الشمال الغربي، بولاياته الأربعة جندوبة و باجة و الكافوسليانة و الذي يعدّ اجمالا 1183 ألف ساكن و الذي توجد فيه 14 سدا بطاقة استيعاب جملية تقدّر ب 1582 مليون م3، تجعل منه خزانا هامّا للمياه حيث تحوّل قسطا هاما من هذه المياه إلى العديد من المناطق داخل الجمهورية تصل إلى عاصمة الجنوب صفاقس مرورا بولاية نابل التي تستأثر بكميات هامّة من هذه المياه المحولة عبر قنوات كبيرة الحجم تمرّ عبر بنزرت. ولكن في المقابل نجد منطقة الشمال الغربي تعيش أزمة في الماء سواء المعد للرّي أو الصالح لماء الشرب حيث لا تتجاوز نسبة التزود بالماء الصالح للشرب لهذه المنطقة ال 84 بالمئة و التي تعدّ ضعيفة مقارنة مع النسبة على المستوى الوطني التي تصل إلى 94 بالمئة فضلا عن التهميش التي تعيشها منطقة الشمال الغربي. على أكثر من مستوى اجتماعي و اقتصادي. هذا الوضع المتناقض إضافة إلى مخرجات اللقاء الاقليمي المنعقد في مدية باجة يوم 16 نوفمبر 2019 حول الدراسة الاستشرافية لقطاع المياه في أفق 2050 و خاصة التوصية المتعلقة بتحويل "فائض مياه الشمال" إلى جهات داخل الجمهورية، كان موضوع الندوة الصحفية التي نظمتها الجمعية الوطنية للغابات و المياه المنعقدة بمدية جندوبة يوم 12 ديسمبر 2019 والتي واكبتها العديد من القنوات التلفزية و الإذاعية و الصحف بمختلف محاملها الوطنية منها والعربية و من بينها "الصريح أون لاين» وإذاعة " أوكسيجان" فضلا عن عديد من الجمعيات الناشطة في المجال الفلاحي عموما و منها الجمعية الوطنية لقدماء إطارات وزارة الفلاحة الذي قدمّ رئيسها السيد خليفة الهمامي بسطة شاملة عن مشاكل المياه عموما ببلادنا هذه الندوة الصحفية الذي تمّ خلالها السيد جمال العبيدي، مهندس عام، تقديم مداخلة هامة بعنوان " الاستغلال الأنجع للموارد المائية بالشمال الغربي" و التي قدمت معطيات هامة حول الموارد المائية ببلادنا و وضعية مياه الشمال الغربي على وجه الخصوص حيث بيّن و أنّ المعدل السنوي للمحاصيل المطرية على المستوي الوطني تصل إلى 36 مليار م3 بمعدل أقصى وصل سنة 1969 إلى 90 مليار م3 و بمعدل أدنى ب 11 مليار م3 سنة 1994 مضيفا و أنّ عدد فترات الجفاف بين 1900 و 2015 هي في حدود 23 جفافا و عدد فترات الفيضان لنفس الفترة في حدود 17 فيضانا موضحا و أن 55 بالمئة من جملة 36 مليار م3 من المحاصيل المطرية على المستوى الوطني تضيع عبر التبخر و السيلان نحو المناطق الرطبة و البحر ليختم مداخلته باقتراح بعض الحلول نورد منها، القيام بحملات تحسيسية حول ندرة المياه و الاشكاليات و الحلول المقترحة لفائدة المجتمع المدني و القيام بإصلاحات عميقة للتصرف الأنجع في الموارد المائية و ايجاد أطر تشاور و تحاور على المستويات المحلية و الجهوية والوطنية و الاقليمية و الاسراع ببعث قطب تكنولوجي بمنطقة الشمال الغربي للمساهمة الفعلية في تنمية الجهة. مداخلات مختلفة لوسائل الإعلام و المختصين: الحيز الكبير من هذه الندوة الصحفية أثار خلالها ممثلو وسائل الاعلام أو المختصون و الناشطون في المجتمع المدني العديد من الاشكاليات للوضع الذي يعيشه اقليم الشمال الغربي حول معضلة المياه و التي تمحورت بالأساس حول الاستراتيجيات الخاطئة التي تمّ تبنيها من قبل الدولة للتصرف في مياه الشمال فضلا عن القطع مع لعب دور الضحية في موضوع مياه الشمال و العمل على اقتراح الوسائل الكفيلة لتنمية الجهة و قد تساءل أحد المتدخلين عن دوافع الاصرار لتحويل مياه الشمال و الحال و أنّ بعض الجهات من الشمال الغربي معطشة سليانة مثالا مع التأكيد على الانتباه إلى حسن التصرف في هذه الثورة المائية حتى لا يتواصل اهدارها و اعتماد مقياس التنمية في استعمال هذه المياه مع ملاحظة أخرى مفادها كيف يتم تحويل مياه الشمال الغربي والكاف يتم يعيش على وقع توزيع المياه لفترة ساعتين في اليوم كما تمت الدعوة أيضا إلى الاسراع إلى صيانة شبكات مياه الري التي تتسبب في هدر كميات هامة من هذه المياه .مع تحميل الدولة مسؤولية ذلك في غياب صيانة الشبكات و قلّة التجهيزات المائية كما بيّن أحد المتدخلين و أنّ السلط لا ترى في منطقة الشمال الغربي إلاّ منطقة عبور و خزان مياه بعيدا عن التفكير في تنميتها مع توصية للقطع نهائيا مع التصرف التطوعي عبر المجامع المائية في مياه الشرب باعتبار ضعف أداء هذه المجامع و تأثيراتها السلبية في تزويد المناطق بمياه الشرب.. ما يمكن استخلاصه عموما من هذه الندوة الصحفية حول الاستغلال الأنجع لمياه الشمال الغربي هو موجه الاستياء التي عمّت كل المداخلات حول الاستعمالات الخاطئة لمياه الشمال عامة و مياه الشمال الغربي بالخصوص خاصة مع مخرجات اللقاء الاقليمي المنعقد بباجة حول تحويل فائض مياه الشمال ممّا دفع ممثلو المجتمع المدني و الجمعيات إلى اصدار لائحة استياء و تذمر سيتم إرسالها إلى الرئاسات الثلاث ( رئيس الجمهورية و رئيس مجلس نواب الشعب و رئيس الحكومة ) نورد منها ما يلي " نرفع إلى عنايتكم استياءنا كمجتمع مدني لعدم تشريكنا وفق الدستور التونسي في اعداد مشروع الدراسة المشار إليها رغم تقدمنا بطلب كتابي في الغرض و تمسكنا بمراجعة علمية لمفهوم " فائض مياه الشمال "و الاقرار بحق كل التونسيين في الماء الصالح للشرب بما في ذلك العديد من مناطق الشمال الغربي وثقتنا في حرصكم الدؤوب على احترام صوت المجتمع المدني و الحوكمة المحلية و ذلك في اطار منوال تنموي يراعي خصوصيات الجهات و مدى انتفاعها من ثرواتها الطبيعية السانحة بتحسين أو أوضاعها الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية ..." ولكن السؤال الذي نطرحه في ختام هذه التغطية لهذا الموضوع الحيوي و الهام و المتعلق بالتصرف الأنجع في مياه الشمال الغربي مفاده هل فعلا يوجد فائض مائي ليتم تحويله من منطقة الشمال الغربي إلى جهات أخرى داخل الجمهورية؟