من القضايا التي مثلت في الآونة الأخيرة موضوع خلاف حاد قسم المجتمع التونسي بين مؤيد ورافض ومن المواضيع التي هي اليوم محل جدل كبير في الوسط التربوي ولدى العائلات ما أقدمت عليه وزارة التربية مؤخرا من إدراج لمادة التربية الجنسية في المناهج التربوية التونسية للأطفال الذين هم في سنوات التحضيري و الذين تبلغ أعمارهم خمس سنوات والتلاميذ الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة وذلك من خلال إضافة أنشطة التربية الجنسية إلى ثلاث مواد وهي العربية والتربية المدنية وعلوم الحياة والأرض وقد جاء في التوضيح الذي قدمه وزير التربية حاتم بن سالم لتبرير هذه الخطوة التي أقدمت عليها المدرسة التونسية بأن تدريس مادة التربية الجنسية يأتي في إطار خطة تربوية شاملة لوقاية الأطفال وحمايتهم وتسليحهم ضد المخاطر التي تحيط بهم لجهلهم بهذه المسائل خاصة بعد أن ارتفعت حالات الاعتداء التي يتعرض لها التلاميذ داخل الفضاء المدرسي من انتشار لحالات التحرش الجنسي مما أدى إلى رفع أكثر من 100 قضية خلال سنة 2019 وعزل 23 شخصا يعملون في المحيط المدرسي من أساتذة وقيمين وعمال نظافة بسبب تورطهم في أفعال تحرش جنسي وطرد 21 شخصا في قضايا تحرش بالمؤسسات التربوية و قد جاء على لسان المديرة التنفيذية للجمعية التونسية للصحة الانجابية " أرزاق خنتيش " أن هذا القرار هو مبادرة من الجمعية وصندوق الأممالمتحدة للسكن والمعهد العربي لحقوق الانسان. هذا هو الإطار العام الذي تتنزل فيه خطة وزارة التربية لتدريس مادة التربية الجنسية للتلاميذ منذ سن الخامسة وحتى سن 15 سنة ويبدو أن الهاجس الأول الذي كان وراء هذا البرنامج هو الحد من توسع ظاهرة التحرش الجنسي في الفضاء المدرسي ومحاصرة ظاهرة الاعتداءات الجنسية التي تفاقمت ضد التلاميذ من قبل الإطار التربوي وتوفير مادة تثقيفية من شأنها تحصين الأطفال من كل هذه الاعتداءات الجنسية التي باتت تهدد الناشئة في سلامتهم وأمنهم وأجسادهم . في الحقيقة فإنه بقطع النظر عن الدوافع الفعلية التي أدت إلى اتخاذ مثل هذا القرار التربوي وبقطع النظر عمن كان وراء فرض تدريس المادة الجنسية في مدارسنا في السنوات المبكرة من التعليم والدور الذي لعبه صندوق الأممالمتحدة للسكان بفرضه هذا الخيار التربوي وفي انتظار أن نطلع على مضمون هذه الخطة التربوية الجديدة فإنه يمكن من خلال التصريحات التي أدلى بها أعضاء الهيئات القائمة على هذا البرنامج أن نقف على فكرة محورية وردت على لسانهم جميعا وهي أن تدريس المادة الجنسية في المدارس التونسية هدفها الأول والأساسي هو تعزيز التثقيف الجنسي الشامل للشباب والمراهقين بشكل يحقق الرخاء للفرد والوسيلة لممارسة حقه في صحة أفضل وحياة صحية سليمة كما جاء على لسان " ريم فيالة " ممثلة الأممالمتحدة للسكان في تونس وكذلك اعتبار أن التثقيف الجنسي يكرس الحرية والكرامة للجسم البشري كما قال " عبد الباسط بلحسن " مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان وأخيرا اعتبار تدريس الجنس في المدارس ينضوي ضمن مقاربة تعترف وتنظر إلى جميع الناس ككائنات جنسية كما جاء على لسان عالم الاجتماع " سنيم بن عبد الله " ويتضح من خلال هذه الشواهد أن الحل الذي ارتأته وزارة التربية للحد من ظاهرة التحرش الجنسي الذي يتعرض له التلاميذ وأن المقاربة التي توختها لمقاومة توسع رقعة الاعتداءات الجنسية المختلفة داخل الفضاء المدرسي هي ادخال تدريس المادة الجنسية في مواد محددة و الاعتماد على التثقيف الجنسي في سن مبكرة وهنا يطرح السؤال هل لمواجهة مختلف أفعال التحرش والاعتداءات الجنسية داخل الفضاء المدرسي نحتاج إلى مقاربة اجتماعية أم إلى مقاربة جنسية ؟ بمعنى هل للحد من كل مظاهر الانتهاكات الجنسية التي تحدث بالمدرسة ويكون ضحيتها التلميذ نحتاج إلى تربية اجتماعية تهدف إلى تكوين الطفل كيف يصبح مواطنا يحترم غيره وكيف يحترم المختلف عنه جنسيا بما يمنع عنه القيام بأي اعتداء تجاه غيره مهما كان نوع جنسه وكيف يعامل غيره من منطلق الحق والواجب ؟ وكيف يمنع عليه الاقتراب من جسد الآخر من منطلق الخصوصية والحرية الذاتية التي يمتلكها كل فرد ؟ أم نحتاج الى تربية جنسية تقدم مادة تثقيفية تركز بالكلية على المسائل الجنسية وفق مقاربة جندرية تعتبر أن الذكورة والأنوثة تفرضهما الثقافة والمجتمع والعادات والأعراف وأن الأعضاء التناسلية ليست دليلا حتميا و قدريا على تحديد الذكورة والأنوثة بل أنه وفق مقاربة النوع الاجتماعي التي ترتكز عليها خطة الوزارة فإن كل شخص هو حر في جسده وحر في تحديد توجهاته الجنسية بكامل حريته فوفق هذه الرؤية فإنه ليس من حق أي فرد أن يعتدي على جسد فرد آخر وبالتالي ليس من حقه أي فرد أن يتحرش أو يعتدي جنسيا على غيره .. إننا نعتقد أننا ازاء مقاربتين مختلفتين الأولى تخير التعويل على التثقيف الاجتماعي الحقوقي الذي يركز على الثقافة المواطنية لمحاصرة ظاهرة التحرش الجنسي في الفضاء المدرسي من زاوية اجتماعية تربي الفرد على احترام غيره والامتناع عن ايذائه من منطلق الحقوق الأساسية والحريات الجوهرية التي يمتلكها ومقاربة ثانية تركز على البعد الجنسي وتعول على التثقيف الجنسي باعتماد المقاربة الجندرية التي تلغي الفوارق الجنسية بين الأفراد وتفرض احترم الجسد الذي يلعب فيه المجتمع دورا كبيرا في تحديد نوع الذكورة والأنوثة . فهل نحتاح حوارا هادئا لاختيار أي المقاربتين أجدى لمحاصرة تنامي ظاهرة التحرش الجنسي في مدارسنا أولا والمجتمع ثانيا ؟