دراسة صادمة: 68% من التونسيين يعرضون سمعهم للخطر !    وزير التربية يعد بصيانة لجميع المؤسسات التربوية    المهدية: تقديرات بإنتاج حوالي 115 ألف قنطار من الحبوب خلال الموسم الحالي    بطولة روما للتنس للماسترز: انس جابر تستهل مشوارها بملاقاة التشيكية كفيتوفا    كاس العرب لكرة اليد للمنتخبات(الكويت 2025): المنتخب التونسي ينهزم امام نظيره القطري 30-31    سوسة : إيقاف 26 مروجًا للمخدرات وحجز كميات كبيرة من القنب الهندي والكوكايين    ثورة في عالم الموضة: أول حقيبة يد مصنوعة من ''جلد ديناصور''    عاجل/ غارات اسرائيلية تدمّر مطار صنعاء وجميع الطائرات المدنية    كأس العرب لكرة القدم "فيفا قطر 2025": سحب القرعة يوم 24 ماي الجاري بالدوحة    عاجل/ "يجب أن يتضوّروا جوعا": وزير اسرائيلي يطالب بتجويع سكّان غزة    تظاهرة ثقافية في باجة احتفالا بشهر التراث    اختتام الدورة العاشرة لمهرجان "سيكا جاز"    محافظ البنك المركزي: المغتربون التونسيون يساهمون بمتوسّط تحويلات يناهز 120 دولارا شهريا للفرد الواحد مقابل معدّل عالمي ب 200 دولار    هام/ كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الفارطة في مختلف جهات البلاد..    450 ألف دينار قيمة المحجوز: تفاصيل عملية احتكار الموز المورّد في نابل    قابس: وفاة شخصين وإصابة 8 آخرين في حادث مرور    الأمطار تنعش الزراعات الكبرى... لكن الخطر قادم بعد منتصف ماي    وزارة الحج: خفّفوا الأمتعة وتفرّغوا للعبادة في المشاعر المقدسة    دليلك الكامل لمناسك الحج خطوة بخطوة: من الإحرام إلى طواف الوداع    الإعلان الرسمي المرتقب عن موعد عيد الأضحى    فلامنغو ينتدب جورجينهو ويتفاوض مع لاعب برتغالي بارز    هام/ تطوّرات الوضع الجوي خلال الأيام القادمة..    مؤسسة "فداء" تدعو جرحى الثورة ممّن لم يتسنّ عرضهم على اللجنة الطبية إلى الاتصال بها    وزارة الرياضة تعلن عن مشروع إصلاحي في علاقة بخطة المديرين الفنيين الوطنيين للجامعات الرياضية    بعد نقصها وارتفاع أسعارها: بشرى سارة بخصوص مادة البطاطا..    انطلاق محاكمة المتهمين في قضية "التآمر على أمن الدولة 2"    منزل بوزلفة: الاحتفاظ بتلميذ من أجل إضرام النار بمؤسسة تربوية    مخزون السدود في تونس يُسجّل أعلى مستوى منذ 2019    العائلة التُونسيّة تحتاج إلى أكثر من "5 ملاين" شهريًا..!!    الدورة الثامنة لتظاهرة 'الايام الرومانية بالجم - تيتدروس' يومي 10 و11 ماي بمدينة الجم    عرض خاص من الخطوط التونسية لأعضاء fidelys    "بلومبرغ": الصادرات الصينية تتحدى الرسوم الأمريكية وتسجّل نمواً    بريطانيا تستعد "سرا" لهجوم عسكري مباشر من روسيا    الدورة الخامسة للصالون الدولي للانشطة والتكنولوجيات المائية يومي 7 و8 ماي بمقر الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية    تونس الكبرى دون "تاكسيات"..ما القصة..؟    عاجل | تشديد شروط التجنيس في فرنسا يُقلق التونسيين المقيمين بالخارج    كل ما تريد معرفته عن حفلة ''Met Gala 2025''    نصف نهائي دوري الأبطال: موقعة إنتر وبرشلونة الليلة    عاجل/ بشبهة حيازة مخدرات..الاحتفاظ بلاعب دولي معروف..    