قد لا أجانب الصواب إذا قلت أن سلوك الأفراد خلال أزمة فيروس كورونا يحدد مستقبل مجتمعاتهم، وأن شهر رمضان يمثل فرصة للتضامن بين الناس في مواجهة الجائحة. ومن هنا أدعو إلى التضامن بين المواطنين لمواجهة الفيروس،والنظر إلى روح الدين ومقاصده المتعلقة بحفظ النفس.. وفي ذات السياق أضيف:كل ما يمكن أن يؤثر على هذا المقصد، أو يهدد النفس الإنسانية، ينبغي أن يمنع ويحارب، حتى لو كان في إطار الشعائر الدينية اليومية، كما وقع بالنسبة إلى منع صلاة الجمعة والجماعات.. أنا على يقين بأن الناس لم يتعودوا طوال التاريخ المعاصر الذي تشهده الأجيال الحاضرة، على هذا النوع الواسع من الإلزام بالحجر المنزلي والبقاء آناء الليل والنهار في البيت..كما أعي أن هذا الوضع مختلف ومغاير للحياة العادية للإنسان، وبالتأكيد ستكون له انعكاسات على سلوكه، وهو فعلا ما مكن من ملاحظة نمط من الاحتجاج والانضباط غير التام، بسبب أنه أمر غير معتاد لدى فئات واسعة، فنصف الإنسانية اليوم أو أزيد يعيش حالة الحجر الصحي.. وإذن..؟ هذه لحظة مسؤولية تسمح للإنسان بالتدبر،كما أن وجود الناس في هذه الحالة توقيف لدوامة الجري وراء الالتزامات طوال الوقت.. من أعمال ودراسة وغير ذلك.. وأردف: هذه لحظة تسمح للإنسان أيضا بتنمية وتقوية قدرته على التفاعل والنظر في مثل هذه الحالات، فالإنسانية تواجه اليوم أسئلة كبرى ووجودية ومستقبلية.. بسبب التغييرات التي ستطرأ على مستوى المجتمع.. .رمضان في زمن كورونا: إنّ الحديث عن حالة العالم الآن المطبوعة بهذا الوباء في شهر رمضان، هو حديث عن مسألة أساسية، وهي علاقة الدين بمثل هذه الظروف والأوضاع التي تعيش فيها الإنسانية مخاطر مشتركة، ويعيش فيها الإنسان حالة استثنائية.. فما طبع علاقة الدين بالسلوك العام خلال أزمة كورونا كان بالأساس مفارقة، أو “تحديا بين الدين، باعتباره طقوسا وشعائر وعبادات يمارسها الإنسان بشكل شكلي، وغالبا بشكل جماعي، والدين باعتباره قيما وروح الدين ومقاصده التي تُعلي من قيمة الإنسان، وحفظ روح الإنسان باعتباره مقصدا كليا وجوهريا وأساسيا لرسالة الأديان كلها،ورسالة الإسلام بطبيعة الحال.. وأردف:صحيح أنه في الإسلام لا تعارض بين الأمرين. العبادات والطقوس هي في النهاية سبل للوصول إلى غاية الدين وقيمه،وتزكية الإنسان وتغيير سلوكه وأخلاقه نحو الأفضل، ليتمثل ويدرك بشكل أفضل هذه القيم.. على سبيل الخاتمة: المستقبل يُصنع الآن.. الطريقة التي ستحيا عليها الإنسانية بعد كورونا تتحدد من خلال سلوك الإنسان الفرد في هذه اللحظة.. شهر رمضان فرصة تبين انحياز الناس إلى التضامن ومساعدة بعضهم،والتركيز على هذه القيم التي تشتد الحاجة إليها في فترة كورونا، بدل التركيز على الخلافات وما هو شعائري وطقوسي.. وهنا أختم: التونسيون يحرصون على الدوام ،أن يحمل شهر رمضان الكريم ، في ثناياه مواضع البهجة ،حيث العبادة ،ومواضع السعادة ، حيث صلّة الرحم ومُساعدة الآخرين ، ومواضع الطمأنينة،حيث صلاة التراويح وقيام الليل والتهجّد،ومواضع الراحة حيث قراءة القرآن الكريم والأدعية والاستغفار،متمنّين أن يكون كلّ ذلك بعيدا عن أزمة هذا الكابوس المرعب ، الذي يُلقي بظلاله الرمادية على العالم. اللهم ارزقنا صيام رمضان إيمانا واحتسابا يا كريم، اللهم بلغنا رمضان، للهم بلغنا رمضان أياما عديدة وأعواما مديدة،صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطاهرين.