هكذا أشعرتنا بعض وسئل الإعلام الغربية، ولستُ أنا .. إنّ هذا "الحَجْر" أصبح يُعرف اليوم بالحبْس المنزليّ، إذ لا مفرَّ منه كائنا مَن كان، وفي كلّ مكان .. وقد قيل قديما في أمثال العرب: (أخوك مُكْرَهٌ لا بطل) .. لا لشيء سوى الوقاية منه، أو من أجل انحسار وباء (كورونا) الخطير. على أنّ هذا الحَجْر المشؤوم عند البشر، يخضع له الآن الجميع: الصغير والكبير .. المرأة والرّجل .. العامل والعاطل .. الأمير والحقير .. الرئيس والوزير .. إلّا فيئة محدودة من الأفراد لا يتوقّفون عن الحركة الدّائبة والدّائمة، لأغراض سامية، وأهداف نبيلة: كالأطبّاء، والممرّضين، والصيادلة، وعمّال النظافة، وباعة الأغذية واللحوم في محلّاتهم، والمغازات التّجارية للتّموين الضروريّ. لقد كنّا نظنّ أنّ هذا الحَجْر قد عفا عليه الزّمن وولّى – خصوصا ونحن في عصر التكنولوجيا المثالية كما لا يخفى – وإذا به يعود فجأة دون إنذار بخيله ورَجْلِه، ولكنّ هذه المَرّة بقسوة مُرّة، بعد أن عَمَّمَتْه أجهزة مصالح الأمن في كافّة الدُّوَل، كلٌّ على طريقته، للأمان من هذا الوباء، الذي لا يَعرف الحدود أو التوقّف في الانتشار، وكلّ من خالف تَعليمات الحجْر، فإنّه لا محالة يدفع الثّمن: وهو غَرامَة مالية، أو سجْن من وراء القُضبان، كما هي الحال في بعض البلدان. وبصراحة، فإنّ هذا الحجْر دواء مجّانيّ، لمن ليس له دواء، لأنّ عباقرة أطبّاء اليوم عجزوا وهم في ذُهول عن اكتشاف لقاح جيّد ومفيد، يعصم البشر عن الإصابة بهذا الجرثوم الفتّاك بالصّحّة البدنيّة: (كورونا). وهو مُؤَشّر مفزععلى الاقتراب من كارثة إبادة جماعيّة للبشر – لا سمح الله – ما لم يُهْتَد إلى حَسْمه في القريب العاجل. فقد حدثت بالأمس، (حروب) طاحنة، وإبادات فظيعة لبعض شعوب (مقهورة) في دول نامية من قُوًىعُظْمىوقد عُرِفَتْ هذه الإبادة فيما بعدُ بالتطهير العِرْقي .. وها هو (كورونا المستجدّ) يعيد لنا اليوم المشهد ذاته وبحَصْدِه ألوفا مُؤَلّفة، - حتى وصل في بعض البلدان الأوروبيّة المتقدّمة إلى وفاة خمسمئة نَسَمَة في يوم واحد – ويحدث هذا من دون طائرات حربيّة، ولا دبّابات ميْدانيّة، ولا قنابل عنقوديّة، ولا صواريخ عشوائيّة ... وكلّ ذلك، يفعله (كورونا) هذا الفيروس الخفيّ، والذي لا يُرى بالعين ولا بالمجهر. فالله أنت يا (كورونا) من صنعك ومن بعثك، ويا ليت الخبراء في أنحاء الدّنيا يعرفون أبعادك المجهولة ... وفي النّهاية، لا يسعنا إلّا أن نقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. (يتبع)