لقد عشت و الحمد لله منذ عقود وسنوات العشرات بعد العشرات من الاحتفالات بعيد الاستقلال بداية من عهد بورقيبة الى عيد هذا اليوم بالذات فماذا رايت وما ذا سمعت في هذه الاحتفالات أيها القارئون وأيتها القارئات ؟ لقد سمعت ورايت بورقيبة رحمه الله وغفر له ما قدمت وما اقترفت يداه يذكر للتونسيين في خطابه المالوف في مثل هذا الاحتفال مراحل و اطوار نضاله وما قاساه وما عاناه في سبيل تحقيق ما يبتغيه الشعب التونسي وما يتمناه من نيل الاستقلال والعيش تحت سماء الحرية و القطف من ثمار اشجرتها وارفة الظلال ولكنني مع الأسف الشديد لم اره ولم اسمعه يذكر في اي عيد من هذه الأعياد ولواحدا من الذين عملوا وناضلوا قبله ومعه ومثله وقاوموا هذا الاستعمار بالنفس والمال والحديد والنار وكانه اراد وصمم ان يجسم ذلك المثل التونسي المعروف الذي يحفظه الملايين والألوف (ما ثم في السوق كان مرزوق) و(آش يا ذبانة ما ثم في الدنيا كان انا) كما رايت وسمعت وسائل الاعلام في عهد بورقيبة تستجيب له وتنساق معه في هذا التيار ولا تذكر الا قليلا وعلى استحياء واستعجال بعض الذين عملوا وجاهدوا بتفان وإخلاص للحصول على نعمة الاستقلال لتمر سريعا اثر ذلك فتجعل النصيب الوافر والأكبر في برامجها الاذاعية والتلفزية وفي صحفها اليومية لذكر اعمال بورقيبة وخصاله وافضاله ومعاناته في سبيل استقلال هذه البلاد ولتدعو الناس بصفة مباشرة وغير مباشرة الى مدحه وشكره وذكره وتمجيده والثناء عليه بكرة واصيلا مع وجوب الاعتقاد و الايمان بانه فريد عصره وواحد دهره ولا ولن يلد الزمان له شبيها ولا ندا ولا منافسا ولا مثيلا ... من اجل ذلك نفر شباب السبعينات واوائل الثميننات من حزب بورقيبة نفورا وكرهوا خطبه المالوفة المغرورة وسئموها وتركوا ونبذوا المشاركة الصادقة التلقائية في هذه الأعياد وهجروها بصفة واضحة جلية وخاصة منهم الطلبة والتلاميذ الذين اصبحوا يتندرون بمثل تلك الخطب وبمثل تلك الاحتفالات ويعتبرونها تلهية للراي العام الناقم على سياسة بورقيبة واليائس من اصلاح اوضاعه الماساوية والذين هددوا ولوحوا في كثير من الأوقات والمناسبات بالثورة و بالانتقام من النظام منطلقين من ذلك المثل الذي ورثه التونسيون عن الجدود والآباء منذ اعوام وسنوات(كثر من العسل يمصات) وفعلا فقد جاء اليوم المحتوم الذي (مصات) فيه عسل بورقيبة وخطبه الغريبة العجيبة واصبح تكرار ذكر سيرته في كل عيد وفي كل محفل علقما مرا بل اكثر من علقم واكثر من حنظل... وجاء اليوم المتوقع واليوم المنتظر الذي عزل فيه بورقيبة ولم يسانده الشعب ولم يفده اتباعه والمتمعشون منه باي عمل وباي اثر بل سارعوا الى مبايعة خليفته ابن علي سريعا وعلى عجل ومات بورقيبة في شبه عزلة تامة وشبه وحيد ولم يكترث لخبر موته الخاصة ولا العامة ولم نر ولم نسمع بعد موته اي صدى لمن صدعوا رؤوس الناس في حياته بالمدح والشكر والتمجيد ...