اليوم: تواصل مؤشّرات الأمطار    خبراء يحذّرون و يدقون ناقوس الخطر: ''فلاتر التجميل'' أدوات قاتلة    ترامب: نعرف من المسؤول عن تفجير "نورد ستريم"    قليبية: ايقاف المعتدي على النساء بشفرة حلاقة    بطولة مصر : هدف سيف الدين الجزيري غير كاف للزمالك لتخطي البنك الاهلي    تونس: قسم جديد لأمراض الدم بمستشفى عزيزة عثمانة    رئيس الجمهورية يوصي بفتح باب الانتدابات وإعداد مشروع قانون المالية للسنة القادمة    عاجل : بريطانيا تلوّح بتقليص التأشيرات لهذه الجنسيات    طقس الثلاثاء: أمطار غزيرة بهذه المناطق    صفاقس : عودة متميزة لمهرجان سيدي عباس للحرف والصناعات التقليدية في دورته31    لأول مرة في السينما المصرية/ فيلم يجمع هند صبري بأحمد حلمي    إلزام الناشرين الأجانب بإرجاع كتبهم غير المباعة إجراء قانوني    مهرجان محمد عبد العزيز العقربي للمسرح...دورة العودة والتجديد و«ما يراوش» مسك الختام    هبة يابانية    آلام الرقبة: أسبابها وطرق التخفيف منها    تتمثل في أجهزة التنظير الداخلي.. تونس تتلقى هبة يابانية    عاجل -فلكيا : موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من المقاصد التربوية للصيام : عبد العزيز كحيل
نشر في الفجر نيوز يوم 15 - 08 - 2009

رمضان مدرسة تربوية إيمانية فذه لتخريج الربانيين والربانيات إذا صام المسلمون أيامه وقاموا لياليه وتخلقوا بالأخلاق المناسبة له وفقا للأحكام والضوابط الشرعية ، بعيدا عن الرتابة التي تبلّد الحس وتلغي المقاصد
ومازال الشهر الفضيل في حاجة إلى اقتراب مقاصدي يوازي الطرح الشعائري القائم على تناول الجزيئات الفقهية والأخلاقية ليخوض في آفاق الغايات الكبرى ويبرز الأهداف التربوية للفرد والمجتمع والإنسانية كلها،ومعلوم أن الكتابات في المجال ألمقاصدي نادرة بالمقارنة للأبحاث الفقهية المستفيضة لا تتعدى بعض مؤلفات ابن تيمية وابن القيم والعز بن عبد السلام والشاطبي وولي الله الدهولي والطاهر بن عاشور و حسن البنا وأحمد الريسوني وجماعة من أمثالهم من القدامى والمحدثين، لذلك يبذل العلماء الراسخون في عصرنا جهودا كبيرة لاستدراك النقص ودراسة شرائع الإسلام وشعائره وأخلاقه_ ومنها الصوم _ليس دراسة فقهية أو حديثية فحسب وقد أشبعت بحثا من هذه الناحية عبر القرون وإنما دراسة علمية أصولية مقاصدية في إطار البناء الديني المتكامل الجامع بين الالتزام الفردي والمنظومة الاجتماعية وصناعة الحياة في ضوء المرجعية الإسلامية.
وأتناول في هذا المقال المختصر أمثلة من مسائل متعلقة بالصيام نعرفها من ونمارسها لكن من غير أن نعنى بمقاصدها التربوية إلا قليلا.
فتصفيد الشياطين في شهر رمضان - مثلا - مسألة غيبية تثير الجدل لكن يتعلم منها المسلمون أن رمضان فرصة مواتية للدعوة فينشطون في استمالة القلوب وتفتيق الأذهان وكسب النفوس إلى صف الحق بعد أن خف ضغط الشياطين وتوفرت الأجواء الإيمانية ، وبعبارة أخرى يكون داعي الشر خلال هذا الشهر في حالة تراجع مما يتيح لداعية الخير أن يكر ويهاجم ويدمغ الباطل ويرفع راية الهداية
وأما تفطير الصائم الذي يترتب عليه أجر كبير فما ينبغي أن نقصره على مجرد الفعل الفردي الكمالي بل يجب تناوله في إطار العمل التضامني الواعي الذي يستهدف محاربة الفاقة وإشاعة روح الأخوة من خلال تقاسم الأعباء المعيشية ولا يكون ذلك إلا بالتغلب على هوى النفس والتحرر من حظوظها ،وفهم الحديث النبوي بمثل هذه الكيفية يحقق القيمة الأخلاقية وفي الوقت نفسه يعطي صورة من صور البديل الإسلامي في المجالين الاقتصادي والاجتماعي،وعندما تفقه هذا المعنى جماهير الأمة المتعطشة لنيل الثواب فإنها تكون أكثر بذلا وعطاء وينعكس ذلك إيجابيا على المجتمع وينوّع أساليب الدعوة ويبرز للرأي العام وجها آخر من محاسن الإسلام الكفيلة بأن تجعله يدخل القلوب بغير استئذان.
