الجميع على علم بأن حركة النهضة الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة لا يمكن له أن يشكل حكومة بمفرده والكل على يقين بأن التركيبة الحالية لمجلس نواب الشعب بالأصوات التي تحصل عليها كل حزب لا تسمح بتشكيل حكومة بأغلبية مريحة وبسند سياسي قوي و ذلك لتنوع العائلات السياسية والاختلاف الحاصل بينها حول وجهات النظر والرؤية المستقبلية للبلاد وكذلك الخلاف الذي يشمل أمهات الملفات والقضايا الحارقة التي تشكل اليوم عامل فرقة وانقسام. لكل هذه الاعتبارات فإن حركة النهضة على وعي تام بأنه يصعب عليها أن تشكل بمفردها الحكومة في ظل هذا المشهد الحزبي الفسيفسائي داخل البرلمان وأن النجاح في تشكيل حكومة قوية وبكل سهولة يحتاج إلى حزام سياسي كبير ويحتاج إلى جلب بعض الأحزاب الوازنة والمؤثرة إلى دائرة الحكم فكان التعويل على الأحزاب المصنفة في خانة الثورة والأطراف المحسوبة على المنظومة التي تساند خيار استئناف أهداف الثورة والقطع مع الماضي وكل ما يمت بصلة إلى الاستبداد غير أن الذي حصل بعد المد والجزر وبعد المشاورات العسيرة التي رأينا فيها كل شيء وقدمت خلالها كل الشروط وقالت النهضة أنها قبلت بها وصرح كذلك الحبيب الجملي رئيس الحكومة المكلف بأنه هو الآخر قد وافق عليها تحصل المفاجأة غير المرتقبة بعد توصل الجميع إلى اتفاق مبدئي حيث أعلن كل من التيار الديمقراطي وحركة الشعب عن فرضهما الانضمام الى حكومة الجملي بعد أن عرضا مسألة الانضمام إلى الحكومة على الهياكل الداخلية التي رفضت المشاركة . هذا التطور الذي حصل في الساعات الأخيرة من الأسبوع المنقضي والذي وصف بالانتكاسة وبخيبة الأمل في تشكيل حكومة بنفس ثوري ما يجعلها تعمل في جو مريح مع مؤسسة الرئاسة التي تناسبها حكومة بهذه التركيبة أفضل من حكومة تتشكل على قاعدة التحالف مع قلب تونس وأحزاب أخرى تنتمي الى المنظومة القديمة ، هذا التطور فرض على الجملي الخروج مساء يوم الاثنين 23 ديسمبر الجاري في ندوة صحفية وأن يعلن أنه بعد أن صرح التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس انسحابهم من تشكيل الحكومة قد قرر تكوين حكومة من كفاءات وطنية وشخصيات مستقلة وغير متحزبة وأنه سوف يعلن عنها في الأيام المقبلة وبأنه سوف يختار لها شخصيات وطنية بقدر كبير من النزاهة ومعيارها أن لا يكون الوزير المقترح قد تعلقت به قضايا عدلية لا غير أما الشبهات فإنه لا يعول عليها في رفض الإسم المقترح هذا إضافة إلى التأكد من كون الشخصية المقترحة غير متحزبة بمعنى أن لا تكون منخرطة رسميا في حزب من الأحزاب وهذا يعني أن التشكيلة التي سوف يقترحها الجملي على قيس سعيد سوف تضم شخصيات وأفراد غير مشمولين بقضايا فساد وغير منخرطين فعليا في الأحزاب السياسية. والسؤال المطروح اليوم هو هل أن هذا الخيار الذي اضطر إليه الجملي هو أحد السيناريوهات التي وضعتها حركة النهضة أم أنه الدرس الذي تعلمه كل من التيار والشعب من قصة العصفورة مع الثعلب ذلك أنه يحكى أن عصفورة وضعت بيضها الذي كانت به فرحة في عشها فوق الشجرة وفجأة مر من المكان ثعلب وسمع صوت العصفورة وهي تنشد فرحا ببيضها فهدد العصفورة بأنه سوف يصعد إلى الشجرة ويأكلها إن هي لم تناوله بعضا من بيضها فما كان من العصفورة إلا أن جنحت إلى الحيلة للتخلص من هذا العبء الثقيل والخطر الداهم فأمرته بأن يعود في الغد وسوف تمنحه ما يريد وكان العمل كذلك وعاد الثعلب في الموعد فوجد العصفورة في انتظاره وقد أعدت له كوما من الحجارة الصغيرة التي تشبه البيض الأبيض وطلبت منه أن يفتح فمه لتقذف له البيض بداخله وكان العمل كذلك واستجاب الثعلب وفتح فمه وأخذت العصفورة تلقي بالحجارة البيضاء داخل فمه حتى ابتلع الثعلب الحجارة التي ظنها بيضا شهيا وفجأة بدأ يتلوى وتكثر الاوجاع في بطنه حتى هلك. هذا فعلا ما تفاداه التيار الديمقراطي وحركة الشعب وهذا فعلا الدرس الذي استخلصاه لو أنهما انضما إلى التشكيل الحكومي في هذا الظرف بالذات وتأكدا من أنهما سوف يحترقان وتتآكل شعبيتهما ويخسران الرهان في قادم الانتخابات ويفقدان الكثير من خزانهما الشعبي لو قبلا العرض المقدم لهما . فرغم أنهما رفعا من سقف المطالب والشروط كما فعل الثعلب مع العصفورة حتى لا يقتلها ويبقي على حياتها وكذلك فعلا التيار والشعب حتى يشتركا في الحكومة ورغم أن حكومة الجملي وحركة النهضة قد قبلا بكل ما طلباه بنسبة كبيرة حسب ما قال جوهر بن مبارك أحد الحاضرين على الاتفاق المكتوب الذي أمضي عليه الجميع إلا أن التيار الديمقراطي وحركة الشعب تجنبا نفس نهاية الثعلب مع العصفورة حينما إلتهم الحجارة على أنها بيض شهي وهكذا فرض جماعة عبو الوزارات المقترحة عليهم و التي طالبوا بها حتى يمكن للتيار مقاومة الفساد وهما وزارتي العدل والإصلاح الإداري وإلحاق جهاز الشرطة العدلية بوزارة الداخلية ويبدو أنه قد تحصل على وزارة ثالثة في الساعات الأخيرة من المفاوضات وكذلك الأمر بالنسبة لحركة الشعب التي حسب تصريح زهير الغزاوي قد قدم لهم عرضا جديا وكما قال جوهر بن مبارك فقد تمت الاستجابة إلى مطالب الحركة في كل ما يتعلق بهوية الحكومة المقبلة وملامح البرنامج الحكومي ولكن رغم كل ذلك فقد استحضر هذان الحزبان ما آلت إليه نهاية الثعلب مع العصفورة حينما تصورا أن الحجارة بيضا شهيا ورفضا الانضمام من منطلق مصلحي وحزبي ومن منطلق التفكير في مستقبل الحزب قبل التفكير في مصلحة البلاد ومن منطلق أن المرحلة صعبة و بها تحديات اقتصادية واجتماعية ومالية يصعب حلها في المنظور القريب وأن دخولهما الحكومة في هذا التوقيت رغم الاستجابة إلى شروطهما هو بمثابة الحجارة البيضاء التي تشبه البيض الشهي في بطن الثعلب الجائع.