اما عن الاحتفال بعيد الاستقلال في عهد خليفته ابن علي فقد كان ايضا يتم بالمرور مر الكرام اوبمرور اللئام على دوربورقيبة الحقيقي ودور المناضلين معه ومثله في سبيل الحصول على الاستقلال للوصول سريعا الى تمجيد بن علي واظهاره في ثوب وفي حلة بطل الأبطال وعظماء الرجال ومغير الاحوال ومنقذ الاجيال فازداد الشباب ياسا مما ينتظرهم في مستقبل الأيام وعاشوا سنوات تائهين في البؤس والضياع والياس والحرمان والظلام... فهل سيستقيم اليوم الحال ونحتفل بعيد الاستقلال كما يجب الاحتفال وذلك بذكر سيرة جميع من ناضلوا في سبيل تحقيقه بالنفس وبالمال من النساء ومن الرجال دون حسابات سياسية ظرفية اضاعت على التونسيين فرصا التقدم الحقيقي في طريق وفي مجال تثبيت اركان الديمقراطية و تطبيق وترسيخ قيم العدالة والمساواة والحرية؟ اوليس من واجبنا جميعا في هذا الاحتفال الجديد ان نذكرمثلا شيئا عن المناضل عبد العزيز الثعالبي ذي التاريخ الحافل المجيد والذي عرف شرقا وغربا بماسي ومصائب الاستعمار الفرنسي وبمطالب التونسيين في مؤتمر فرساي وفي رسالته الخالدة تونس الشهيدة والذي قيل في نعيه يوم موته( وهكذا انطوت صفحة رجل عملاق ومجاهد كبير في مجال اليقظة الاسلامية من ذلك النوع الذي عرفه العالم الاسلامي في اوائل اتصاله بالغرب اولائك الذين كانوا يؤمنون بان الحركة الوطنية والعمل السياسي جزء من الحركة الاسلامية الداعية الى مقاومة المستعمر ليس فقط في مجال السياسة بل في كل ميادين الاجتماع والاقتصاد اولتربية والثقافة)(انظر كتاب عبد العزيز الثعالبي رائد الحرية والنهضة الاسلامية ص208 دار الغرب الاسلامي الطبعة الاولى 1984 اوليس من واجبنا في هذا العيد ان نذكرايضا شيئا ذا بال من مسيرة المناضل البشر صفر الذي دافع عن حقوق التونسيين فخطب وكتب ما سجلته احداث الزمان وما خلدته اخبار الدهر؟ او ليس من واجبنا في هذا العيد ايضا ان نذكر نزرا قليلا من سيرة المناضل وزعيم واستاذ الشباب علي البلهوان الذي قاد المظاهرات في سبيل قيم الهدى والرشاد و ان يعيش التونسيون في وطنهم متمتعين بالكرامة والعزة والأمن والامان؟ اوليس من واجبنا ايضا ان نذكر الطاهربن عمار والمنجي سليم والحبيب ثامر ذوي النضال الوطني وذوي الفكر العميق الثاقب؟... نعم هذا هو عندي مظهر اساسي ضروري في كل احتفال بعيد الاستقلال فهو احتفال يبدا ويستهل ويفتتح بتذكر وذكر وتعداد اعمال ونضالات اكبر عدد ممكن من أبطال الكفاح والنضال والصمود في كل ميدان وفي كل مجال ثم ينتهي بالتواعد والتعاهد والتواصي على مواصلة ما التزم به واقسم عليه ونهض به هؤلاء الرجال مستجيبين بحق وصدق لقوله تعالى في كتابه المكنون(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة106 ولعل من حكمة الله تعالى ان جعل هذه الآية الكريمة في سورة التوبة وهي سورة تتحدث عن مجال السياسة بصفة عجيبة عظيمة حكيمة والتي اعلن الله تعالى فيها توبته على من اخطا في حق ربه اوحق نفسه او حق قومه وشعبه فندم فاعترف فتاب اوليس في ذلك لموعظة وعبرة لاولي النهى وأولي الألباب ؟؟؟