حال بيني وبين حضوري موكب جنازة المناضل والوزير الأول السيد الهادي البكوش رحمه الله وجودي عند وفاته خارج ارض الوطن للقيام بواجب التعزية لافراداسرته واصدقائه واردت أن لايفوتني في ذكرى الاربعين تسجيل بعض ذكرياتي عن الرجل في المرحلة التي تعرفت فيها عليه والتي امتدت لسنوات عديدة و توثقت فيها العلاقة بيننا بعد أن ترك الوزارة الاولى في بداية التسعينيات وكانت جلساتنا تمتد لساعات طويلة في منزله بمتيال فيل بتونس العاصمة اوفي منزل الشيخ الوالد بمقرين فقد كان يحرص على حضور ماانظمه من اختام القران الكريم وكتاب الشفا للقاضي عياض حيث يلتقي بالعديد من الاصدقاء والاقارب ويتبادل معهم اطراف الحديث في شتى المواضيع الوطنيةوالتاريخية والاجتماعية والثقافية والدينية وكان رحمه الله يبادل هؤلاء الاصدقاء الاحترام ويستفيد منهم مثلما يستفيدون منه وكان يسعد ايما سعادة بهذه اللقاءات ولايغيب عنها الا لمانع قاهر وكان يجد فيها تسلية عما يشعر به كل من يترك المسؤولية ويقل المترددون عليه والحريصون على لقائه يعود اول لقاء لي بالسيد الهادي البكوش رحمه الله إلى سنة1986 وكان انذاك مديرا للحزب الاشتراكي الدستوري فقد اقترح عليه الصديق المناضل محمد التريكي أن احضر جلسة عقدت تحت اشرافه للنظر في كيفية النهوض بالشان الديني في بلادنا وفي تلك الفترة من حياتي لم اكن اتحمل اية مسؤولية دينية سوى قيامي بالتدريس في التعليم الثانوي لمادة التربية الدينية والتفكير الاسلامي وكتابة مقالات في صفحة يوم الجمعةفي جريدة الصباح واعداد ملحق ديني اسبوعي لجريدة الصدى الاسبوعية التي كان يراس تحريرها الصديق صالح الحاجة والاشراف على اصدار مجلة جوهر الاسلام وخطابة الجمعة بجامع مقرين وهما خطتان اللتان خلفت فيهما الشيخ الوالد رحمه الله كان الحاضرون في هذا الاجتماع فضلا عن اعضاد السيد الهادي البكوش فضيلة مفتي الجمهورية ومدير ادارة الشعائر الدينية وعميد الكلية الزيتونية للشريعة واصول الدين وثلة من الشيوخ والاساتذة والائمة وكنت اصغر الحاضرين تناول كل الحاضرين الكلمة وقدموا رؤاهم ومقترحاتهم الواحد تلو الاخر وكنت اخر من احيلت اليه الكلمة ويومها قدمت مقترحات عملية مؤكدا أن البلاد تعيش فراغا دينيا يستوجب دعم المؤسسات الدينية ماديا وبشريا وان وضعها الراهن لايمكن انتظار شيء يذكر منها استوقفني السيد الهادي البكوش عند انتهاء الجلسة وطلب مني أن ابقى معه ليعرض علي القيام بعمل اشترك فيه معه و يكون مدخلا لمقترحات عملية في المجال الديني يتم تقديمها لرئيس الدولة والحزب الزعيم الحبيب بورقيبة رحمه الله ويكون دافعا له للقيا م بمبادرات في هذا المجال عبرت له عن استعدادي للقيام بذلك وبدات في تحرير هذا المدخل المطول الذي استعرضت فيه مسيرة الحزب قبل الاستقلال وعند بناء الدولة وان النهوض بالشعب في مختلف مجالات الحياة من اهداف الدين ومقاصده وانه ينبغي المبادرة بدعم الدين ومؤسساته بما يجعلها سندا للتنمية والاستقرار والازدهار وقدمت مقترحات منها احداث