يمُرُّ علينا – نحن المسلمين في باريس – شهرُ رمضان المُعظّم، هذه السّنة (1441 ه = 2020م) يتيمًا.. حزبنًا.. وذلك لغياب السّادة الضيوف : من الدُّعاة الأفاضل، والعلماء الأجلاّء، الذين كانوا يَفِدُون إلينا من عدّة بُلدان : (مَشْرِقِيّة ومَغَاربيّة)، وأُحبُّ هُنا أن أخُصَّ بالذكر صاحِبَ الفضيلة، الأستاذ المفكِّر والدّاعيةَ الغَيُور، والمُدَرّس القدير والخطيبَ البَلِيغ، الشيخَ الجليل : محمد صلاح الدّين المستاوي – (يحفظه اللهُ ويرعاه.. وأمدّه بالصحّة التامّة، والعافية الدائمة) – من علماء الزيتونة الأبرار، وشيوخ تونِس الأخيار في العصر الحديث، وهو مدير ورئيسُ تحرير مجلة (جوهر الإسلام) الغرّاء، والّتي لا تزال تصدر والحمد لله منذ نصف قرْن من الزّمن، والخبيرُ بمجمع الفقه الإسلامي بجدّةَ. • كان حفظه الله ونفع به، لا يتغيّبُ عن المجيء إلى (فرنسا) كُلّ رمضان من كل عام لسنوات عديدة، لا لشيء مادّيّ أو دُنْيَوِيّ، وإنمّا لِيُتْحِفَ الجالية المسلمة : المتعددة الأجناس والأعراق، بالدّروس الرمضانيّة في المساجد، وتقديم الأحاديث الدينيّة، في الإذاعاتِ العربيّة، الّتي تبُثُّ على (موجة F.M.) في مرسيليا، وليون، وباريس.. • كان أفرادُ الجالية المسلمة قد تعوّدتْ على الجلوس إلى الشيخ المستاوي عَقِبَ صلاة العصْر، والحرصِ على الاستماع إليه في حُبّ وشَوْق، مسْتَمْتِعين بما أفاضَ الله عليه من المواهِب اللّدُنِّيَّةِ، والإشراقات الربّانيّة، وما أعطاه ربُّهُ من العلم الغَزِير وما حباه به من الحِنْكَة، وما حلّاه به من الوَسَطِيّة.. • كان الشيخ المستاوي يحفظه الله – كما عَهِدتُهُ – لا يَتَوَانَى في إعطاء الدّروس بما يَنْفعُ الجالية، من أجل أن يَرْفع من مستواها، ويَقْشَعَ الجهل عنها : (عقيدةً وشريعةً .. وسلوكًا وأخلاقًا)، فتراه – وكأنّه الحالُ المُرْتَحِلُ – يتنقّلُ وحده بين المساجد – وهي كثيرة – كمسجد عمر بن الخطاب، ومسجد الإمام علي، ومسجد بلال، ومسجد السلام، ومسجد الأمير عبد القادر، وغيرها؛ وإذا سنحَتْ له فرصةٌ أو أُشِيرَ عليه بإلْقاء (خطبة الجمعة) فلم يَكُنْ يتردّدُ أو يرفضُ هذا الطّلبَ العزيزَ على نفسه المُطْمَئنّة وأخلاقِه الزكيّة. • كان الشيخ المستاوي يحفظه الله يتنقّل بين مساجد باريس وضواحيها بدون مواكِبَ أو جَعْجَعَةٍ، وأحيانًا لا ينتظِرُ سيّارة ثارِهةً من أحد الخوَاصّ، لِتُقِلَّهُ في تنقّلاته سواءٌ القريبة أو البعيدة، بلْ إنّه يسْتقِلّ شخصِيًّا بعزيمة أولي الألباب، وهِمّة الشّباب : (المواصلات) السّريعة كالمِيتْرُو، حتّى يَصِلَ في المِيعَاد إلى مكان المسجد الذي يُقَدّمُ فيه دَرْسَهُ .. وموعظتَهُ. • لا شكَّ أن الشيخ المستاوي يحفظه الله مُسْتاءٌ هذا العامَ، لِهَذَا الانْقِطاع المُفاجِئ، بسبب الحَجْر الصِّحّي وتَفشِّي وباء كورونا في كلّ دُوَلِ العالَم. حفظه الله تعالى دَوْمًا.. وحَبَاهُ جمًّا وحَيّاه وبَيَّاه.. في الدّنيا والآخِرة.!