وإذا انتقلنا إلى مثال ثالث نقف عند عبارة "اللهم إني صائم" التي لا تبرح في الغالب الميدان الفردي الجزئي الضيق بل والشعاراتي أيضا رغم أنها تشكل ضمن النسق الإسلامي العام قاعدة دينية وكلية اجتماعية ودافعا دعويا تعصم المسلمين الواعين من الاستدراج على كل المستويات بحيث يتربون ليس على رد الفعل السريع الأهوج وإنما على رد الفعل المدروس الهادئ ومعاني الحلم والمسامحة والتحكم في العواطف مهما كانت الاستفزازات ، فيكتب لهم الفوز أخلاقيا ودعويا وسياسيا وحضاريا.
أما صلاة التراويح فهي لقاء سنوي حي مع دستور المسلم الأكبر ودليل حياته – القرآن الكريم – في رحلة تتجاوز عدد الركعات لتكون تلقيا مباشرا غضا طريا لكلام الله تعالى وكأنه يتنزّل للتو على المؤمن يخاطب قلبه وعقله وحواسه لتكتمل العبودية لله ويتجدد الإيمان فتدمع العين ويقشعرّ الجلد ثم يطمئنّ القلب لذكر الله وتنتشر بين المسلمين معاني الأخوة والمحبة والرحمة فيزداد ارتباطهم بخالقهم وببعضهم
هذه أربعة أمثلة من قيم رمضانية كان يمكن تجسيدها في أبعادها المقاصدية لمعالجة أدواء الأمة وتكوين الفرد الفعال الصالح وبناء المجتمع المنشود،غير أن الذهنية المتسمة بالشعائرية والجزئية والسلبية اكتفت بالنظر السطحي وفوتت علينا قطف ثمار الصيام الطيبة – وعلى رأسها التقوى كما ورد في آية الصيام " يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " - وقد كرس هذه الذهنية الموروثة عن عصور الانحطاط كثير من الدروس المسجدية والإذاعية والتلفزيونية ونحوها التي لا تلتفت إلى رمضان إلا من خلال كلام متكرر يحشد الفروع بدون رابط بينها تضيع في خضمها المقاصد الشرعية والأهداف التربوية ،ولنا أن نقارن بين هذه الدروس- التي تبقى ضرورية من غير شك لتعليم الناس أمور دينهم - وتلك التي يلقيها علماء ودعاة أفذاذ يربطون الفروع بالأصول والجزئيات بالمقاصد فيثلجون الصدور ويحببون الصيام- والإسلام كله - للعباد باعتباره عبادة لله من جهة ومدرسة تربوية سلوكية من جهة أخرى ،وهذا هو التناول التربوي الواعي الذي ننشده لدفع الشبهات وإلجام الشهوات ، وإذا لم ندرك نحن ذلك فقد أدركه المتحكمون في الإعلام والتوجيه التربوي والاجتماعي من العلمانيين فعملوا على تقزيم الحصص الدينية في الإذاعة والتلفزيون والمدرسة ليفرغوا الصيام – والشعائر كلها – من الشحنة الإيمانية التي تغير الإنسان وتدفعه نحو الأفضل... إنها دعوة لفقه مقاصد الصيام وغيره من شعائر الإسلام لإصلاح النفوس وبناء المجتمع واستلهام النبع القرآني أكثر ضمن عملية دعوية واعية،وهذا هو الرجوع إلى القرآن والسنة عينه و هو خطوة ضرورية لتكوين القاعدة الصلبة وإيجاد الربانيين واستئناف الحياة الإسلامية.
عبد العزيز كحيل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.