مجلس اسلامي اعلى و ارفقت مقترحي بالقوانين المنظمة للمجالس العلمية في المغرب وكان بين يدي العدد الخاص من مجلة دعوة الحق الصادرة عن وزارة الاوقاف في المغرب(وقد تم الاخذ بهذا المقترح واسندت رئاسة المجلس الاسلامي إلى مفتي الجمهورية فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي رحمه الله وضم في عضويته فضلا عن من اختيروا لصفاتهم اعضاء م كان لي شرف اقتراح اسمائهم من افاضل علماء تونس واساتذتها علما وانني لم اكن من بينهم وتلك قصة أخرى لايتسع المجال لذكر تفاصيلها) التقيت بالسيد الهادي البكوش رحمه الله مدير الحزب أكثر من مرة واستعرضنا معا ما حررته وكان يعبر لي عن اعجابه بالمجهود الذي بذلته وقبل الانتهاء من انجاز هذه المذكرة اعفي السيد الهادي البكوش من ادارة الحزب واسندت اليه وزارة الشؤون الاجتماعية وحل محله السيد عبد العزيز بن ضياءرحمه الله والذي لم يلتفت إلى العمل الذي وقع القيام به وتلك مشكلة أخرى(عدم التواصل فالمسؤول عندنالاينطلق من حيث انتهى سلفه) وهو ما لايتسع المجال للحديث عنه بعد تحول السابع من نوفمبر وعلى اثر الاختيار علي ضمن قائمة اعضاء اللجنة المركزية المعينين على اثر تناولي الكلمة في مؤتمر الانقاذ نيابة عن جهة بن عروس وصادف أن حضر تلك الجلسة المشهودة الرئيس السابق زين العابدين بن علي رحمه الله الذي امر يوم المؤتمر باضافتي إلى القائمةوقدكنت ترشحت على جهة بن عروس ولكن الحظ لم يسعفني وكان الاقدار الإلهية انصفتني وانصفت الشيخ الوالد الذي كان ترشح لعضوية اللجنة المركزية في مؤتمر المنستير سنة 1971 على اثر خطاب لايزال يشيد بمضامينه كل من حضر المؤتمروكان ترتيبه متقدما على كبار المسؤولين في الحزب والدولة الامر الذي تسبب له في متاعب تحملها بصبر واحتساب سميت في اواخر سنة1988مديرا بالوزارة الاولى وكانت الشؤون الدينية تابعة للوزير الأول وكان السيد الهادي البكزش هو الوزير الأول وكان الرجل طيلة ذلك العام يقضي كل صباح من ايام الاسبوع في قصر قرطاج وبعد الظهر كان يتفرغ للوزارة الاولى ويبقى إلى ساعة متاخرة من الليل وكانت صلة اغلب اطارات الوزارة الاولى بالسيد الهادي البكوش رحمه الله تتم عن طريق السيد رشيد مدلة رحمه الله الذي سبق لى أن تعرفت عليه لما كان في ديوان مدير الحزب وتوطدت العلاقة بيني وبينه وهو رجل فاضل دمث الاخلاق استنجبه السيد الهادي البكوش لكفاته واخلاصه قبل الاحتفال بذكرى التحول طلب مني السيد الهادي البكوش رحمه الله عن طريق السيد رشيد مدلة تقديم مقترحات للنهوض بالشان الديني (واحتفظ بالمسودة) واعتز بان كل ما اقترحته وقع الاخذ به والاعلان عنه من طرف رئيس الدولة الذي سبق أن طلب مني عن طريق الامين العام للتجمع السيد عبد الرحيم الزواري اعداد مذكرة في هذا الشأن اطلع عليها ثم كونت لجنة لقراء تها تراسها السيد الحبيب بولعراس رحمه الله كانت صلتي بالسيد الهادي البكوش رحمه الله طيلة تحمله اعباء الوزارة الاولى محدودة جدا وكنت متعلقا به شديد التعلق وكنت اعجب بتحاليله