وصفه بعض السياسيين بأنه اتفاق تاريخي وقال عنه البعض الآخر إنه تسوية غير متوقعة ولكنها مهمة واعتبره آخرون حدثا سياسيا مهما من شأنه أن يغير الكثير من وضع افغانستان دولة وشعبا .. هذه بعض التعليقات التي صاحبت الاتفاق التاريخي التي تم إمضاؤه يوم السبت 29 فيفري المنصرم في الدوحة بوساطة ورعاية قطرية ناجحة رغم الصعوبات التي وجدتها في البداية وهو اتفاق ينهي الأزمة التي تعيشها دولة أفغانسان لقرابة العقدين من الزمن وينهي حالة الحرب التي اتعبت الشعب الأفغاني وينهي الصراع المدمر الذي دام 19 سنة بين حركة طالبان والولاياتالمتحدةالامريكية من دون أن يحقق أحد من الطرفين انتصارا يحسم المعركة لصالحه ومضمون هذا الاتفاق يقضي بتخفيض الوجود العسكري الأمريكي في افغانستان مع انسحاب كلي في غضون 14 شهرا مقابل التزامات مختلفة من حركة طالبان وتعهد منها بإجراء محادثات مع الحكومة الافغانية. فبعد الصعوبات التي اعترضت هذه التسوية منذ أن تعهدت دولة قطر بعملية الصلح ورعاية المحادثات بين الولاياتالمتحدةالامريكية و جماعة طالبان المصنفة جماعة إرهابية و مدرجة في رأس القائمة كأخطر الجماعات المسلحة المطلوب القضاء عليها لما تمثله من خطر على العالم وهي صعوبات رافقت إنشاء المكتب السياسي لطالبان في دولة قطر لتسهيل عملية المفاوضات والاتصال بين الطرفين المتنازعين حيث كان من المطلوب من عناصر طالبان أن تتأقلم مع الوضع الجديد وأن تتخلى عن استفزاز الطرف الأمريكي وأن تفهم أن المرحلة الحالية قد حتمت المرور إلى تسوية سياسية بدل الحسم العسكري وهي مسألة كانت في البداية صعبة حيث وجد الطرف الراعي لهذه التسوية صعوبات كبيرة في تقريب وجهات النظر وإيجاد صيغة للالتقاء ولكن المهم أن الجهود القطرية التي دامت 6 سنوات بداية من سنة 2013 حينما اقترحت قطر على طالبان فتح مكتب سياسي لها في الدوحة بموافقة أمريكية حتى تتمكن من الاتصال بالقيادة الافغانية وتقريب وجهات النظر مع المفاوض الامريكي قد أثمرت اتفاقا تاريخيا أنهى صراعا دمويا وحالة من الحرب دامت 19 سنة جعلت افغانستان دولة تعيش على وقع الحرب اليومية وحولت الشعب الافغاني إلى شعب قد مزقته الحرب لسنوات طويلة . واليوم وبعد أن حصل هذا الاتفاق التاريخي والذي فرض على الأمريكان أن يفاوضوا الحركة التي وصفوها بالإرهابية وفشلوا في القضاء عليها وفرض كذلك على طالبان الحركة الجهادية العنيفة أن تجلس على طاولة الحوار وتمضي اتفاقا مع الشيطان الأكبر وتنهي نزاعا مع الدولة التي توعدت بمحوها فإن السؤال المطروح هو هل من تداعيات لهذا الاتفاق على بؤر التوتر في العالم ؟ وهل ما حصل هو بداية النهاية لكل الحركات والجماعات الارهابية التي صنعتها أمريكا في فترة من الفترات للتحكم في العالم وإدارة التقسيم الجديد للجغرافيا العالمية خدمة لمصالحها ؟ وهل هي مرحلة جديدة بدأ قطر بفتح ابوابها نحو التسوية الشاملة مع الحركات الجهادية التي تهدد اليوم الأمن والسلم العالميين بما يجعل من التجربة القطرية في تسوية أخطر نزاع بين حركة طالبان والولاياتالمتحدةالأمريكية مثالا يحتذى به أم أن الأمر لا يدعو أن يكون مجرد حدث معزول لا ينهي النزاعات الأخرى التي ستتواصل مع الحركات الارهابية المنتشرة في الكثير من بؤر التوتر في العالم ؟ ما يمكن قوله في انتظار ما سيسفر عنه هذا الاتفاق التاريخي من تداعيات على السلم في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي هو أن دولة قطر بهذا الاتفاق قد سجلت نجاحا وتفوقا يحسب لها ويخدمها ويجعلها تتباهي بدبلوماسيتها التي توفقت في حل ملف من أصعب الملفات في العالم ويجعلها تقدم نفسها كوسيط موثوق به في حل الكثير من المشاكل الأخرى في العالم ويجعلها تحسن من صورتها التي عملت كل من السعودية ودولة الإمارات ومصر على تشويهها بعد اتهامها برعاية الارهاب وقربها من الحركات الاسلامية ومن جماعات الإسلام السياسي لينتهي هذا الاتفاق إلى تحسين صورة هذه الامارة الصغيرة التي استطاعت رغم حجمها الصغير أن تحل ملفا كبيرا الكثير من الخبراء السياسيين ما كانوا يظنون أنه سوف يحل بهذه الطريقة حتى قال " كلارك كوبر " مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية والعسكرية " إن الدوحة قد أثبتت جدارتها وجدواها للولايات المتحدة وهي تعمل على حلحلة مسائل لم يستطع أحد غيرها الاهتمام بها و أن ينجح فيها ". فكل الأصوات التي كانت تعمل على تشويه السياسة القطرية وتتهمها برعاية الارهاب سوف لن تجد بعد هذا الاتفاق من يستمع لها ولا من يصدقها وفي المقابل ما حصل وما تحقق قد أعطى لدولة قطر المزيد من الاشعاع والاحترام الدوليين ومزيد من كسب الحلفاء الدوليين رغم الحصار المفروض عليها من قبل بعض دول الخليج ومصر والذي أضر بها وقد بدأنا نلمس تداعيات هذا الانجاز الدبلوماسي للقطريين في ما يقوم به أمير قطر من جولات عديدة قادته إلى دول كثيرة آسياوية خليجية ومغاربية لربط الصلة معها وتقديم خدماته عليهم وإبرام اتفاقيات تجارية واقتصادية وأخرى في مجالات عديدة من خلال انتداب الكثير من العمال للعمل في قطر .