كثيرة هي القصص التي تؤرخ لسيرة الرعيل الأول من المسلمين وصلاحهم في زمن الإسلام المبكر وعديدة هي حكايات التعفف والأمانة والصدق عند التابعين وتابعي التابعين وفقهاء الإسلام وعلمائه في زمن التأسيس الأول كما أنه لا يخلو كتاب من كتب التاريخ الإسلامي إلا وتجد فيه صورا رائعة ولمعا نادرة من حياة الجيل المؤسس للإسلام والتي تحولت عند الكثير من الناس إلى قدوات وأمثلة يحتذ بها غير أن كل هذا الاعجاب بسلفنا الصالح و بتعففهم عن الدنيا وملذاتها وتعففهم عن الجاه والسلطان وتعففهم عن طلب الحكم والسلطة قد أصبح في زماننا هذا من الماضي ومن الحكايات القديمة التي لا نجد لها شهودا في عصرنا الحاضر بل أصبحت من التاريخ الذي يصعب استعادته أو استعادة بعض صوره المشرقة حتى بات من القناعة عند الكثير من المسلمين أنه من المستحيل أن نجد اليوم مسؤولا أو حاكما أو قائدا يحذو حذو العظام و يذكرنا مثلا بالرسول صلى الله عليه وسلم الذي كانت الدنيا بكل ملذاتها في متناوله ولكنه قد فارق الحياة و لم يترك لأهله عند وفاته وهو من هو إلا بغلته البيضاء التي كان يركبها وسلاحه الذي كان يحارب به و أرضا جعلها صدقة لكل عابر سبيل أو نجد من يذكرنا بالفاروق عمر بن الخطاب الذي كان لا ينام قبل أن يطمئن على الرعية حتى لقب بالحاكم " العساس " لتعوده كل ليلة التجول في أنهج المدينة وأزقتها قبل أن ينام أو من يذكرنا بعمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس الذي ما إن انتصب للحكم وبايعه المسلمين حتى اتجه نحو زوجه فاطمة وطلب منها أن تسلم حليها وكل ما تملكه من ذهب الى بيت مال المسلمين ليعطي المثل في تطبيق الشفافية والرقابة على المال والتصريح بالمكاسب وخيرها بين أن تبقي على مصوغها وعندها عليها أن تذهب إلى دار أبيها وبين أن تبقى معه من دون هذه الثروة التي كانت تمتلكها فاختارت زوجها وسلمت كل مصوغها إلى خزينة الدولة بالرغم من أن الكثير منه قد جلبته معها من عند أهلها حتى يقدم المثل على أن الإصلاح يبدأ من الهرم ويبدأ من الحكام والمسؤولين. كل هذه النماذج النيرة من رموزنا الأوائل يتم استعادتها اليوم مع شخص الرئيس قيس سعيد الذي يمتلك شيئا من طينة أولائك العظماء الأوائل حيث روى الإعلامي والصحفي بقناة الجزيرة محمد البقالي أنه كان في بداية الثورة وخلال فترة المجلس التأسيسي الذي تشكل لصياغة الدستور التونسي الجديد وقيادة البلاد بعد الفراغ الذي حصل برحيل النظام القديم الصراع والنقاش على أشده حول المسائل الدستورية وكان الجدل القانوني مشتعلا وكان كثيرا ما يستعين بالأستاذ قيس سعيد لتوضيح الكثير من المسائل ذات العلاقة بالدستور والقانون الدستوري وكان سعيد في كل مرة يطلب منه رأيه إلا ويستجيب بكل تلقائية ودون تردد من دون أن يطلب مقابلا ماديا لذلك وكانت الأمور تسير على هذه الشاكلة حتى استفسر المشرفون على قناة الجزيرة من مدى حصول قيس سعيد على مستحقاته المالية في مقابل الحوارات التي أجريت معه فتم إعلامهم بأن الرجل لم يتسلم ولو مليما واحدا عندها طلبوا من المكلف بمكتب الجزيرة بتونس أن يسلم للرجل اتعابه فتم الاتصال بقيس سعيد وإعلامه بأن القناة قد أحصت له كل المرات التي تدخل فيها معها وإنها تقدم لك شيكا قيمته 5 آلاف دينار فرفض رفضا قطعا تسلمه عندها قام الصحفي بإعلامه بأن القناة تعودت أن تدفع للمحللين والخبراء وكل شخص تدعوه لبرامجها مبلغا من المال مقابل الجهد الذي بذله وهذا عادي و يدخل ضمن طبيعتها كقناة محترفة شأنها شأن بقية القنوات المحترفة وبعد أخذ ورد وإلحاح قبل قيس سعيد عن مضض تسلم الشيك ومن الغد طرق باب مكتب الجزيرة طارق ولما فتح الباب كان الطارق قيس سعيد وتقدم من المسؤول عن المكتب وقال له إني لم أنم البارحة حتى طلع النهار وهذا شيككم ومالكم أرده إليكم وافعلوا به ما تشاؤون أما أنا فلن آخذه. .