مر اليوم على اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد " الوطد " سبع سنوات ورغم أن كل الدلائل التي كشفت عنها الأبحاث واعترافات المورطين و كذلك عمل الجهات المختصة بوزارة الداخلية قد أفادت بأن الذي كان وراء اغتيال شكري بلعيد هو تنظيم أنصار الشريعة المحظور وأن العناصر المورطة في القضية سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو بالإسناد أصبحت معلومة وأن العقل المدبر في هذا الاغتيال هو كمال الرويسي الذي انتمى إلى تنظيم أنصار اشريعة وأن الذي نفذ العملية هو كمال القضقاضي ورغم أنه بالإمكان اليوم معرفة الغايات والأسباب ودوافع الاغتيال بعد انتهاء الأبحاث والتحقيقات مع المورطين في هذه القضية واعترافات من بقي على قيد الحياة منهم و التي أوضحت أن الاغتيالات السياسية التي حصلت في تونس بعد الثورة كانت من أجل أهداف واضحة ومختارة بدقة حيث كشف ختم الابحاث بأن اغتيال شكري بلعيد كان بسبب تصريحاته التي نالت من سمعة التنظيم المحظور وأن اغتيال محمد البراهمي كان بغاية بث الفوضى في صفوف المواطنين وإرباك الوضع العام بالبلاد ، فرغما عن كل ذلك فإن ملف اغتيال الشهيد شكري بلعيد لا يزال مفتوحا ويسيل الكثير من الحبر ويحفه الكثير من الغموض والمفاجآت بخصوصه لا زالت قائمة وآخر هذه المفاجآت التي صدمت الرأي العام بعد صدمة تصريح زهير حمدي القيادي بالجبهة الشعبية الذي قال فيه بأن هناك جهات خارجية هي التي تحول وتقف أمام الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية وأن الذين تم القبض عليهم من العناصر السلفية التابعين لجماعة أنصار الشريعة ما هم في الحقيقة إلا المنفذين المباشرين لكن من يقف وراءهم هي جهات خارجية ترفض الكشف عن حقيقة ما حصل وهذه الجهات حسب زهير حمدي هي التي تتدخل اليوم في القرار السياسي وتقف وراء مساعدة الدولة ماليا وهي كذلك المؤسسات التي ترسم للبلاد خياراتها الاقتصادية والمالية وأضاف بأنه طالما لم نفك ارتباطنا مع هذه الجهات الأجنبية فإنه لا يمكن بحال أن نتقدم كثيرا في معرفة من أعطى الأوامر باغتيال الشهيدين خاصة وأنه حسب زهير حمدي فإن جماعة أنصار الشريعة قد تم اختراقهم من قبل هذه الجهات الأجنبية. بعد هذا التصريح الخطير الذي يفتح نافذة أخرى للكشف عن حقيقة اغتيال شكري بلعيد ومعرفة الجهة الرسمية التي كانت تقف وراءه يفاجئ الرأي العام منذ أيام قليلة بتصريح آخر لا يقل خطورة ولكن هذه المرة يأتي من زياد الأخضر الأمين العام الحالي لحزب " الوطد " وذلك بمناسبة إحياء الذكرى السابعة لاغتيال شكري بلعيد قال فيه " بأن ملف شكري بلعيد وعلى مدى سبع سنوات من اغتياله قد تم استعماله من أجل الضغط على حركة النهضة وإلزامها بجملة من الاكراهات في محاولة لابتزازها وأن كل من يستغلون ملف الشهيد إنما يقومون بذلك من أجل أغراض سياسية ويزعمون في العلن أنهم مع حق الشهيد وكشف حقيقة اغتياله و لكن في الأصل يستعملون الملف للضغط على النهضة لا غير." في الحقيقة فإن هذا التصريح الأخير لزياد الأخضر يضاف إلى عدة تصريحات أخرى صدرت عن الكثير من القياديين اليساريين أو المقريين من اليسار وتحديدا القريبين من حزب الوطد والجبهة الشعبية تفيد جميعها بأن ملف اغتيال شكري بلعيد هو ملف معقد جدا وخيوطه متشابكة والمورطين فيه المباشرين معلومين وقد كشفت عنهم الأبحاث الأمنية والتحقيقات القضائية وهم أنصار الشريعة لكن المورطين غير المعلنين والذين كانوا وراء عملية الاغتيال و أعطوا الأوامر ووفروا الدعم والإسناد كل الدلائل والقرائن والتحليلات تفيد بأن جهة أجنبية تقف وراءهم ويكفي هنا أن نذكر بما قاله المحامي فوزي بن مراد قبل وفاته في ظروف غامضة وما قالته الصحفية نادية داود التي غيبت تماما من الإعلام ولم نعد نسمع لها حديثا وهي التي كانت شاهدة على عملية الاغتيال وما قامت به من اتهام خطير لسائق شكري بلعيد بتورطه في عملية الاغتيال . كما قلنا إذن فإن تصريح زياد الأخضر هو تصريح مهم وصادم ومثير في الآن نفسه لأنه على الأقل يكشف عن حجم التلاعب الذي يقوم به من يدعي مناصرة قضية شكري بلعيد ويرغب في الكشف عن حقيقة اغتياله وهو تصريح يعد بمثابة الشهادة التاريخية من داخل عائلة الوطد الحزب الأكثر حرصا على معرفة الحقيقة على أن هناك أطرافا في اليسار الماركسي تستغل ملف الشهيد وتوظف اغتياله في معارك سياسية قذرة وتتاجر بدم الشهيد من أجل ابتزاز خصم سياسي وهي شهادة لا ندري لماذا غفل عنها الإعلام وتجنب التوقف عندها لقيمتها ولقيمة من صدرت عنه . ما أردنا قوله هو أنه بقطع النظر عن أهمية وخطورة شهادة زياد الأخضر التي يمكن أن تفتح مسارا آخر في عملية البحث عمن كان وراء أنصار الشريعة وعن الجهة التي كانت قد أعطت الأمر بالاغتيال فإنها شهادة مهمة تكشف عن الاستراتيجيات التي يستعملها بعض اليسار في توظيف القضايا الحقيقة في معارك سياسية دنيوية والحال أنه كان عليهم البحث عن الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة و سكوت الإعلام وعدم تطرقه إلى مضمونها وتعمد تجاهلها يكشف عن حقيقة أخرى لا تقل خطورة عن تصريحات زياد الأخضر وهي أن جانبا من إعلامنا مورط حتى النخاع في عملية التلاعب بعقول الناس وعملية التأثير الممنهجة التي يقوم بها في توجيه الرأي العام نحو الوجهة التي يريدها وإلهاء الناس بقضايا ثانوية في حين أن القضايا أخرى مهمة لا يلتفت إليها عمدا ويتجنب الخوض فيها .