يعتبر هذا اليوم يوما مفصليا في حياة تونس الجديدة، يوم ألقى الرئيس الجديد، و السابع من حيث العدد، الأستاذ قيس سعيد خطابه في رحاب مجلس نواب الشعب ( اليوم 23 أكتوبر 2019 ) بعد أدائه اليمين الدستورية و توجهه للشعب و للعالم بأسره بالعديد من الرسائل الهامة و الصريحة و الشجاعة معتمدا في كل خطابه على شحن معنويات التونسي التّي عرفت الكثير من الانهيارات حتّى لا نقول انسداد الأفق أمامه بعد مرور ما يزيد عن 8 سنوات من الإحباط و وصف هذا الشعب بالعظيم و القادر على التغيير و لن يستثني خطابه أي فرد من أبناء تونس الجديدة من الأبناء الرضع إلى رجالات تونس و أحرارها و حرائرها. و بالتالي جاء خطاب الرئيس اليوم يحمل العديد من الرسائل للداخل و الخارج. رسائل للداخل : داخليا، و حتّى لا نعيد كلّ هذه الرسائل نقول و أنّ ما أتى في خطابه يطمئن كل أفراد الشعب التونسي. .حيث عبّر على تطلعه لإرجاع ثقة الحاكم بالمحكوم و طمأنة الشعب على الحفاظ على مبادئ الثورة في الحرية و الكرامة و الشغل و علوية القانون و الحفاظ على كل المكتسبات و لعل في مقدمتها مكتسبات التي تحصلت عليها المرأة داعيا لحياد كل المرافق العمومية و مكافحة الفساد ( لا مجال للمساس بأي مليم واحد من عرق الشعب التونسي ) و أيضا مكافحة الارهاب ( كلّ رصاصة يطلقها ارهابي ستجابه بوابل من الرصاص ) مطمئنا أيضا الرّأي العام من امكانية تغيير وجهة الدولة و صبغتها المدنية ( لا مساس بالدولة ) معلنا على حرصه ليكون رئيسا لكلّ التونسيين و بدون استثناء و تجميعهم مهما اختلفت مشاربهم و ألوانهم السياسية و لكن معبرا عن رفضه إلى كلّ من يراوده الحنين إلى الرجوع إلى الوراء و هي في الحقيقة رسالة مشفرة للداخل و الخارج أيضا لمن حاولوا إجهاض الثورة التونسية. رسائل للخارج : خارجيا، كان خطابه متزنا و لكن واضحا أيضا حيث أكّد على التزام تونس بتعهداتها الدولية و مؤكدا في نفس السياق أنّ ( أهم من المعاهدات المكتوبة هو التفاهم بين الدول و الشعوب ) و لكن على أساس مراعاة المصلحة الوطنية مسطّرا على أهمية امتداد تونس المغاربي و العربي و التزامه بالقضية الفلسطينية التي تبقى القضية أولى لتونس ( فلسطين ليست قطعة أرض مسجلة في السجلات العقارية ) و هذا لا يعني أنّنا ضد اليهود بل ضدّ الاحتلال و العنصرية و ما وجود كبير الأحبار اليهود بتونس و رئيس السقاففة بتونس بجانب مفتي الجمهورية التونسية إلاّ رسالة واضحة مفادها لا مشكل لتونس مع اختلاف الأديان. يا شعب تونس العظيم : ولكن أهمّ ما جاء في اعتقادي في خطاب رئيس الجمهورية اليوم هو الشحنة المعنوية التي أراد من خلالها التأكيد على أنّ شعب تونس هو شعب عظيم قادر على التغيير لو توفرت فيه المناخات المشجعة على تحقيق المعجزات و لعلّي أقول و أنّ ما ينقص هذا الشعب، رغم ما أصابه من احباط طيلة ال 8 سنوات الماضية، هو تلك الشحنة المعنوية لدفع المواطن أوّلا لاستعادة الثقة بنفسه و بعلاقته بالسلطة الحاكمة التي اهترأت كثيرا و سقطت ورقة التوت فبانت كل عوراتها من عقلية الغنيمة و السرقة المال العام و تفشي المحسوبية و الأكتاف و بالتالي تهميش المواطن البسيط الذي لا جاه و لا مال له و تركه وحيدا يعاني الأمرّين من غلاء المعيشة إلى تدهور مقدرته الشرائية مرورا بعدم قدرته حتى بالوفاء بالمستلزمات البسيطة و الضرورية لحياته اليومية أمام آفة الشجع و التهريب فضلا عن انتشار الجريمة و الارهاب.ويبدو من هذا المنطلق فهم الرئيس الجديد وضع هذا الشعب الذي تقطعت به السبل و لكن ايمانه بأن شعب تونس هو شعب صنع المعجزات لو توفرت الارادة و المناخات الطيبة و المشجعة على ذلك و لكلّ ذلك خاطب اليوم الرئيس الجديد الشعب "بالشعب العظيم" في أكثر من مرّة و موضع و هذا مربط الفرس أي قائد فهم ما ينتظر منه شعبه من دفع معنوي و وضعه على السكة الصحيحة و شعب متحفز للتغيير و لكنه في حاجة إلى شحنة معنوية كبيرة تجعله يسترد ثقته في نفسه و قدرته على التغيير. لنختم بالقول و أن اليوم اتضحت الرؤيا و ليس أمام الجميع من مسؤولين – مهما كانت درجات مسؤولياتهم –و مواطنين و ساسة إلاّ الابتعاد عن كلّ القذارات و التوجه نحو العمل بعيدا عن كلّ الأمراض التي عرفتها البلاد من أجل بناء تونس التي يحلم بها الجميع على أساس علوية القانون و مكافحة الفساد مهما كان مصدره و ترسيخ العدالة الاجتماعية و المساهمة في الأعباء. نتمنى فقط أن يتلقف الجميع هذه الرسائل " و اللي في يدو حجرة يلوحها " فهل تقرأ جيّدا هذه الرسائل التي لا غبار عليها و واضحة و غير قابلة للتأويل أم ستتكاتف قوى الشّر داخليا و خارجيا لإحباط كلّ بصيص أمل جديد ؟