وكنت لااخفي ذلك بل كثيرا ما اتصادم مع خصومه من كبار المسؤولين في الحزب والدولة وكنت اتمنى لو انه واصل تحمل المسؤولية في الدولةوالحزب وكنت ارى انه يمكن التكامل بينه وبين رئيس الدولة وكان هذا الموقف مني نحو السيد الهادي البكوش جعلني احسب عليه ولكن الرئيس بن علي لم يستمع إلى مثل هذه المكائد وما اكثرها وما اخطرها بين القوم بل اكاد اقول انها سلاح اغلبهم في العمل السياسي وعندما اعفي السيد الهادي البكوش من خطة وزير اول اعفي كل اعضاء ديوانه واستثنيت من ذلك وهوما توقع الكثيرون لكن ذلك لم يقع ويومها خاطبني الصديق العزيز صالح البكاري المستشار برئاسة الجمهورية قال لي (الرئيس قال لك اخدم على روحك) وبقيت في الوزارة الاولى بصفة ارفع( مستشارا لدى الوزير الأول السيد حامد القروي) إلى أن وقع الاختيار علي لاكون احد اعضاء مجلس النواب عن جهة بن عروس كنت لااخفي صلتي الوثيقة بالسيد الهادي البكوش و اتعمد الوقوف إلى جانبه عندما نكون في القصر في الاعياد الوطنية التي ادعى لحضورها وكذلك لدى اختتام دورات اللجنة المركزية واحرص على أن يراني رئيس الدولة فليس عندي مااخفيه وكنت في الكثير من الاحيان اخرج من الوزارة الاولى واتوجه مباشرة إلى منزل السيد الهادي البكوش اين اقضي معه الوقت الطويل في حوار جاد وعميق في مختلف المواضيع الدينيةوالسياسية في تونس وفي خارجها والسيد الهادي البكوش مستمع جيد وقارئ جيد واعترف انني استفدت ايما استفادة من تحاليله ووجهات نظره التي عدلت على ضوئها الكثير من ارائي تواصلت على هذا النسق العلاقة بيننا وطيدة لانكاد نغيب عن بعضنا إلا بسبب مانع قاهر في منزله أو في منزلي صحبة اصدقاء بررة وكنت امني النفس أن يستفاد من الرجل في موقع رفيع يدعم به المسار (ولكني اعلم شيئا وتغيب عني أشياء) في عالم السياسة العميق الاغوار وانى لمثلي أن يسبح في اعماقها كنت في بعض الاحيان اسمح لنفسي با ن اقترح عليه لفت انتباه الرئيس إلى بعض الاخلال ولو كان ذلك( بما ضر لو )نظرا للمكانة المتقدمة التي ظل عليها والاحترام الذي يحظى به لدى الرئيس السابق (فقد ظل السيد الهادي البكوش عضوا في اللجنة المركزية إلى اخر مؤتمر عقده التجمع وكان عضوا في اخر تركيبة لمجلس المستشارين) ولكن سي الهادي رحمه الله كان يجيبني إذا طلب مني رايي...لعل سي الهادي اعرف مني وهولاشك كذلك ولكنني ظللت إلى اخرايام العهد السابق اكرر هذا الرجاء تلك بعض الذكريات مع الهادي البكوش المناضل ورجل الدولة الذي واكب مختلف مراحل تونس الحديث مرحلة النضال من اجل تحرير البلاد ومرحلة بناء الدولةمن الاستقلال الى التحول متحملا ارفع المسؤوليات في الحزب مديرا للحزب وامينا عاماوارفع المسؤوليات ضفي الدولة في الخارج ديبلوماسيا وفي الداخل وزيرا ووزيرا اولا واخيرا عضوا في مجلس المستشارين وهي مواقع ترك فيها بصماته بعد14 جانفي قل التواصل بيننا فقد صرفتنا عن بعضنا صوارف (ولكل وجهة هو موليها) رحم الله السيد الهادي البكوش رحمةواسعة وانا لله وانا اليه راجعون