أحيت تونس يوم أمس الثّلاثاء 14 جانفي 2020 الذّكرى التّاسعة لثورة "الحرّية والكرامة"... لكن على غير ما جرت عليه العادة في السّنين الماضية كانت مظاهر الاحتفال بذكرى الثّورة محتشمة ولم نسجّل مشاركة مكثّفة للتّونسيّين في الاحتفالات التي انتظمت بالمناسبة – والتي اقتصرت على فضاء شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ولم تشمل بقية مناطق البلاد. في الواقع كنّا جميعا نعلّق عليها آمالا عريضة على الثّورة لتجاوز المشاكل العديدة والمختلفة التي أثّرت سلبيّا على الحياة اليومية للتّونسي في العهد السّابق وأدّت إلى التّهميش والبطالة والفقر وغيرها من المشاكل. الآن وبعد مرور 9 سنوات كاملة عن حدوث ثورة "الحرّية والكرامة" وجدنا أنفسنا في وضعية لا نحسد عليها وفقدت تونس الكثير من إشعاعها الدّولي وأصبحت تتخبّط في أزمات مالية واقتصادية واجتماعية حادّة. كما غرقت البلاد في ديون لم تعد قادرة على تسديدها – الشّيء الذي ينبئ بمستقبل حالك للأجيال الصّاعدة والأجيال القادمة إن تواصلت اللّامبالاة والارتجال اللّذين تعامل بهما الماسكون بزمام السّلطة المتداولون على الحكم مع الأوضاع منذ فرار المخلوع زين العابدين بن علي. الشّيء الذي لم يعد يخفى على القاصي والدّاني هو أنّ الثّورة التي حدثت في تونس منذ تسع سنوات لم تحقّق أحلام جلّ التّونسيّين الذين يعانون من الفقر والخصاصة والحرمان والذين تزداد مشاكلهم حدّة يوما بعد يوم دون أن تكون هناك بوادر انفراج أو مؤشّرات تبعث على التّفاؤل... كما لم يجن الشّباب العاطل عن العمل سوى المزيد من التّهميش وانسداد الأفق بسبب زيادة انتشار البطالة وغياب التّنمية في مختلف الجهات. ثورة تونس صنعها الشّرفاء ودفع ثمنها الشّهداء. ولا شكّ أنّ جلّ صنّاع الثّورة سواء منهم السّياسيّين أو النّقابيّين أو المواطنين العاديّين من مختلف الشّرائح والأعمار يتحسّرون على ضياع حلمهم الأكبر في أن تصبح تونس بلدا يحلو فيه العيش للجميع ويستغلّ ثرواته لتوفير حياة كريمة لأبنائه في مختلف الجهات... ولا شكّ أنّ السّياسيّين الذين تداولوا على السّلطة منذ سنة 2011 يتحمّلون مسؤولية هذا الفشل الذّريع وضياع "الحلم التّونسي" الذي تحوّل إلى كابوس مزعج أثّر حتّى على مزاج التّونسيّين في حياتهم اليومية. في الختام – ورغم ضياع الحلم – لا بدّ من التّرحّم على أرواح شهداء الثّورة وأرواح الشّرفاء الذين ساهموا مساهمة فعّالة في حدوثها والذين غيّبهم الموت أو طالتهم يد الغدر في وقت كانت فيه البلاد في حاجة ماسّة لخدماتهم ولفكرهم النيّر وحبّهم للشّعب. عاشت تونس!