لقد أصاب الشيخ المستاوي بلا شك وبلا جدال في الكتابة عن الشيخ الشعراوي امام الدعاة وشيخ الشيوخ وعميد المربين على مدى العصور وتعاقب الأجيال واني اريد بهذا المقال معاضدته وتاييده والسير على خطاه والاشادة ببعض مواقف هذا الشيخ الأزهري رحمه الله وطيب بالمسك ثراه فمن مواقفه الراشدة الخالدة انه كان معروفا باختلافه مع الرئيس عبد الناصر رحمه الله وغفر له ما قدمت يداه ومن ذلك خلافه معه في برامج دروس الأزهر الشريف فقد راى عبد الناصر ان تطعيم برامج الدروس الازهرية ببعض العلوم العصرية كالطب والهندسة امر يقتضيه تقدم العصر في طريق تقدم وتجديد العلوم في مصر لكن الشيخ الشعراوي رحمه الله خالفه في هذا الراي وراى ان التدريس في الأزهر يجب ان يقتصر على العلوم الدينية ولا ينبغي ان تنازعه فيها غيرها من العلوم المستحدثة العصرية... ومات عبد الناصر رحمه الله وبقي الخلاف بينهما في هذه المسالة على حاله ولم يتجاوزه ولم يتعداه وبعدة مدة من الزمن امر الشيخ رحمه الله بعض اصدقائه ان يسبقوه الى قبر عبد الناصر فسبقوه وهم لا يعلمون بما يريده الشيخ من وراء امره بالحضور فلما لحق بهم قال لقد رايت في المنام شابا يحمل بيده ادوا ت الهندسة وفتاة تحمل في يديها بعض ادوات الطب ورايت عبد الناصر يقول لي ارايت صدق ما قلته لك من ضرورة ادخال مثل هذه العلوم في برامج الأزهر علها تساهم في تطوير الحياة بمصر وعليه فانني اصبحت اسلم له في ضرورة فائدة تنفيذ هذا الأمر...اليست هذه اخلاق العلماء مهما كان خلافهم مع الخصوم و الأعداء اذ لا ننسى ان الشيخ الشعراوي قد ادهش عبد الناصر وكل المصريين وغيرهم من المسلمين وغير لمسلمين لما سجد شكرا لله يوم هزيمة 67 ولما سئل عن سر هذا الأمر الغريب وهو شيخ عربي مسلم اجاب رحمه الله انني دعوت الله الا ينتصر المصريون وفرحت بالهزيمة حتى لا يفتتن الناس بمذهب الشيوعية الذي يتزعمه ويتبناه عبد الناصر والناصريون ويومن به معهم الكثيرون) ولكن رغم هذا الموقف السياسي الصارم لم يستكف الشيخ من زيارة قبر عبد الناصر وترحمه عليه وقوله للحاضرين معه مثل ذلك الكلام الغريب الصادم فليت المتخاصمين والحاقدين يتعلمون من الشيخ معنى التسامح مهما كانت الخلافات بينهم في شؤون الدنيا او في شؤون الدين.... ومن المواقف التاديبية الطريفة للشيخ رحمه الله انه عندما اصبح وزيرا للاوقاف كان لا يجلس في مكتب الوزارة على كرسي الوزير بل كان يفترش الأرض ويجلس قريبا من الباب فلما سمع بامره الرئيس انور السادات رحمه الله زاره في مكتبه فراه على تلك الحال ولما ساله عن السبب قال له الشيخ انني اخشى ان جلست على الكرسي ان يغريني هذا الكرسي بالتشبث بمنصب الوزير فاعمل للبقاء فيه وانسى اوامر الله فاقوم ربما بما يرضيك و لا يرضيه ولما كنت اعلم سلفا ان ايامي في منصب الوزير معدودة اردت ان اجلس على الأرض حتى لا يكون حزني على عزلي من هذا المنصب من النوع الكبير الخطير...اولم يستفد الشيخ او لم ينتفع بذلك القول العربي القديم(ايما طائر طار وارتفع الا على الارض كما طار وقع) ولا شك ايضا ان الشيخ فل بنفسه ذلك الفعل لانه يحفظ ذلك القول المصري الذي يحذر العقلاء من رغبة النفس الأمارة بالسوء في الصعود غير مامون العواقب وغير المتحسب للمصائب الى اقاصي المعالي ونهايات العوالي (قد ما نعلا ونعلا ونعلا لازم نطاطي نطاطي نطاطي) ومن دروس التواضع التربوية التي قدمها الشيخ بصفة تطبقية للمتكبرين الذين ينسون ان التكبر من صفات الشياطين انه بعد ان قدم يوما درسا دينيا من الدروس الرائعة وقد حضر له فيه المئات وقدمت له بعده كل ايات وكل عبارات التهاني والاستحسان والتشكرات امر بواب المسجد ان يغلق الأبواب ويتركه وحده بعض الوقت دون ان يساله عن الأسباب فكان له ما اراد ولكن بعد وقت ليس بالقصير شعر البواب وفكروقدر ان الشيخ قد ابطا في الخروج من خلوته وفي عدم الاذن بفتح الباب فاستاذن عليه في الدخول فلما اذن له فيه راى عليه علامات تدل على انه قد انتهى لتوه من عملية تنظيف للمسجد وقد شمر على يديه ورجليه وهو يحاول حفظ ادوات التنظيف فعجب البواب لامره وخاطبه بكل ادب لماذا قمت بنفسك بهذا التنظيف ايها الشيخ وكان يكفيك ان تامر المنظفين فيغنوك عن القيام بهذا العمل المضني المبين فما كان من الشيخ الا ان قال له بكل حكمة وهو يبتسم لقد نفخ في الشيطان بعد درس هذه العسشية وقال لي انت اعلم اهل مصر بل اعلم الناس و كل البرية ففكرت في اذلال شيطاني وكسر شهوة التكبر والاستعلاء الذي انتابني فما رايت افضل من المسارعة في القيام بالكنس ونفض الغبار عسى الله ان يجيرني غدا من عذاب النار الذي اعده للشياطين واتباعهم من المتكبرين والمغترين والمنافقين والمرائين والأشرار...فهل سيتداوى المحبون والذاكرون للشيخ الشعراوي والمرددون لما اثر عنه من الدروس والفتاوى بما داوى به نفسه في السنين الخوالي من ادوية التسامح والتواضع والصدق ام سيكون ذكرهم له وحديثهم وكتابتهم عن سيرته مجرد ملء مجالس ومجرد سكب الحبر على الورق؟