يقول الله تعالى في كتابه المكنون داعيا المؤمنين الى التوكل عليه في كل ما ينوون قضاءه من الشؤون( وعلى الله فليتوكل المؤمنون) كما يقول داعيا ومذكرا عبده بوجوب التوكل عليه لانه هو وحده المتصف بالعزة والقوة والقدرة والجبروت( وتوكل على الحي الذي لا يموت) كما يذكر لنا سبحانه وتعالى ما قاله رسله وأنبياؤه المكرمون لاقوامهم عندما سمعوا وراوا ووجدوا ولاقوا منهم ما يكرهون( وما لنا الا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا و لنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون) اما عن معنى التوكل الذي دعا اليه الله تعالى في كتابه المنزل فهو الاعتماد على الله والتعويل عليه والثقة به وتفويض الأمر كله اليه والاستعانة به في كل شان وفي كل مشغل والتيقن بان حكم الله وقضائه نافذ المفعول مهما يقصر الزمان و مهما يطول مع ضرورة سعي المؤمن وانتهاجه السبل الطبيعية الشرعية لتحقيق ما يحتاجه من مطعم وملبس ومسكن وغيرها من الشؤون الضرورية وما احسن ان نذكر في هذا المقام حديث رسول الله صلى الله عليه سلم الف صلاة والف سلام ونتوقف عنده قليلا ونمعن فيه إمعانا (لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقتم كالطير تغدو خماصا وتروح بطانا) فالطير كما هو معلوم لدى الخاصة والعوام تصبح جائعة ليس في حواصلها شيء من الطعام ولكنها ترجع اخر النهار وقد ملا الله حواصلها من رزقه بلا جدال ولا خصام وكم يجب ان نعمل في ذلك الحديث الذي يشبهه ثاقب العقل ونوقد فيه زناد الفكر( يدخل الجنة اقوام افئدتهم مثل افئدة الطير) ومما قيل في تفسير هذا الحديث ان هؤلاء القوم متكلون على ربهم حق التوكل دون اي تاويل ولا تحريف ولا تخريف ولعل من هؤلاء الذين انعم عليهم الله بمثل هذه الأفئدة الامام العارف بالله( القشيري) رحمه الله ونفعنا بعلمه الذي آتاه و الذي قال ما لا يخفى على العقلاء مضمونه و مقصده وغايته ومعناه( واما الحركة في الظاهر فلا تنافي توكل القلب بعدما تحقق العبد ان الأمر كله بيد الله فان تعسر شيء فبتقديره وان تيسر شيء فبتسييره) ولعل احسن ما نختم به هذا المقال هو التذكير بموقف الصحابي الجليل ابي الدرداء فقد جاءه رجل فقال(قد احترق بيتك يا ابا الدرداء) فرد عليه وهو مطمئن البال (كلا ما احترق ولم يكن الله عز وجل ليفعل ذلك بكلمات سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال( من قالهن اول نهاره لم تصبه مصيبة حتى يمسي ومن قالهن اخر النهار لم تصبه مصيبة حتى يصبح( اللهم انت ربي لا الاه الا انت عليك توكلت وانت رب العرش العظيم ما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن ولا حول ولا قوة الا بالله اعلم ان الله على كل شيء قدير وقد أحاط بكل شيء علما اللهم اني اعوذ بك من شر نفسي ومن شر كل دابة انت اخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم) فقام وقاموا معه فانتهوا الى داره وقد احترق ما حولها ولم يصبها شيء فاذا اردت ايها القارئ اللبيب ان تعرف هل انت من المتوكلين الصادقين الذين يؤمنون بصدق كلام نبينا محمد المحبوب الحبيب القريب من رب العالمين فانظر ما يكون موقفك لو سمعت بخبر كمثل الذي سمعه الصحابي ابو الدرداء فان رايت ان موقفك كموقفه او قريب من موقفه فاحمد الله الذي هداك الى ما يحبه وما يرضاه وان كان موقفك غير ذلك فصحح عقيدتك وادع الله ان يفتح بصيرتك وان يقوي ايمانك وعزيمتك وان يجعلك من الذين قال فيهم في كتابه المكنون منذ قرون وامرنا ان نتفكر في قوله تفكيرا وان نتدبره تدبيرا وان نقراه سرا وجهرا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه ان الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدرا).