثارها التأثير على النتائج النهائية ؟ و من هنا نعتقد جازمين و أنّ مثل هذا الانحراف بعملية التصويت يستشف منها : 1/ أنّ بعض الأحزاب لا تؤمن أصلا بالانتخاب كآلية للوصول إلى سدّة الحكم و لكن تتظاهر بذلك حتى لا ترمى بالنيران الصديقة شعارها في ذلك " الغاية تبرر الوسيلة" و بالتالي هذه الجهات تتبنى ازدواجية الموقف أي أنّ الظاهر شيء و الباطن شيء آخر تماما. 2/ الخطير في كل هذه الانزلاقات في العملية الانتخابية في هذا الزمن الحساس الذي تمر به البلاد هو عدم وعي الهيئة العليا و المستقلة للانتخابات بجسامة ما يحدث سلبا في العملية الانتخابية و ما نخشاه أكثر و أنّها حين شعرت بفداحة ذلك برهنت عن وعيها بإلغائها لبعض النتائج و الحال و إن ثبتت الانزلاقات الأخرى خاصة المتعلقة سواء لتوزيع المال أو عدم توافق الأرقام أو أيضا وصول بعض الصناديق إلى مراكز التجميع مفتوحة فالمصيبة أعظم؟ 3/ كلّ ما شاب العملية الانتخابية من نقاط سوداء تثبت مما لا يدعو للشك و أن الفاسدين مازالوا يصولون و يجولون بيننا و لا يؤمنون لا بالديمقراطية و لا بالانتخاب كآلية على الجميع احترامها بل كلّما وجدوا الفرصة سانحة إلاّ و بثوا سمومهم و نشروا الفوضى و برهنوا على عدم اكتراثهم بأنّ الوطن يعيش مرحلة جديدة لترسيخ العمل السياسي على قواعد قانونية يتقدمها دستور البلاد و القانون الانتخابي بالرغم الشوائب التي يتضمنها هذا الأخير. لنتختم هذه الورقة بالقول و أنّ وصف الانتخابات بالنزيهة مازال بعيدا عن الواقع و بالتالي نتريث في استعمال هذا الوصف حتّى يصل المجتمع التونسي درجة من الوعي و النضج السياسي و هذا لن يتأتى في عشية و ضحاها بل يتطلب الكثير من الدربة أوّلا و الايمان بالتداول السلمي على السلطة عبر الانتخابات ثانيا و الابتعاد عن ازدواجية المعايير و في المحصلة الحديث أيضا عن إرادة الناخب و حريته في اختيار ممثليه في سدّة الحكم يتطلب اعداد مناخا من الديمقراطية الفعلية و المنافسة الشريفة و تكافئ الفرص و عندها يمكن أن نصف الانتخابات بالنزيهة أو بعلجية أو بفاطمة أو بالخنساء أو بغيرها من الأسماء و الأوصاف...