قبل كلّ شيء ليعلم الجميع أنّ ليس لي مع الفخفاخ أي علاقة ثمّ إنّي لم أره إطلاقا ماعدا عند ظهوره في التلفزة وأنّ مقالي السابق وهذا المقال(أنظر مقالي في الصريح أولاين) يتنزّلان في حيرتي وحيرة كلّ التونسييّن على مستقبل هذه البلاد وأبنائنا وأحفادنا إذ مسلسل الرداءة ما زال متواصلا وهو يتمحور خاصة حول اختيار من سيُكوّن الحكومة ؟ فبعد فشل النهضة في اختيارها للجملي الذي في الأخير لم يحض حتّى بثقتها توسّم الناس خيرا بانتهاء هذه الأزمة وذلك برجوع الأمر لرئيس الدولة لكن السيّد الرئيس بحركة بهلوانيّة(أقصد سحريّة) ترك كلّ المقترحات الجادة التي أتته "كتابة" من أحزاب الأغلبيّة البرلمانيّة وأخرج من تحت "ريشته" مرشّحا لا صلة له بالبرلمان رغم أنّ وثيقة التكليف تنصّ على أنّ البرلمان هو الذي سيصوّت على هذه الحكومة التي هي ليست حكومة الرئيس. لكن المكلّف- وبمنطق"العزرى أقوى من سيدو " أو عملا بقاعدة:" قالولو تَعْرفشي العِلْم قال نَزِيد فيه"- أبى إلّا أن يكون تحت جناح الرئيس فخالف نصّ التكليف و خرج على الجميع بما يوحى أنّ هذا المكلّف سوف لن يكون رئيس حكومة بل هو يظهر من الآن وقبل نيل الثقة في ثوب "وزير أوّل" إلى أن طلع علينا في يوم جمعة مبارك "ليقول أشياء لا يمكن لمتابع بسيط للأحداث أن يصدّقها مثل أنّ حكومته سيكون حزامها البرلمان ممثّلا في ثلتي البرلمان بينما كانت الكتل الوازنة في البرلمان إمّا متردّدة ولها شروطها مثل النهضة أو مقصيّة لأسباب واهيّة مثل قلب تونس والبقيّة تقول أنّها لا ترى مانعا في الانضمام لحكومة الفخفاخ لكن ما زالت تترقّب تعديل الوثيقة والبرنامج والتشكيلة الحكوميّة أي" بالفلاقي" الفخفاخ له يد فارغة وأخرى لا شيء فيها. لكن لنتجاوز هذه العقبة إذْ الله كريم ويمكن أن يُصْبِحها في شأن ويُمْسِيها في شأن ويدور دولاب الفخفاخ و يحصل على مراده وهو أن تمرّ حكومته ولو "بعشرة الحاكم" التي هي 109 مقاعد ليصير رئيس حكومة فعلا ولا يهمّ بعد ذلك ما هو قادر على فعله من ما يترقّبه كلّ الشعب بالحزام الخانق الذي سيمرّ به. ولعلّ أخطر ما جاء في هذه الندوة الصحفيّة التي أراد من ورائها أن يظهر للشعب إلى أين وصل في حواراته ومباحثاته مع القوّى السياسيّة و قال –في هذه الندوة- ما شاء مثلما شاء إلى أن طرح عليه أحد الصحفييّن سؤال متعلّق بحملته الرئاسيّة وكيف له أن يطمع اليوم في ثقة التونسييّن بينما كانت نتائجه مخجلة وعبّر التونسيون عن رفضهم له.؟ هنا جاء الجواب الذي هو "بيت القصيد" فقد حاولتُ أن أنزّل جواب الفخفاخ في موضع ما من مواضع الفكر السياسي أو الثقافة العامة أو الموقف الذي يذلّ على شخصيّة هذا المكلّف فلم أفلح نعم إنّ ما قاله الفخفاخ هو من خوارق العادات ومن ما يعجز عن التفكير فيه كبار المفكّرين وجهابذة السياسة فقد أجاب قائلا :"أنا كرجل سياسة أدخل الانتخابات وأخوض التجارب وإن أنا لم أقنع التوانسة في هذه المرّة سأقنعهم في المرّة الجاية"هذا الجزء الأوّل من الجواب وهو محقّ فيه لكن نسي أنّ المرّة ّالجاية" هي الانتخابات المقبلة وليست التكليف برئاسة الحكومة أي بعد أن أخرجه الشعب من الباب يرجع من الخوخة .لكن جوابه هذا لم يكن اعتباطيّا ولا للتخلّص من الإحراج الذي وضعه فيه الصحفي بل له مبرّراته التي يفسّر بها سبب رجوعه من الخوخة إذ يقول :"لكن هنالك رئيس جمهوريّة أقنع التوانسة وهو الذي اختارني وأنا أقنعته وهذا يكفيني ويشرّفني"إنّ تحليل هذا الجواب سيؤدّي حتما لمعرفة شخصيّ الفخفاخ ومدى وعيّه بالمسؤوليّة الملقاة على عاتقه ومدى استخفافه بالشعب التونسي ولكن المقام لا يسمح بالتحليل الواسع لهذه الزلّة التي لا تغتفر إذ الفخفاخ يقول للشعب أنتم اخترتم سعيّد وسعيّد اختارني لأحكمكم "فاشربوا أن كسّروا قرونكم " وحيث مالا يدرك كلّ لا يترك جلّه كما يقولون فإنّ أهمّ ما يمكن استنتاجه من جواب الفخفاخ لا يخل من :" أنّه سفسطة ظنّ أنّها ستنطلي على الشعب وعلى نوّابه في ظرف يخاف فيه النواب على مقاعدهم ويخاف فيه الشعب تواصل مآسي حياته اليوميّة . أوهي سذاجة منه تدلّ على شخصيّة هذا المكلّف الذي سيكون رئيس الحكومة وصاحب أكبر صلاحيات في الدولة إذ يقدّم نفسه على أنّه تابع للرئيس مفتخرا بثقة الشعب في الرئيس الذي منحه ثقته واختاره. متناسيا دوره ومكانته في الساحة كصاحب صلاحيات تفوق صلاحيات الرئيس. أو هو نِفَاق وتقرّب من الرئيس صاحب الفضل عليه ونسيّ أنّ مصيره بيد الشعب وسيُقَرّر عن طريق نواب هذا الشعب في" باردو" ويومها سوف لن يشفع له لا الرئيس الذي اختاره ولا اعتزازه بهذا الاختيار. أو هو انْبِطاح وقتي لقضاء حاجته والوصول إلى سدّة الحكم؟وبعدها هذا فليكن الطوفان. وعندها نقول له لقد ظَلَلْتَ الطريق المُؤدّية للحكم فكان عليك التقرّب أو التذلّل- إن أنت تقبل هذا- أمام أصحاب القرار النهائي لبلوغ غايتك وهو البرلمان- أمّا الرئيس الذي لم ينتخبه كلّ التونسييّن كما تروّج لذلك والذي ليس له ولو نائب واحد في البرلمان مثلك بالضبط. فقد انتهى دوره بتكليفك وبذلك يكون قد وضعك أمام مصيرك.إنّ ما تفعله يا هذا لمغالطة الشعب التونسي هو من باب :فخر النعجة بِلِيَّة العلوش " وهو مَثَل من أمثالنا الشعبيّة الطريفة والمعبّرة. بالله عليكم –وأنا ليس لي ودّ للفخفاخ ولا أحمل عليه حقدا- أسأل:" هل بهذا المنطق وهذه المواقف وبهذه الشهامة هو أهل ليقود البلاد في هذا الظرف الصعب؟أسأل وأنا أعرف الجواب.