بعد سنوات طويلة من عمله التلفزي، ظلت في ذهن المخرج "يوسف اليحياوي" الكثير من الذكريات الموجعة والمشاريع المجهضة كانت محور لقائنا معه الذي نختصره في الورقة التالية: _ غادرت التلفزة سنة 1998 ومع ذلك مازلت تحتفظ بالكثير من الذكريات الموجعة، لماذا؟ _ تقاعدت إداريا سنة 1998 هذا صحيح، ولكن المخرج مبدع، وعطاؤه لا يتحدد بالعمر، لذلك خرجت من التلفزة وأنا في أفضل حالاتي وفي قمة عطائي... وكان واضحا أن المسؤولين المتعاقبين على التلفزة كانوا يريدون التخلص مني لأنني كنت نقابيا وترأست النقابة في الثمانينات من القرن الماضي ويعتبرون دفاعي عن أهل المهنة "بلبلة"... _ في سابقة لم تحدث من قبل كنت في الوقت نفسه رئيسا للنقابة ورئيس شعبة دستورية في الوقت نفسه؟ _ حدث ذلك تحت إلحاح زملائي لأنهم يثقون في ولائي للمهنة ولأهلها، ولم أوافق على رئاسة الشعبة لأنني كنت على يقين بما يحدث داخلها من ظلم، ولرفع هذا الظلم التجؤوا إلي فقبلت تحت إلحاحهم... _ هل تشعر بأنك تعرضت إلى مظلمة بتقاعدك الإداري من التلفزة؟ _ بل تعرضت إلى مظالم كثيرة ومازلت إلى اليوم _بعد الثورة_ أتعرض إلى الظلم... _ كيف ذلك؟ _ راسلت "بشير الحميدي"، و"مختار الرصاع" وطلبت منهم رفع المظلمة عني خاصة في ما يتعلق بمسلسلي "سنية" الذي وافقت على تنفيذه لجنة القراءات أكثر من مرة وراسلوني لتأكيد قبولهم ولكنهم كان يؤجلونه لأسباب غير معروفة، ولم أحض بالرد من المسؤولين الجدد... ولذلك أرى أن مؤسسة التلفزة التونسية تتمادى في معالجة الأمور بالأساليب القديمة، فهي لم تمد يدها للمتضررين مثلي ولم ترفع الحظر عن مشاريعي على الأقل لرد الاعتبار لي، وقد طلبت لقاء الرئيس المدير العام "مختار الرصاع" بعد أن كاتبته أكثر من مرة ولكنه لم يستجب إلى طلبي... وما آلمني أكثر هو منعي من دخول التلفزة مؤخرا، على الرغم من استظهاري بوثائقي الشخصية وفيها مهنتي مخرجا تلفزيا، ومع ذلك لم يسمحوا لي بالدخول، حتى أعد لي المخرج "الحبيب الجمني" بطاقة دخول وقال لي "تعال خلينا نشبعو بيك"... آلمني جدا أن أمنع من دخول المؤسسة التي بنيناها بعرقنا... _ هل كان اختيارا منك أن تتخصص في إخراج البرامج؟ _ نعم، ولكنني ألفت أعمالا درامية مثل "المعتمد بن عباد"، و"سنية"،وشريطا تلفزيا بعنوان "بنت الفلاح"، وكلها أعمال لم تنجز، إضافة إلى سلسلة "ديك الجن" وهو آخر عمل لي في التلفزة... _ لعل ما قدمته من مشاريع لا ترتقي إلى المستوى الجيد لتنفيذها؟ _ بل أنا مستهدف بالاسم، لا اعتراضا على جودة مشاريعي... وقد أمر "سليم شيبوب" بحظر برامجي بعد أن قلت رأيا لم يعجبه يوم 04 جويلية 1999، وكان "عبد الرؤوف الباسطي" هو السيف الذي سلطه "شيبوب" علي...بصفته رئيسا للإذاعة والتلفزة في تلك الفترة ووزيرا للثقافة لاحقا وقد أنجزت وثائقيات قبل 16 سنة حول حيوانات برية مثل "الحجل"، "السمان"، "اليمام"، "الحمام الداجن"، وكذلك خنازير صحراء توزر، وعلى الرغم من أن هذه الأشرطة مشفوعة بمشاهد صيد ممتعة إلا أنها ظلت محجوزة في وزارة الثقافة داخل "غرفة الظلام" وتنتظر التركيب والمزج... _ هل راسلت "مختار الرصاع" في خصوص هذه الأشرطة؟ _ نعم، وبإمكانك الاطلاع على المراسلة التي تضمنت ملفا كاملا حول مشاريع تلفزية من تأليفي وإعدادي تعطلت تباعا خلال العشرية الأخيرة لأسباب جائرة وغير مبررة ومازلت في انتظار الرد إلى الآن... أنا مع فكرة أن نعطي للمسؤول الوقت الكافي ليتمم مخططاته و"مختار الرصاع" مقتدر وجريء لكنه ليس نزيها بالقدر الكافي، ويحمل بعض مخلفات العهد البائد، وأطلب منه فقط أن يتواضع قليلا ويفتح أبواب المؤسسة لأنها ليست ثكنة عسكرية... _ لا تبدو متفائلا؟ _ لست متفائلا لأنه لم يتغير شيء في التلفزة وفي الشأن العام بعد الثورة، فالحكومة غرقت في "الترقيع"، واهتمت بالمضربين الذين يبحثون عن الكمال، وتباطأت في إنقاذ "البطالة" والمعوزين النائيين... أما الإعلام بشكل عام فلم تتغير لهجته ولا طريقة معالجته للأمور وما يحز في نفسي هو أن يظهر "سامي الفهري" يوميا منذ شهرين على صفحات الجرائد ليسخر من الرأي العام ومن قدماء المخرجين ويبرئ نفسه من علاقته بالطرابلسية وهو لا يقول الحقيقة، فلما بدأت "كاكتيس" عملها كان "الفهري" منشطا في التلفزة وقد زرت مقرها سنة 2001 وكانت آنذاك تنتج ومضات إشهارية فقط، ولما كبرت الشركة انتدبه الطرابلسية مع سمير التركي، وشيئا وشيئا صار "سامي الفهري" هو "الباترون"، وهو الذي التحق بكاكتيس التي أسسها "الطرابلسية" خلافا لما ادعاه في الصحف... _ لسامي الفهري الوثائق التي تؤكد أنه مؤسس الشركة وبلحسن الطرابلسي هو الذي التحق بها بعد ذلك؟ _ مش صحيح، كاكتيس متاع أولاد الطرابلسي مش متاعو... _ قال "مختار الرصاع" إن العجز المالي في التلفزة التونسية بلغ 36 مليارا، هل تسببت فيه كاكتيس دون غيرها؟ _ عندما غادر "عبد الرؤوف الباسطي" مؤسسة التلفزة خلف عجزا ماليا ب36 مليار أيضا، ولم يكن لكاكتيس أي وجود حينها ولكن كانت هناك شركة سيطرت على المشهد آنذاك وهي "السباد" لعصام الخريجي الذي تربطه علاقة جيدة بعبد الرؤوف الباسطي وكانا معا يغرفان من مال التلفزة... حينها لم تكن "السباد" ظاهرة للعموم على عكس "كاكتيس" التي تغولت وحرمت التلفزة من عائدات الإشهار وقد كتبت شكاية لعبد العزيز بن ضياء كاكتيس هي إحدى نقاطه ولكنني لم أحض بأي رد.. _ ما الذي حال دون إنجاز مسلسلك عن حياة "المعتمد بن عباد"؟ _ التقصير ليس من التلفزة التونسية هذه المرة، فقد رحبوا بالمشروع الذي كتبته أنا والراحل "علي محسن العرفاوي"، واخترت الممثلين وهم السورية "مادلين طبر"، و"محمد السياري" في دور المعتمد وعفاف الغربي عندما كانت صغيرة مازالت على مقاعد الدراسة... ولكن كلفته العالية جعلت التلفزة تلتجىء إلى الإنتاج المشترك في سوريا ولكنهم ماطلونا هناك لأن العمل مكتوب بحرفية عالية وتناوله واقعي وموضوعي، وقد أعجبت به "مادلين طبر" كثيرا وقالت إنه أفضل عمل تاريخي قرأته في مسيرتها، وجودته هي التي جعلت الأطراف السورية تماطل في إنجازه... _ ولكنه اقترح بعد ذلك على شوقي الماجري لإنجازه، ألم يزعجك الأمر؟ _ بل على العكس رحبت كثيرا بالفكرة والتقيت شوقي وطلبت منه فقط أن أكون على علم بأي تغيير سيطرأ على النص ووافق هو بكل ترحيب، لكنهم اختلفوا مرة أخرى على البطل فقد تمسكنا بمحمد السياري في المقابل أصروا هم على أن يكون الممثل الأول من جنسية سورية... _ هل مازلت مصرا على إنجاز مشاريعك الدرامية؟ _ لم يعد عمري وصحتي يسمحان لي بإنجاز هذه المشاريع ولكنني أقترح تعيين مخرج شاب أقوم بتأطيره أثناء التنفيذ، فيما سأكتفي أنا بتركيب الأشرطة الثلاثة التي صورتها قبل 16 سنة عن الحيوانات البرية... _ من ترشح لإخراج أعمالك؟ _ الحبيب الجمني... _ لماذا هو دون غيره؟ _ لأنه مخرج مثقف وأنا أقدر كثيرا ثقافة المخرج ولا أستطيع أن أضع مشاريعي (أكبادي) تحت تصرف مخرج غير مثقف...